أَسمع ابو مازن وهو يشرح رؤيته للعمل الفلسطيني وأقول"معه حق". ثم اسمع المقاومة الاسلامية وأقول"معها حق". اسمع ثم ارجو وقف العمليات الانتحارية نهائياً، ومن دون شروط، كنقطة انطلاق نحو حوار فاتفاق. كنت سلجت رأي الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي ل"حماس"، في التعامل مع السلطة الوطنية والمواجهة مع اسرائيل، ثم سجلت رأي الدكتور رمضان شلّح، رئيس الجهاد الاسلامي، بعد العملية الانتحارية في نتانيا. ورأيت بعد ذلك ان اعرض رأي السلطة في العلاقات بين الفلسطينيين، ومع اسرائيل. واكثر التالي يعتمد على مهاتفة طويلة لي في نهاية الاسبوع مع الأخ محمد دحلان الوزير الفلسطيني المسؤول عن الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة. أبو فادي يرى ان لا أفق سياسياً وراء العمليات الانتحارية أو اطلاق الصواريخ، ويقول ان اسرائيل ترد على نشاطات حماس والجهاد بضرب مواقع السلطة الوطنية. هو يشكو من ان كل فصيل فلسطيني ينفذ اجندته الخاصة، والسلطة تدفع الثمن. ويضيف ان الهدنة ليست امتيازاً خاصاً للرئيس محمود عباس، وانما كانت التهدئة باتفاق الجميع قبل خمسة اشهر، ومع ذلك الفصائل تعامل التهدئة وكأنها"تحميل جميل"للأخ ابو مازن، وكذلك يفعل الاميركيون والاسرائيليون. محمد دحلان يعترف بأن الكل اخطأ، وعلى الفلسطينيين جميعاً تحمل نتائج اخطائهم. الا ان الوضع الآن هو ان الشعب الفلسطيني انتخب ابو مازن بعد اربع سنوات من انتفاضة دمرت قدرات هذا الشعب، وفوضه اصلاح الوضع. ولكن يبدو ان كل فصيل يقدم مصلحته الخاصة على المصلحة العامة من دون خطة واضحة تشرح مواقفه أو تبررها. الوزير الاقرب الى الرئيس قال ان السلطة تعمل لتلبية احتياجات الناس، وتحاول توفير الكهرباء والماء، ومعالجة البطالة، وتحسين المدارس والمستشفيات والطرق، وكل انواع الخدمات العامة، ثم تأتي فصائل تتصرف بمفردها وبما يعود بالضرر على المجموع. وهو اضاف ان السلطة عرضت على الدول المانحة 27 مشروعاً لاعادة بناء البنية التحتية في الاراضي الفلسطينية. وهناك وعد من قمة الثماني بتقديم ثلاثة بلايين دولار، وتعهدات اخرى، الا ان العون مربوط بالهدوء، وبالانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة هذا الصيف. سمعت مسؤولين فلسطينيين في الحكم يقولون ان الجهاد الاسلامي جرّت حماس الى مواجهة مع السلطة الوطنية اصبحت تهدد بحرب اهلية. وقد وقعت مواجهات معروفة راح ضحيتها فلسطينيون ابرياء. وابو مازن لا تكفيه الضغوط الفلسطينية الداخلية عليه والاسرائيلية، فالاميركيون ايضاً يضغطون، وهم يريدونه ان يمنع"اعمال العنف"ضد اسرائيل، ويجرد الفصائل الاسلامية من سلاحها. وقد زاد ديفيد والش، رئيس دائرة الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الاميركية، طلباً جديداً الاسبوع الماضي هو"محاكمة الذين يمارسون العنف ضد اسرائيل". أبو مازن لا يستطيع حتى الآن محاكمة المتهمين بالفساد، والوضع الأمني في المدن الفلسطينية لم يتحسن منذ انتخابه، وعلى رغم كل الاجراءات التي اتخذها. وهناك عصابات جريمة لا علاقة لها بالسياسة ولكن من اسباب انتشارها ضياع هيبة الحكم، حتى ان مسلحين يطلقون النار على مراكز الشرطة، واحياناً مراكز الحكم، وبيوت كبار المسؤولين. هذه كلها أمور لا يمكن ان نحمل اسرائيل مسؤوليتها، وكل فصيل يشرح الوضع على طريقته، كما تشرحه السلطة على طريقتها. ولكن المسؤولية عن استمرار الفساد وغياب الامن جماعية لن يستطيع فريق تحميلها أي فريق آخر، متنصلاً من حصته في المسؤولية عنها. محمد دحلان يعترف بأن لا أفق سياسياً مع شارون، ولا فرصة بالوصول الى حل مقبول. وهو يلاحظ ان شارون يستفز الفلسطينيين، والفصائل تدرك ذلك، ثم تقبل ان تستفز بالرد عليه كما يريد. وأبو فادي يضيف ان هناك فرصة ليخرج الاحتلال من قطاع غزة وشمال الضفة للمرة الاولى منذ 38 سنة، مما سيمثل انتصاراً لصمود الشعب الفلسطيني. وهو يأمل بأن يستطيع الفلسطينيون بعد ذلك فتح نافذة للمستقبل، اذا اثبتوا انهم أهل للمسؤولية وقادرون على ادارة اراضيهم وحكم انفسهم بديموقراطية، تشجع اللاعبين الآخرين على إكمال العملية السلمية لتنتهي بالدولة المستقلة القادرة على الحياة. أبو فادي معه حق، وأبو الوليد والدكتور رمضان معهما حق ايضاً. واذا اتفقنا على وقف العمليات الانتحارية كنقطة انطلاق فإن لا شيء يمنع السلطة وفصائل المقاومة من تنسيق الادوار لتسهيل الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة، فهذا انجاز لا يجوز للفلسطينيين ان يضيعوه بسبب أي خلاف داخلي، لأن الخلاف يمكن تأجيله ستة اسابيع او ثمانية، الى حين اكمال الانسحاب، ثم يكون لكل حادث حديث.