عاشت الوزيرة"،"يا سفيرة يا أبهة، إيه العظمة دي كلها"هتافات صاح بها أهالي من قرية"بنبان"والقرى المجاورة في محافظة أسوان قبل أسبوعين، متحدين الصيف القائظ، وغير عابئين بالأجساد المتلاصقة إلى درجة الالتحام في القاعة الصغيرة الملحقة بمركز شباب القرية. وعلى رغم أن اللافتات الموضوعة في الخارج كانت تعلن عن تأييد أهل بنبان، كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً، للرئيس مبارك لولاية خامسة، وعلى رغم أن الملصقات الضخمة كانت تشير إلى مناسبة إعلان نجع أبو شوارب في قرية بنبان خالياً من ختان الإناث، فإن الوضع داخل المركز كان مختلفاً. كان الجمع حاشداً بحق، وترأسه مسؤولون مصريون ودوليون خضعت مناصبهم لتغييرات. فأمين عام المجلس القومي للطفولة والأمومة السفيرة مشيرة خطاب نصبها أبناء بنبان"وزيرة"، والممثل المقيم لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي أنطونيو فيجيلانتي حاز في أبي شوارب لقب"سفير"، وممثل يونيسيف في مصر إرما مانكورد لقبت بپ"الست". أما محافظ أسوان سمير يوسف، فاحتفظ بمنصبه من دون تغيير طوال الاحتفالية. المناسبة كانت تتويجاً لجهود استمرت عامين لإيجاد قرية نموذجية خالية من ختان الإناث من بين 60 قرية في ست محافظات في صعيد مصر. وكانت النتيجة أن"القادة الرسميين والتقليديين"في أبي شوارب قالوا إنهم"قرروا"أن"يعلنوا"رفضهم لعادة ختان الإناث. الاوراق الرسمية تشير الى أن المجتمع في أبي شوارب نجح في التغلب على الضغوط، وإقناع العائلات بالامتناع عن هذه العادة، وذلك بعد عامين من استخدام الوسائل التعليمية والتدريبية الموجهة الى الأسر، وقادة المجتمع، والعاملين في مجال الصحة والقادة الدينيين. كل ذلك تم في ما يشبه"حركة"جمعت الجهات المانحة، ووكالات الأممالمتحدة المختلفة، وشركاء محليين. فقر وبطالة لكن الصورة على أرض الواقع في أبي شوارب جاءت مختلفة بعض الشيء، فالجموع المحتشدة خارج مركز الشباب جمع بينها عدم معرفة حقيقة ما يحدث في داخل القاعة، وسبب حضور"كبارات البلد"إلى بلدتهم المتواضعة فجأة ومن دون سبب واضح. فهم غارقون حتى آذانهم في الفقر، والبطالة، وتأخر سن الزواج، وربما هذه الاسباب تحديداً هي ما دعتهم الى المجيء. فمنهم من جاء يطلب معاشاً لابنته المعوّقة التي لم تبرح البيت طوال سنوات عمرها الپ33، ومنهم من حملت التماساً الى الحكومة لتخلصها وزوجها وابناءهما السبعة من العقارب المتسللة يومياً الى بيتهم، وعشرات من المظالم التي تقلصت أمامها القضية الاساسية للاحتفالية وهي ختان الإناث. لكن الختان قضية تنموية طويلة المدى، وهي إن كانت متأصلة في أواصر المجتمع المصري لن تمحى بممحاة. فما تأصل من خلال عشرات القرون لن تلغيه عشرات الاحتفاليات، لكن نقطة البداية الأصعب بدأت وتحديداً في أبي شوارب حيث الحديث عن ختان الفتيات، سواء كان رفضاً أو تأييداً يعتبر في حد ذاته إنجازاً. حتى لو تحولت السفيرة الى وزيرة، وممثل الاممالمتحدة الى سفير، واحتفالية منع الختان الى حملة تأييد للرئيس. خبراء المشروع القومي لمناهضة ختان الإناث في المجلس القومي للطفولة والأمومة والمتطوعون يجوبون قرى صعيد مصر - حيث العادة متأصلة - طالما تحدثوا عن المضاعفات والأضرار النفسية لممارسة ختان الإناث. إنهم يتحدثون بالحجة والبرهان عن القلق، والصدمة النفسية، والشعور بالخزي وتشويه صورة الذات، والخوف من الزواج، وعدم الوصول إلى الإشباع الجنسي، بل وعدم الإقبال على العلاقة والإحباط والاكتئاب لدى الزوجين. لكن مهما كانت الحجة قوية، فإن المقاومة أقوى، فهي متأصلة منذ قرون، وتجد بين القائمين على أمر الدين من يروج لها باعتبارها واجباً دينياً. وبين الأوساط الاجتماعية من يؤكد ضرورتها بحجة أن عدم ختام البنت يُعرض عِفتها ومن ثم شرف العائلة للخطر. إجراء طبيعي؟ وربما هذا ما دعا ياسين 17 عاماً الطالب في المعهد الأزهري في أسوان الذي وقف خلف الأسوار يستطلع ما يحدث في مركز الشباب إلى التشديد على أنه مع ختان الفتيات، لأن"هذا هو الإجراء الطبيعي"جازماًَ بأنه لن يفكر في الارتباط بفتاة غير مختنة. وهو في ذلك شأنه شأن منصور 32 عاماً، وهو عاطل من العمل، ولم يتزوج"لضيق ذات اليد". فهو يتعجب مما يحدث، فالختان في رأيه"حفظ لكرامة المرأة، وتركها من دون ختان ترويج للفسق". وحين سئل: ألا تعتقد أن تعريض الفتاة لعملية الختان نوع من أنواع العنف ضدها؟ سكت، وفتح فاه، ولسان حاله يقول:"هل أنتم مجانين؟". المثير أن النساء الموجودات في الاحتفالية، لا سيما الشابات، كن أكثر انفتاحاً وتقبلاً للفكرة، على رغم أن غالبيتهن خضعن لتلك العملية، وربما هذا هو سبب قبولهن لفكرة مناهضة الختان. سعاد 23 عاماً حاصلة على دبلوم تجارة ومقتنعة تماماً بالضرر الذي يتسبب فيه الختان، وهي مصممة على عدم إخضاع بناتها - إذا رزقها الله بمواليد إناث بعد الزواج ? للختان. لكنها على رغم ذلك على ثقة بأن التقاليد المتوارثة لا تتوقف بين ليلة وضحاها، وتؤيدها في ذلك راندة 15 عاماً التي شاركت مشاركة فاعلة في مناقشات عدة حول قضية ختان الفتيات من خلال برلمان الطلائع في أسوان. وتقول:"لا نستطيع أن نتخلى عن عاداتنا وتقاليدنا فجأة، يجب أن يتم ذلك تدريجاً". وعلى رغم التشبث الواضح بعادة الختان في هذه القرية السمراء التي شهدت الاحتفالية، فإن أمين عام المجلس القومي للطفولة والأمومة السفيرة مشيرة خطاب كانت تتوقع ما هو أكثر. إذ قالت:"كان يمكن أن يبادر أحدهم بتمزيق اللافتات الرافعة لشعارات لا للختان مثلاً، كما كان يحدث من قبل. لكن بدلاً من ذلك تزاحم كثيرون ليوقعوا على وثيقة رفض الختان". عموماً، فإن تنظيم احتفالية في قلب قرية صغيرة في أقصى صعيد مصر عن ختان الإناث ومجرد الحديث عنه جهراً هو في حد ذاته إنجاز، لا سيما بعدما كان مجرد طرح الكلمة عيباً. وهذا ما يشير إليه الممثل المقيم لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي أنطونيو فيجيلانتي الذي قال إن أصعب مرحلة هي بداية كسر التابو،"وكانت الغالبية تنظر إلى ختان الإناث إما من منطلق ديني بحت، أو من منظور طبي فقط، ولم يكن أحد يفكر في زاوية حقوق الإنسان، وهتك الحرية والعنف". ولعل انخراط الأطباء في مجال إجراء عمليات الختان للفتيات من عوائق مناهضته. فإذا كان حاملو راية الطب القائم على العلم والذين يتوجه إليهم الجميع بحثاً عن النصح والمشورة العلمية يجرون هذه العمليات بأنفسهم، فكيف نقنع البسطاء بحظر الختان؟ شريفة مصطفى حلبي أم من مركز دراو في أسوان، لديها سبعة أبناء، بينهم ثلاث فتيات جميعهن مختنات، لكنهن"مختنات صحّ"على حد قولها. فقد رفضت السيدة الاستعانة بالداية أو بحلاق القرية، لكنها لجأت الى طبيب مختص. وتقول"كنت أدفع 35 جنيهاً لو توجهت بابنتي إلى عيادته و40 جنيهاً لو جاء هو إلى البيت، وعلى رغم أنه مبلغ باهظ بالنسبة الينا، لكنني لم استخسره فيهن". والواقع يشير إلى أن لدى بعض الأطباء قناعة كاملة بأن ختان الفتيات من تعاليم الأديان ويسود الجهل بين بعضهم في الأضرار البدنية والنفسية والجنسية لهذه الممارسة الخاطئة بسبب البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها الطبيب، وتلقى فيها عاداته وتقاليده.