عندما يتغيب أحد الشبان السعوديين عن ذويه، غالباً ما يأتيهم تبرير غيابه أو إعلان مكان وجوده من طريقين لا ثالث لهما، فإما أن يتلقوا اتصالاً من مجهول، وعادة ما يكون بعد تغيبه ببضعة أيام، يفيدهم بأن ولدهم توجه إلى العراق ل"الجهاد"و"أنه بخير"، وإما أن يتصل مجهول أيضاً"يزف"اليهم خبر وفاته. ويتحاشى الأبناء عادة حين يقررون التوجه إلى العراق الاتصال بذويهم بأنفسهم خشية أن يضعفوا أمام توسلاتهم، لكن المعاناة والقلق لدى الأهالي يبدآن بعد تلقي الاتصال الأول، إذ تسيطر عليهم حال من الترقب المضني للاتصال التالي الذي عادة ما يكون خبر مقتل ابنهم. وتحول غياب الأبناء في السعودية إلى كابوس مزعج، لا يكاد يمر أسبوع إلا ويتلقى ذوو أحد السعوديين"المتغيبين"نبأ مقتل ولدهم في العراق. وعلى رغم الجهود اللافتة التي تبذلها السلطات السعودية لمنع أبنائها من التوجه إلى هناك الى جانب جهود ذويهم، إلا أن الشبان لا يزالون يتسربون الى الأراضي العراقية من دول مجاورة. وكان الإعلان الأخير عن مقتل ثلاثة شبان سعوديين توجهوا الى العراق من أجل"الجهاد"قضية للنقاش في السعودية للحد من هذه الظاهرة وليس لبتّ مشروعيتها، خصوصاً أن العلماء كانت لهم الكلمة الفصل في ذلك. ويعلن في الغالب ان الذين يقضون من"المجاهدين"انما يسقطون في عمليات انتحارية ضد القوات الأميركية، على رغم أن معظم التفجيرات يستهدف مراكز أو دوريات للشرطة والجيش العراقيين، ويسقط ضحيته في كل مرة العشرات من المدنيين الابرياء. ويقدر باحث عدد السعوديين الذين توجهوا إلى العراق خلال العامين 2003 و 2004 بأكثر من 2500 سعودي، قتل منهم نحو 500 واعتقل 100 آخرون، فيما لا يزال الباقون يخوضون"معركتهم"هناك. بيد أن الباحث الذي طلب عدم نشر اسمه، يرى أن عودة "سعوديي العراق"- وهو مصطلح يطلق على الموجودين هناك - الى البلاد"قد تشكل خطراً أكبر من خطر نظرائهم الذين عادوا من أفغانستان"ويسمون"الأفغان العرب". وقال"إن طبيعة الأعمال التي يقومون بها في العراق بزعامة أبي مصعب الزرقاوي تختلف جذرياً عن تلك التي كانت تنفذ في أفغانستان بزعامة أسامة بن لادن، ففي الأخيرة كانوا يحظون بدعم شعبي ويستهدفون القوافل العسكرية، بينما المستهدف في العراق هم مواطنون". ويرى أن"الخطر يكمن في الفكر الإرهابي الذي يزرع في أذهان الشبان، ويؤصل فيها الإرهاب من خلال غسل أدمغتهم بشعارات صيغت لهذا الغرض". وعلى رغم اتفاق المنهجين الإرهابيين على القتل والدمار، إلا أن الشعار الذي يتخذه كل من الفصيلين وضع ليتناسب مع الظروف المحيطة به. ويرى أحد متابعي الفكر المتطرف اختلافاً كبيراً في آلية العمل بين الفريقين، ويعتبر أن"الزرقاوية"أكثر خطورة وأشد تشنجاً من"اللادنية". ويوضح أن الأخيرة تتخذ من الآية الكريمة"قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم"شعاراً لها، فيما تتخذ"الزرقاوية"شعاراً من الآية الكريمة"يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يقاتلونكم من الكفار". وهذا الشعار - بحسب المختص نفسه - يتخذه"الزرقاويون"حجة لإباحة قتل المسلمين الذين هم مع الكفار بحسب ادعاءاتهم، وهو ما يفسر استهداف المدنيين العراقيين الأبرياء في معظم عملياتهم. لكن المختص يؤكد ان ذلك لا يعني أن"اللادنية"براء من قتل المدنيين، مشيراً الى أن"الشعار إنما وضع لهدف معين هو الاستقطاب"، مبدياً تخوفه من خطر سعي"الزرقاوية"الى"توسيع رقعة عملياتها لتشمل دولاً وأهدافاً خارج محيطها الحالي"، ودعا الى"المزيد من الإجراءات لمواجهة الفكر المتطرف بوجهيه"الزرقاوي"و"اللادني"، وقال:"هناك ضرورة لإسقاط الفكر الذي يروج له الفريقان وعدم التركيز فقط على العناصر المجندين".