أمطار متوسطة إلى غزيرة على 4 مناطق    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    وزير الاتصالات: بدعم ولي العهد.. المملكة تقود أعظم قصة في القرن ال 21 في الشمولية وتمكين المرأة    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    غزة.. الاحتلال يبيد العائلات    أمريكا: نحذر من انهيار البنوك الفلسطينية    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    الهلال يكسب الاتحاد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    خادم الحرمين لملك البحرين: نعزيكم في وفاة خالد آل خليفة    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    للأسبوع الثاني.. النفط يواصل صعوده    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    "طويق" تحصل على شهادة الآيزو في نظام الجودة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    أحلامنا مشروع وطن    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    فأر يجبر طائرة على الهبوط    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    يوم مجيد لوطن جميل    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    مسيرة أمجاد التاريخ    الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل".. الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل"    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    الابتكار يدعم الاقتصاد    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة الى المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث : هل سورية مقدمة على الأخذ باقتصاد السوق ؟
نشر في الحياة يوم 06 - 05 - 2005

في سلسلة تصريحات أدلى بها رئيس هيئة تخطيط الدولة الدكتور عبدالله الدردري لجريدة"الحياة"بتاريخ 2 شباط فبراير 2005 العدد 15283 جاء الآتي:"ان اقتصاد السوق بات واقعاً نعيشه يومياً في سورية وليس خياراً نظرياً وحسب"... من دون أن يبين لنا ماهية هذا الواقع وكيف نعيشه؟
ويوجه اليه رئيس مكتب"الحياة"في دمشق سؤالاً جاء فيه:"إذاً موضوع اقتصاد السوق أمر واقع؟".
فيجيب:"أمر واقع قائم الآن، وما يهمنا الآن هو تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية انطلاقاً من الواقع الاقتصادي الذي نعيشه".
مناقشة آراء رئيس هيئة
تخطيط الدولة وأفكاره
بدا لي مستغرباً أن يتحدث خبير اقتصادي بالفرضيات وحدها ويستعمل مفردات أكاديمية نظرية في بحث محض اقتصادي عملي يحتاج الى الأدلة والأرقام. ومن ذلك قوله مثلاً:"وتشير الأرقام والنماذج الرياضية التي طورناها الى أن تحقيق خفض البطالة من 11 في المئة الى أربعة ليس تحقيقه سهلاً خلال خمس سنوات".
وقوله:"موارد الدولة في سورية محدودة، وهذا لا يعني ضعفاً في الاقتصاد. ونحن الآن بحاجة الى موارد تفوق قدرة الدولة، فمن أين نأتي بها"؟ ويجيب هو نفسه:"من الطبيعي ان تأتي من الاستثمار الخاص، وكلما أعطينا إشارات اقتصادية سليمة ارتفع الاستثمار الخاص".
وقوله أيضاً:"إننا اليوم في عالم الاقتصاد نعمل بالإشارات، وأنا سعيد جداً لأن الإشارات الاقتصادية في سورية ايجابية"... ثم هو يتحدث عما سماه"تغير اللغة الاقتصادية في سورية"وهذا تعبير فضفاض ويحتمل أكثر من معنى، ويتحدث أيضاً عما سماه"توقعات بزيادة الدخل في سورية"مع أن الاقتصاد لا يبنى على توقعات مجردة والاكتفاء بذلك. بل لا بد من بيان الأسس التي تبنى عليها هذه التوقعات. كما استعمل تعبيراً لا أجده في محله تماماً، فالاقتصادي لا يقول"بالسيناريوات"أو الاعتماد على سيناريوات عدة يقوم بتعدادها... لأن الاقتصاد علم يبنى على حقائق رقمية يتم الاستشهاد بها تكون داعمة للأفكار والمقترحات وهو ما لا يجهله الدكتور الدردري طبعاً... في ما يأتي أجوبته عن أسئلة صحافية لاحقة حول ضرورة الكلام بلغة الأرقام فيجيب الدردري:"نريد أن نحقق هدفين أساسيين: خفض معدلات البطالة وتحقيق معدل سبعة في المئة نمواً في نهاية الخطة. وهناك سيناريوات عدة: أن يتحقق هذا المعدل وتُخفض معدلات البطالة الى ما يسمى بالتشغيل الكامل، أي بطالة بنسبة أربعة في المئة، وهذا ليس بالأمر السهل".
معدل النمو المطلوب
وعندما يسأله الصحافي عن السبب يجيب:"لأن تحقيق معدل نمو سبعة في المئة يتطلب ارتفاعاً في كفاية الانتاج والانتاجية في الاقتصاد. وتشير الأرقام والنماذج الرياضية التي طورناها الى أن تحقيق حال التشغيل الكامل، أي خفض البطالة من 11 الى أربعة في المئة، خلال خمس سنوات ليس سهلاً. لذلك كانت لدينا أهداف عدة: نمو سبعة في المئة بحلول عام 2010، واستقرار في ميزان المدفوعات، وخفض عجز الموازنة، وتحقيق فائض في الميزان التجاري من مصادر غير نفطية. ثم خفض معدل البطالة وزيادة دخل الفرد من 1050 دولاراً في السنة الى 1250 دولاراً. ونطمح للوصول الى 1300 دولار في السنة بحلول عام 2010. وتقول المؤشرات التي بين أيدينا ان تحقيق هذه الأهداف يحتاج الى معدل نمو صناعي لا يقل عن ثمانية في المئة سنوياً واستقرار في الانتاج الزراعي وارتفاع بنسبة 1.5 في المئة سنوياً على الأقل وزيادة لا تقل عن 10 في المئة في قطاع التجارة والسياحة و15 في المئة في قطاعات التأمين والخدمات والمال".
وعندما يسأله الصحافي عن حجم الاستثمارات المطلوبة، يجيب:"إذا كانت عائدات الاستثمار في سورية مرتفعة أكثر من 30 في المئة، فإننا نحتاج الى ما بين أربعة وستة بلايين دولار سنوياً لتحقيق معدل نمو سبعة في المئة. أما اذا لم نتمكن من زيادة عائدات الاستثمار، وبقيت عند حدودها الحالية، أي 20 في المئة، فسنحتاج الى استثمارات سنوية بين ثمانية وتسعة بلايين دولار لتحقيق ستة الى سبعة في المئة".
وما هي مصادر هذه الاستثمارات؟ يجيب الدردري بما نعتبره عملية تبشير باقتصاد السوق وتشجيع آلية الاستثمارات الخاصة المؤدية الى زيادة الدخل العام فيقول:"موارد الدولة في سورية محدودة، وهذا لا يعني ضعفاً في الاقتصاد. نحن الآن في حاجة الى موارد تفوق قدرة الدولة، فمن أن نأتي بها؟ من الطبيعي أن تأتي من الاستثمار الخاص. وكلما أعطينا إشارات اقتصادية سليمة ارتفع الاستثمار الخاص. في العام 2004 مثلاً وبسبب قضيتين هما تغير اللغة الاقتصادية في سورية، وتوقع قطاع الاستثمار زيادة في الدخل، سجل ما قيمته أربعة بلايين دولار في مشاريع الاستثمار".
وهل السبب الأساسي إذاً هو تغيير الخطاب؟
"ليس فقط الخطاب. أولاً، الخطاب مهم جداً. يجب عدم الاستهانة بتغيير الخطاب لأننا اليوم في عالم الاقتصاد نعمل بالاشارات. وأنا سعيد جداً لأن الإشارات الاقتصادية في سورية ايجابية. ثانياً، هناك جملة من السياسات شملت قوانين تحرير النظام المالي وتطويره وتطوير النظام الضرائبي وقوانين التجارة الخارجية وخفض الرسوم الجمركية. ثالثاً، هناك توقعات بزيادة الدخل في سورية. طبعاً هناك زيادات حصلت على الرواتب والأجور والزيادات التي ستربط بقانون العاملين الموحد الجديد. رابعاً، الناس ترى ما نفعله، وقد وقعنا مناطق تجارة حرة مع كل من تركيا والاتحاد الأوروبي والدول العربية، والآن مع روسيا. ما يعني أن سورية بلا شك أفضل موقع للاستثمار الصناعي في المنطقة العربية".
شكاوى المستثمرين
وعلى السؤال:"لكن بعض المستثمرين يشكون من أمرين: أولهما، وجود احتكارات، ثانيهما عدم الشفافية وغياب حكم قضائي عادل؟"... يجيب:"ان الشكوى تدل على أن الناس يهتمون ويريدون أن يستثمروا في سورية. لكن هناك مشكلات. وأنا ذكرت في البداية أن أحد أهم أهداف الخطة هو زيادة كفاية الإدارة الحكومية للعملية الاقتصادية، من دون أن يعني ذلك وجود تدخل فظ للدولة. بل على العكس، الهدف هو ايجاد البيئة الاستثمارية المواتية وتحسين القدرة الإدارية السورية. نعم هناك الآن بعض الاحتكارات وهي في طريقها الى الإلغاء".
ولكن كيف؟ يجيب:"بدأنا عملية تعديل كل القوانين للتأقلم مع الشراكة الأوروبية التي، بطبيعتها، تلغي الاحتكارات. وهناك الآن قانون المنافسة الضروري أيضاً للشراكة مع أوروبا. وهذا قانون أساس لضمان نجاح آلية السوق في الاقتصاد، ونجاحها مرتبط بمنع الاحتكارات، والسماح للفاعليات الاقتصادية بالتحرك بحرية في الاقتصاد".
وما هو الوضع قضائياً؟"من أهم ما ركز عليه الرئيس بشار الأسد في اجتماعه الأخير مع الحكومة هو موضوع الفساد في القضاء، وبالتالي العمل على تحقيق أمرين أساسيين: الشفافية في العملية القضائية، وإزالة الفساد في القضاء السوري".
وعن نتائج احصاءات الفقر في سورية يقول:"إن عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر هو 2.2 مليون شخص، يتركز معظمهم في الأرياف. وتهدف الخطة الخمسية العاشرة الى خفض هذا العدد بنحو نصف مليون شخص، وفقاً لأهداف التنمية التي أقرت في قمة الألفية للأمم المتحدة، والتي تقضي بخفض عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر الى النصف بحلول سنة 2015. هدفي أن أحقق خفضاً قدره 500 ألف بحلول 2010 ونحو 600 الى 700 ألف أخرى بحلول 2015".
هل لاحظنا قوله:"هدفي أن أحقق"، أما كان الأجدر لو قال:"هدفنا أن نحقق"، فهل أصبح هو الدولة؟
فرضيات موازنة الدولة
وهكذا فإن رئيس هيئة تخطيط الدولة يكتفي من السؤال بأجوبة شبه مبهمة، وانا شخصياً لا أدري ما الذي كان يعنيه بقوله الذي كان يفتقر فيه الى التوضيح العلمي. فهو يبشر باقتصاد السوق أكثر مما يعني بأنه مطبق حقيقة. والذي أعرفه ان بناء الموازنة السنوية للدولة يقوم على أرقام افتراضية، لكن بناء اقتصاد الدولة يحتاج الى براهين داعمة لا الى الفرضيات والنظريات، لأن هناك طرقاً قانونية سريعة لتصحيح الخلل في الموازنة، أما الخطأ في بناء الاقتصاد فهو كارثة يصعب تداركها.
أما بالنسبة الى أهم عناصر خطة السنوات الخمس المقبلة فهو يؤكد ان تحقيق الكفاية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والبيئة والأمن القومي، هي الأضلاع الأربعة للمربع الذي يعتمد على ثلاثة أبعاد رئيسة هي: قطاع خاص نشط يجرى العمل الآن على بنائه مع البيئة المناسبة لانطلاقته وتوسعه، وقطاع عام يجرى العمل على إصلاحه وإتاحة الفرصة له كي يعمل ضمن آليات السوق بكفاية وفاعلية، وقطاع أهلي يستطيع أن يساهم في العملية التنموية.
وعندما سئل عن الحديث حول ذلك بلغة الأرقام كان جوابه محيراً. وكنت أحسب أن رئيس هيئة التخطيط سيجعلنا نستنتج أن الهيئة نجحت في تحقيق ما فشلت فيه أجهزة الدولة الاقتصادية وخبراؤها المخضرمون الذين وضعوا أسس مشروع قانون الخطة الخمسية التاسعة، التي تعتبر نموذجاً يحتذى كدراسة علمية شاملة، تقوم على تحليل دقيق للوضع الاقتصادي الراهن. بينما اكتفى من جانبه بتقديم قراءات نظرية بحتة.
يتحدث رئيس هيئة تخطيط الدولة في هذا المجال عن تحقيق معدل نمو يصل الى حدود 7 في المئة على حد قوله اعتمد فيه على ما سماه الاستثمار الخاص، ولكن كيف؟ يقول:"وكلما أعطينا اشارات اقتصادية سليمة ارتفع الاستثمار الخاص"... هكذا حرفياً.
ويسوق مثلاً على ذلك بأن تغير اللغة الاقتصادية في سورية وتوقع قطاع الاستثمار زيادة الدخل سجل ما قيمته أربعة بلايين دولار في مشاريع الاستثمار... ولكن كيف جرى ذلك؟ يجيب الدكتور الدردري قائلاً إننا اليوم في عالم الاقتصاد نعمل بالاشارات، وهذه الاشارات ايجابية في سورية... وما علينا إذاً سوى أن ندرس نحن هذه الاشارات ونحددها ونستخلص منها النتائج... كما تكلم عن توقعات بزيادة الدخل لكنها"مجرد توقعات"لا جواب شافاً عنها...
في مواجهة ذلك نقول إن الدراسات التحليلية للوضع الاقتصادي في البلاد قبل عام 2000 - أي قبل الاشارات على اقتصاد السوق - تقول إن المعدل السنوي لنمو الناتج المحلي الاجمالي بلغ 5.8 في المئة خلال فترة سابقة 1995 - 1998 ثم ما لبث أن انخفض الى 2 في المئة عام 1999 ثم بلغ 0.6 في المئة عام 2000.
الى جانب ذلك انخفض معدل الاستثمار الى الناتج المحلي الاجمالي من 27.1 في المئة عام 1995 الى 22.5 في المئة و22.3 في المئة و21.6 في المئة خلال السنوات : 1998 - 1999 - 2000، وسنجد أن هذا الانخفاض هو في استثمارات القطاع الخاص وحده الدائمة الانخفاض، وهي التي يعتمد ويشير اليها رئيس هيئة تخطيط الدولة بقوله:"وكلما أعطينا اشارات اقتصادية سليمة ارتفع الاستثمار الخاص وأنا سعيد جداً لأن الاشارات الاقتصادية في سورية ايجابية جداً"... هكذا بالحرف.
ان رئيس هيئة تخطيط الدولة وهو المبشر بالاستثمار الخاص وباقتصاد السوق كحل وحيد للنهوض باقتصادنا الوطني، لم يشر من قريب أو بعيد الى الاجراءات المطلوبة الآيلة الى تطوير الاستثمار الخاص وتنشيطه لمواجهة بطء الانتعاش الذي يعانيه اقتصادنا الوطني، وزيادة معدلات البطالة في سياقه.
ولم يحدثنا كذلك عن رفع مستوى الانتاجية وأدائها الاقتصادي ومستوى الجودة، لا سيما في دائرة القدرة التنافسية محلياً وخارجياً. وكذلك مدى أهمية الموافقة بين النمو الاقتصادي والنمو السكاني وهو شيء أساس في الاشارات الاقتصادية التي يتعامل بها رئيس الهيئة. واكتفى بالحديث عن زيادات حصلت في الرواتب والأجور من دون أن يبين وجه زيادة الدخل في البلاد لتعويض هذه الزيادات واكتفى بالقول:"وهناك توقعات بزيادة الدخل في سورية".
إن سورية تحتاج اليوم الى خطة اقتصادية طموحة تتضمن تطوير السياسات المالية والنقدية، وهو ما تحقق قبل سنوات في شكل جيد، لا سيما من ناحية إعادة تشكيل مجلس النقد والتسليف وتفعيل دوره، على أن تأخذ هذه الخطة في اعتبارها وجوب تأمين متطلبات الدفاع الوطني والأمن القومي، وإصلاح القطاع العام الاقتصادي وتطوير السياسات الاستثمارية والبنى التحتية في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي لتعزيز مناخ الاستثمار. وليسمح لي السيد رئيس هيئة التخطيط بالرد عليه: إننا لم نشهد أي تطوير طرأ على نظامنا الضرائبي كما قال، ولم نلحظ أي تخفيض مهم على الرسوم الجمركية في البلاد بحسب قوله أيضاً.
ماذا عن اقتصاد السوق؟
ان تطوير الوضع الاقتصادي في سورية والنهوض به لا يتحقق بالانقلاب على الدولة نفسها من طريق الترويج لاقتصاد السوق من حيث أصبح يمسك بمفاصل اقتصادنا الوطني نوع من الاقتصاديين اليمينيين المؤمنين بجدوى اقتصاد السوق، جيء بهم بحجة الحاجة اليهم في مناخ اقتصادي جديد أصبحت تفرضه اتفاقية الشراكة الأوروبية، بينما لا علاقة أبداً بين هوية سورية السياسية والاقتصادية وبين عقدها اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، لأنه على افتراض وجود دولة اوروبية تأخذ بالنظام الاشتراكي، فلن يحول ذلك دون انتمائها الى الاتحاد الأوروبي والتعامل معه والانخراط في هيكليته الاقتصادية.
ان أوروبا وهي تهدف الى عقد اتفاقات سياسية واقتصادية مع دول عربية آسيوية، إنما تهدف الى تعزيز مكانتها ودورها السياسي والاقتصادي مع آسيا ككل، لا سيما مع جدارها العربي المتوسطي والخليجي. وهي لا تتعامل مع هذه الدول على أساس هويتها الاقتصادية بل على أساس أنها دولة وصاحبة سيادة ولها دور فاعل في المنطقة، بل هي تملك زمام أمورها في التعاقد بشجاعة مع أوروبا، على النحو الذي تجده الأفضل في سياستها الاقتصادية كأن تكون اشتراكية مثلاً كما هو عليه الوضع السوري.
يجدر القول هنا إن تبديل أو تعديل السياسة الاقتصادية لسورية لن يكون مدخلاً للشراكة مع أوروبا. لكن خطورته تأتي من ناحية أن هذا التبدل سينعكس سلباً على سياسة الدولة نفسها، لأن سورية كانت ولا تزال تعتز بأنها دولة تحرص على استقلالها الوطني والتمسك بدورها القومي، بينما المطلوب الآن أن تكون دول المنطقة على سوية واحدة من حيث التبعية في شكل مباشر أو غير مباشر ل"الشرق الأوسط"أي للشراكة في الانتماء الى الشرق الأوسط الكبير أو الموسع الذي هو مشروع أميركي لا أوروبي يريد البعض اشراكنا فيه والتسلل اليه عبر نوافذ خلفية.
ونشير هنا الى أن العالم بدأ يتوجه من حولنا نحو نظام"اقتصاد السوق"والدور الكبير الذي سيكون فيه للقطاع الخاص المنفلش والمنفلت من أية كوابح أو رقابة للدولة، بحيث يخضع لقوانين الاقتصاد الرأسمالي أو الانفتاح الاقتصادي ومعادلاته. وهي معادلات تتيح حالياً الشراكة مع إسرائيل أكثر مما هي مع أوروبا مستقبلاً، وها هي الحال المصرية والأردنية واضحة أمامنا. ولعل الانفتاح الاقتصادي - كما يجب أن يبقى معلوماً - يحقق فرصاً ومجالات واسعة للفساد المالي والنقدي، وها هي التجربة الروسية الكارثية تتجلى أمامنا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي... وها هي معالمها وسطورها مقروءة في سورية ذاتها وتتمثل بالاستثمارات العريضة لأناس أصبحوا يملكون ثروات أسطورية لم يعد نظامنا البعثي الاشتراكي يتيح لها التحرك بحرية أوسع، ولم يعد يكفيهم قربهم أو قرابتهم من الحكم ليزدادوا ثراء واستغلالاً. بل أصبح همهم هو السيطرة على الدولة نفسها وتقليص دور الحزب، وهذا لن يتحقق لهم إلا إذا جرى تبديل في العمق لهوية الدولة البعثية الاشتراكية. وهم يلتقون في هذا مع أعداء النظام في الخارج ومع أولئك الذين ينادون باجتثاث البعث في العراق سواء بسواء، وها هم يحاولون اجتثاث البعث في سورية بهذا الشكل أو ذاك.
وماذا عن العولمة؟
كما اننا نواجه أيضاً تحديات خارجية ضخمة لا قدرة لنا على مواجهتها الا بجهود حزبية وقدرات قومية، وتنبه أمني. فالعولمة نظام اقتصادي عالمي يهدد الدول الصغيرة أو النامية. والعولمة الاقتصادية ستساهم في زيادة الفقر وانتشار البطالة... ولا تعتبر الشراكة مع أوروبا أحد معايير هذه التحديات بل العكس هو الصحيح.
ونواجه تحديات أكبر في الشراكة العربية - العربية حيث تنسج علاقات اقتصادية من خارج جامعة الدول العربية مع دول خليجية وغير خليجية نفطية رأسمالية مصرفية تعتبر مندمجة في العولمة.
أجل إننا سنواجه مستقبلاً أخطر المشاريع الأميركية - الأنكلو- صهيونية، أي مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الموسع بحسب آخر تعريف له على لسان الرئيس الأميركي، وهو مشروع قديم - حديث يعود في بنوده الأولى الى عام 1950 وضعت بريطانيا أسسه أولاً ثم احتضنته أميركا وعدلت فيه ليصبح ممتداً الى باكستان في عمق آسيا وستكون إسرائيل مندمجة فيه. وها هي الدعوة والضغوط لتقليص حجم البعث ودوره في سورية للتمهيد للشرق الأوسط الموسع. كذلك نضع هذه الدراسات والمعلومات تحت أنظار المؤتمر القطري المقبل لحزب البعث العربي الاشتراكي وأمام أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.
وأخيراً لا آخراً: ان الدعوة الى اقتصاد السوق هي دعوة الى وليمة دسمة يقدمون فيها الطعام ممزوجاً بالسم البطيء... فلنحذر ولنقاوم وحوش اقتصاد السوق على مستوى الداخل والخارج.
كاتب ونائب سابق في البرلمان السوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.