تشتهر علامة هوسكفارنا Husqvarna في أنحاء مختلفة من العالم، وهناك مكائن قص الحشيش والدراجات الهوائية والبخارية وكذلك البنادق من هذه العلامة التجارية العريقة. كل هذه وغيرها من الأدوات والمكائن صنعت في مدينة سويدية صغيرة جميلة هي هوسكفارنا التي تقع على مبعدة 320 كم جنوب غربي ستوكهولم. وأول ما يقابل المسافر بالسيارة من العاصمة السويدية إلى هذه المدينة تمثال ضخم الحجم صنع من ألواح الخشب يمثل كائناً اسطورياً يقطن الغابات هو الغول Troll. ولتسجيل تأريخ الصناعة في هذه المدينة، قامت جمعية التاريخ المحلي هناك بتنظيم متحف في أبنية المعمل القديمة، يعرض فيه مختلف منتجات المعمل العائدة إلى مراحل تطوره التاريخية المتتالية. ويستحق هذا المتحف الزيارة، لا سيما وأن المدينة التي يقطنها اليوم 21500 شخص تقع في منطقة جبلية جميلة خضراء على ساحل الطرف الجنوبي لثاني أكبر بحيرة في السويد، تتميز بوفرة الغابات والجبال والبحيرات الصغيرة رائعة الجمال ذات الماء النقي الصافي كالزلال. تعود جذور الصناعة هناك إلى القرن الرابع عشر الميلادي، عندما استقر عدد من الحدادين قرب الحامية العسكرية هناك، فحيثما يحل الجيش لا بد من وجود الحدادين. وفي القرن السادس عشر شيدت حامية ثانية في مدينة يونشوبنغ J?nk?ping المجاورة (وتقع على مسافة 7 كم إلى الغرب منها، وقد اندمجت هوسكفارنا إدارياً بيونشوبنغ عاصمة المحافظة سنة 1971 بعد أن حصلت على لقب مدينة في 1911). وفي العام 1620 أمر الملك غوستاف الثاني أدولف بإقامة مصنع للأسلحة في يونشوبنغ، إلا أن توافر الطاقة في هوسكفارنا المتمثلة في شلالات المياه حتّم انتقال هذه الصناعة إليها سريعاً، حيث شيّد المعمل في 1689. وهناك انتجت أنواع الأسلحة والبنادق وكذلك البارود. وفي 1757 انتقلت ملكية المعمل إلى الملكية الخاصة، لكن الانتاج استمر في تزويد الجيش السويدي بالسلاح، على سبيل المثال أنتج المعمل في سنة 1870 نحو 10 آلاف بندقية للجيشين السويدي والنرويجي. مع استمرار الانتاج العسكري، بدأ المعمل انتاج المصنوعات للاستهلاك المدني في منتصف القرن التاسع عشر، إذ أخذوا يصنعون وقتها بنادق الصيد ومكائن الخياطة التي اشتهرت عالمياً جنباً إلى جنب ماركة زنجر. وبدأ انتاج الطباخات الحديدية التي تعمل بالخشب بعد إنشاء ورشة السباكة في 1874، وفي فترة لاحقة بدأ انتاج الطباخات الغازية. أما انتاج الطباخات الكهربائية فقد بدأ في 1921، وبالطبع انتجت في هوسكفارنا كل أدوات المطبخ التي يمكن تخيلها، من القدور الحديدية وتلك المزججة ومكائن فرم اللحم حتى مكائن صنع البوظة (الدندرمة) ولاحقاً شوايات الميكروويف التي انتجت مبكراً منذ بداية ستينات القرن العشرين. ومن الطريف الذكر أن الانتاج تعثر بعد فشل تسويق الشوايات، ثم توقف بسبب مخاوف السكان من هذه التقنية الجديدة، خصوصاً بعد انتشار إشاعات بصدد الإشعاعات الخطرة المنبعثة من الجهاز. عندها جرى بيع التكنولوجيا وخبرة الانتاج إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، وهناك تحولت الشوايات لاحقاً إلى جزء لا يتجزأ من المطابخ. أما مكائن فرم اللحم فقد انتج منها نحو 20 مليون قطعة، وكانت مكائن بداية القرن العشرين اوتوماتيكية. وقد توقف انتاج هذه المكائن في العام 1970. لكن أكثر ما اشتهرت به هوسكفارنا هو الدراجات البخارية - الموتورسيكلات. فقد بدأ الانتاج مبكراً سنة 1903، سواء للاستعمال الإعتيادي أو الرياضي. وبدأت شحنات الموتورسيكلات العسكرية تسلم إلى الجيش منذ 1916. وفازت موتورسيكلات هوسكفارنا في عدد من السباقات العالمية. كما انتجت المعامل الدراجات الصغيرة (moped) التي لا يحتاج سائقها الحصول على رخصة قيادة في السويد والعديد من الدول الأخرى. وارتباطاً بالدراجات والموتورسيكلات أضحت المدينة محطة من محطات سباقات الدراجات السويدية، ومنها سباق الدراجات الشهير باسم Sverigeloppet الذي نظم بين 1951 - 1965، وبلغت مسافة السباق قرابة 2000 كيلومتر تخترق السويد من الشمال حتى الجنوب. أما اليوم فأكثر ما تشتهر معامل هوسكفارنا بانتاجه هو مناشير الخشب بكل أنواعها، ويعود ذلك إلى أهمية قطاع اقتصاد الغابات في السويد. بالتالي توجه الانتاج لخدمة هؤلاء المستهلكين المحترفين الذين يتطلعون إلى العمل بمناشير لا تصدر ضوضاء عالية خفيفة الوزن وكذلك مأمونة الاستعمال، سواء عبر زيادة حماية العامل من مخاطر الحوادث أو تقليل مستوى التذبذب (الاهتزاز). ويعمل اليوم نحو 16000 عامل في شركات هوسكفارنا. وتعرض في المتحف بنادق صيد وبنادق حربية جميلة الصنع، وهناك نحو 200 قطعة منها، بعضها منقوشة بنقوش رائعة، نفذها حرفيون ماهرون من بين أشهرهم ساندسترُم (عمل بين 1876 - 1929) ثم يوناسّون (المشهور باسم يوناس الصغير) وسفنسون منذ أربعينات القرن العشرين. وتركت الصناعة الحربية طابعها على المعمل منذ بدايته كما رأينا، وكانت المنتجات المدنية تصنع على نفس المكائن المستعملة في انتاج الأسلحة. مثلاً كانت مكائن انتاج بنادق رمينغتون الشهيرة التي اقتناها المعمل في منتصف القرن التاسع عشر ملائمة تماماً لصنع مكائن الخياطة التي بدأ انتاجها في 1872. ويتألف المتحف من عدد من الأبنية، يخترقها نهير ينساب من الجبال المحيطة بنيت عليه سدود لتخزين الماء والاستفادة من طاقته سواء بشكل مباشر (الطاقة الميكانيكية التي استعملت للتحريك في السابق) أو لتوليد الكهرباء. وهناك محطة كهرومائية قديمة تقع في أعالي النهر جرى تحويلها كذلك إلى متحف تحيط به الغابات وبحيرة السد الجميلة. وينظم احتفال كبير في يوم 30 آب (أغسطس) من كل عام تفتح فيه بوابات السدود في أوقات منتظمة كل نصف ساعة فيتدفق الماء في النهر بصخب وهدير، ويقدم متسابقون ماهرون عروضاً مثيرة على الموتورسيكلات في مجرى النهر الصخري في الفترات التي تتخلل فتح السدود بعد انحسار الماء. ويفكر المنظمون بالأطفال كالعادة، حيث يخصص لهم موقع في مرج أخضر قريب تملأه الألعاب وتعرض فيه مكائن رجال الإطفاء مثل الرافعات الضخمة التي يمكن الركوب فيها والارتفاع بها إلى علو شاهق، أو امتطاء خيول البوني واللعب مع الحيوانات الأليفة. كما جرى تحويل قرية الحدادين Smedbyn الواقعة على مبعدة بضع مئات من الأمتار عن المعمل إلى موقع سياحي، حيث يشغل بيوت الحدادين الخشبية الصغيرة المطلية باللون الأحمر المميز الفنانون الشعبيون والحرفيون يعرضون فيها أعمالهم. ويمكن تناول القهوة والمرطبات والحلويات السويدية الشهيرة أو تناول الطعام في المقاهي والمطاعم التي تعبق برائحة القرفة. يفتح المتحف أبوابه بين العاشرة والخامسة (والثالثة في الشتاء)، وفي نهاية الأسبوع بين منتصف النهار والرابعة عصراً. ويبلغ سعر التذاكر 40 كرون سويدي للبالغين (حوالي 4 يورو)، و20 لليافعين بين سن 12-18، وبالمجان لمن هم دون الثانية عشرة.