134مليار ريال إنفاق المستهلكين    تستضيف مؤتمر (يونيدو) في نوفمبر.. السعودية تعزز التنمية الصناعية عالمياً    حرصاً على استكمال الإجراءات النظامية.. ولي العهد يوجه بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر    برنية: رفع العقوبات يمهد لفك الحصار.. واشنطن تدعم سوريا لإنهاء «العزلة»    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. آل الشيخ: السعودية تعيش تحولاً كبيراً بمختلف المجالات    أكد أن أبواب الدبلوماسية مفتوحة.. عراقجي: لا مفاوضات نووية قريبة    ضمن السلسلة العالمية لصندوق الاستثمارات العامة.. نادي سينتوريون يحتضن بطولة PIF لجولف السيدات    مانشستر يونايتد مهتم بضم توني مهاجم الأهلي    نثق قي تأهل الأخضر للمونديال    "الداخلية" تنهي كافة عمليات إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن الإيرانيين عبر منفذ جديدة عرعر    هيئة تقويم التعليم تعزز حضورها الدولي بمؤتمرات عالمية في 2025    اقتراب كويكب جديد من الأرض.. السبت المقبل    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    الفيشاوي والنهار يتقاسمان بطولة «حين يكتب الحب»    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    وفاة كل ساعة بسبب الوحدة حول العالم    الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ    فيصل بن مشعل يحتفي ب24 فارساً حققوا 72 إنجازاً محلياً ودولياً    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    الذهب يرتفع مع ضعف الدولار والرسوم الجمركية الأميركية    "مسام" ينزع (1.493) لغمًا في الأراضي اليمنية خلال أسبوع    المملكة توزّع (900) سلة غذائية في محلية الخرطوم بالسودان    المملكة تدعو إلى إيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام    محمد بن عبدالرحمن يلتقي سفير كولومبيا.. ويرعى حفل «تيسير».. اليوم    موقف متزن يعيد ضبط البوصلة الأخلاقية الدولية!    «الاستثمارات العالمية» في النفط والغاز تتجه للشرق الأوسط    موافقة الملك على منح وسام الملك عبدالعزيز ل200 متبرع بالأعضاء    320 طالباً يشاركون في برنامج «موهبة الإثرائي» في الشرقية    انطلاق صيف المذنب في متنزه "خرطم"    تقرير «النقل» على طاولة أمير تبوك    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    غونزالو غارسيا يقود ريال مدريد إلى ربع نهائي «مونديال الأندية»    القيادة تهنئ حاكم كندا ورؤساء الصومال ورواندا وبوروندي بذكرى بلادهم    د. السفري: السمنة مرض مزمن يتطلب الوقاية والعلاج    غزة: المساعدات «حقل للموت»    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة العارضة    "عسل جازان" يحقق ميدالية بلاتينية في مسابقة لندن الدولية 2025    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير نادي منسوبي وزارة الداخلية بمناسبة تعيينه    مركز التنمية الاجتماعية في جازان يقيم حفل "فرحة نجاح" احتفاءً بنجاح نزيلات مؤسسة رعاية الفتيات    رياضي / الهلال السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية بالفوز على مانشستر سيتي الإنجليزي (4 – 3)    أصداء    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    القيادة تعزّي أمير الكويت في وفاة الشيخ فهد صباح الناصر    العثمان.. الرحيل المر..!!    إلزام المطاعم بالإفصاح عن المكونات الغذائية    تحفيز الإبداع الطلابي في معسكر ثقافي    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يطلع على استعدادات المنطقة خلال موسم الصيف    "الفيصل" يرأس الاجتماع الأول لمجلس إدارة الأولمبية والبارالمبية السعودية    "الدهمشي" يطّلع على جهود فرع الصحة بجازان ويشيد بدوره في متابعة كفاءة الخدمات الصحية    حملة توعوية وتثقيفية على مغاسل الملابس بالظهران    غرفة الشرقية تناقش دور القطاع الخاص في البرنامج الوطني للتشجير    أمير جازان يستقبل قائد قوة الطوارئ الخاصة بالمنطقة    البيعة الثامنة لولي العهد بلغة الثقافة والفنون    أكد أهمية مناهج التعليم الديني.. العيسى يشدد: تحصين الشباب المسلم من الأفكار الدخيلة على "الاعتدال"    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيديولوجيا الدولة الإسلامية ... الافكار والمشاريع واحتمالات المستقبل
نشر في الحياة يوم 25 - 06 - 2005

اذا كانت الايديولوجيا، بحسب كارل بوبر، تخترق النظريات العلمية بقناع من التأويل قد يخفى عن الكثيرين، وبصورة يصعب فيها فك ارتباطه بها. فهي في تجل آخر، تنسج اوهاماً كثيرة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، بكل تياراتها الفكرية والسياسية. ذلك ان الايديولوجيا هنا تنزلق في الوعي، لا عبر المقولات الفكرية والسياسية لتلك التيارات فحسب. بل وحتى في نمط من التفكير يكشف عن هويته الأنطولوجية بهشاشة امام الترتيبات المعقدة للعالم الحديث والأحداث التي تمور فيه. وإذا كانت الأفكار سيطرت كثيراً بالتباساتها المجردة في مقولات الأحزاب والجماعات حتى من دون ان تمتلك فحصاً نقدياً يحررها من الايديولوجيا، فضلاً عن الاتعاظ من نماذجها الكارثية حين تقع في حيز التطبيق، بعد ذلك. فهي في هذا الأخير تتكشف عن مساحات هائلة من الجهل والفراغ. يرتد بأصحاب تلك المقولات الى استقطاب حاد حول اصل الفكرة، ينوس بين نبذها بالكلية. او احترافها بعيداً من كل مثالاتها وأخلاقياتها. ومقاربتها بموضوعية. وفي الحالين يتكشف الوعي عن بؤس شديد، وفقر في فهم تاريخ الأفكار. من هذه الأفكار التي التبست بها الايديولوجيا بكثافة: فكرة الدولة الإسلامية. التي جرت بسببها دماء كثيرة بين الجماعات الإسلامية وأنظمة الحكم العربية. وإذا كان العنف والقمع يمكن ان يكون مفهوماً باعتباره آلية اشتغال السلطة المجردة. فإن اهم ما ينبغي مراجعته في اجندة تلك الحركات الإسلامية هو مفهوم الدولة الإسلامية، ومحاولة تحريره من الايديولوجيا. خصوصاً بعد النماذج الدولتية الهشة في كل من السودان وأفغانستان، او النموذج المأزوم في ايران، والمعقّد في تركيا. فنتيجة لغياب امتد قروناً طويلة لدولة العدل في عهد الراشدين من جهة، وللصورة التي قام عليها شكل العالم الحديث منذ معاهدة"وستفاليا"في القرن السابع عشر، الى"سايكس - بيكو"التي كانت اهم نتائج موت"الرجل المريض"أي الخلافة العثمانية. اصبحت فكرة الدولة الإسلامية حاضنة للكثير من اجندات الحركات الإسلامية. كفكرة متعالية الهدف منها هو السعي لتحقيقها فقط من دون التوقف حتى عن إمكانات تحقيقها نظرياً، وأثر ذلك لا في مواجهة القوى الدولية فحسب، بل في الإشكالات التي تنشأ من مفارقات حرق المراحل، وفهم طبيعة السلطة كآلية مطلقة للقمع، ما لم تحكمها شروط موضوعية. الأمر الذي يعيق تلك الحركات ويخلق بينها تناقضات خطيرة تفضي الى التذرر والاحتراب. ذلك ان القراءة الموضوعية لشروط الدولة الإسلامية هي ابعد ما تكون عن ذلك التصور الإيديولوجي الى تقنية الحركات الإسلامية. فالاستقراء الحثيث لنموذج الدولة الإسلامية يحيل على شرطين اساسيين، بحسب الدكتور عبدالوهاب الأفندي، في كتابه المهم"الإسلام والدولة الحديثة"هما: التراضي والعدل. وهذان الشرطان يحيلان الى ما هو اعمق من وعي بعض الإسلاميين بكثير. فهما يفضيان في التأويل الفلسفي الى دولة خادمة للمجتمع. وهي بطبيعتها تلك لا تتساكن مع مفهوم الدولة القامعة. وهذا الاعتبار في شرطيها اقرب الى شكل الديموقراطيات الغربية الحديثة. ذلك اذا كفت الدولة الإسلامية عن وظيفتها الخدمية تلك والقائمة على التراضي بين المسلمين، يصبح السعي لها مجرد بحث عن السلطة فقط وهذا بالضرورة ينتج آليات القمع التي تسمح بالتحكم منذ ايام معاوية الى نموذج الأنظمة العربية الحالية. فالدولة الإسلامية ليست جوهراً يتم السعي له في ذاته ولذاته، بل هي انعكاس وظيفي يخدم المجتمع برضاه ورقابته. لكن غيوماً كثيفة طمست هذا التصور الذي كان واضحاً في عهد الراشدين. منها تداعيات الفتنة الكبرى، وانحسار مفهوم العدل السياسي. وغياب العلاقة الجدلية بين الإسلام والدولة... التي تربط الوسائط بالمقاصد، خلافاً للماكيافيلية. اضافة الى الانقطاع التاريخي بين المسلمين والدولة الإسلامية الذي وقع نتيجة لترتيب العالم الحديث وفق المركزية الأوروبية. ونتيجة لاتفاقية"سايكس - بيكو". وهو ما ادى الى ظهور دولة القمع العربية. بنموذج واحد. كانت تجربتها مع الحركات الإسلامية تحريضاً سلبياً جديداً للسعي الحثيث نحو إقامة الدولة الإسلامية. إضافة الى ذلك الحنين التاريخي لتلك الحركات خصوصاً بعد سقوط الخلافة العثمانية. غير ان هذا الكلام عن ايديولوجيا الدولة الإسلامية لا يلغي مفهوم الدولة الإسلامية بقدر ما يحاول فهمها بعيداً من الإيديولوجيا. وبالتالي التنبيه الى ايديولوجيات كثيرة تفرعت عن هذه الإشكالية، يحتاج الإسلاميون اليوم الى شجاعة كبيرة للإقرار بها هذا إن لم نقل اصدار بيانات او فتاوى بصددها كما وصل الى هذه القناعة الواعية اليوم العديد من الناشطين الإسلاميين منهم الدكتور عبدالوهاب الأفندي صاحب كتاب الإسلام والدولة الحديثة والوزير المنشق عن حكومة الترابي - البشير منتصف تسعينات القرن الماضي.
ونحن نعتقد بأن هذا الاعتراف من اهم المراجعات التي ينبغي ان يقرّها الإسلاميون للكثير من الأسباب. منها: ان ذلك سيفضي بالضرورة الى استراتيجية تتخفف كثيراً من الايديولوجيا في اجندة الحركات الإسلامية. ومنها تفكيك قناعات راسخة للكثير من النخب العربية العلمانية ليبرالية - يسارية - قومية عن مفهوم الدولة الإسلامية التي ارتبطت لدى الكثيرين منهم بالدولة العثمانية المتخلفة... وبالمفاهيم النمطية التقليدية عن الدولة في الإسلام واختلاطها لدى الكثيرين منهم بمفهوم الدولة الدينية الثيوقراطية الرهيب في القرون الوسطى في اوروبا. ومنها الاعتراف بشروط موضوعية تحكم العالم. وقبول الإسلاميين بآليات للعمل السلمي تصدر عن وعي محايث للعالم كجزء منه، لا متعالياً عليه حتى لا يفضي ذلك الفهم المتعالي عن العالم الى مثل زلزال 11 ايلول/ سبتمبر 2001.
كل هذه الملاحظات ستؤدي الى ان مفهوم الدولة الإسلامية هو مفهوم جدلي بامتياز أي انه سابق لأوانه بكثير. فأقرب استقراء لتاريخ الاستبداد في حياة المسلمين وملامح الضعف والعجز. يحيل الى قرون طويلة بمعنى آخر ان المأزق الذي تعيشه الأمة الإسلامية هو مأزق تاريخي. أي ان هناك اشواطاً طويلة لتأسيس بنية عميقة ينتج عنها مجتمع اسلامي متميز ومن ثم الدولة الإسلامية. وهذا قد يستمر زمناً طويلاً تماماً ككل الأدوار التاريخية التي افضت الى توطين الحداثة الديموقرطية في الغرب.
وهذه المراجعات عن مفهوم الدولة الإسلامية ستتكشف عن حقائق مرة خصوصاً بعدما اثبتت تجارب بعض الحركات الإسلامية في الحكم مدى فداحتها. من هذه الحقائق: ان السقف الذي انتج ذلك الفهم الذي افضى الى تلك التجارب المريرة، انما هو سقف التخلف المردوف بالايديولوجيا التي نعيش اليوم ثمارها المُرة في كل التجارب العربية الماركسية والقومية في الخمسينات والستينات، تلك التي استندت الى بحبوحة الاستقطاب الدولي في الحرب الباردة، والإسلاموية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي وإلى يومنا هذا. وكان الأولى للإسلاميين ان يشتغلوا على دراسات نظرية معمقة عن مفهوم الدولة في الإسلام من خلال قراءات مقارنة مع نظريات الدولة الحديثة في الغرب. مثل تلك الدراسات التي قام بها المفكر الإسلامي محمد باقر الصدر اعدمه صدام حسين عام 1980 بدلاً من تلك الايديولوجيات والشعارات التي قدمها للأسف بعض القيادات الفكرية للحركة الإسلامية وأسهمت بمشاريع كارثية. مثل"المشروع الحضاري"للدولة الإسلامية في السودان الذي ابدعه الدكتور حسن الترابي بامتياز. وأفضى الى ما هو معروف من اوضاع السودان المحزنة. والمفارقة ان الترابي المفكر كان يرى افق النهاية البائسة لتجربة الدولة الإسلاموية. لكن الترابي الايديولوجي هو الذي انتصر في النهاية.
ربما كانت هذه التجارب الفاشلة مقدمة لإعادة النظر في الفهم الايديولوجي للدولة الإسلامية. ومدخلاً مهماً لتأسيس فهم معرفي عن جدوى السعي للدولة الإسلامية في منهج الحركات الإسلامية المعاصرة.
* كاتب سوداني مقيم في السعودية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.