لا أدري إن كنا عرفنا في العالم العربي أن المحرك البحثي الأهم والأكثر شعبية في العالمين الافتراضي والواقعي على السواء والمعروف باسم غوغل Googleرصد موازنة تتأرجح بين 150 و200 مليون دولار للنهوض بخطة طموح تستهدف تخزين بضعة ملايين من الكتب التي تضمها خمس من أكبر المكتبات في العالم لتتاح أمام الباحثين من خلاله. وسواء كان الخبر وجد سبيله إلينا في حينه أم لا، فالمؤكد أنه لم يثر فينا شيئاً ولم يدفعنا إلى شيء. تفاصيل الخبر الذي ذاع في العالم تقول إن المحرك البحثي الأميركي العملاق يعمل بالتنسيق مع مكتبات هارفرد، وستانفورد، ومكتبة جامعة ميشيغان، ومكتبة بودليان في أكسفورد، ومكتبة نيويورك العامة لتحويل بعض كتبها قرابة 4.5 مليون كتاب بعضها شديد الندرة مثل النسخة الأولى من كتاب اسحق نيوتن The Principia والتي تمتلكها مكتبة ستانفورد أو كتاب"أصل الأنواع"لداروين الذي تمتلكه بودليان من حالتها الورقية إلى الحالة الرقمية أو ما يعرف بالدجتلة باستخدام الماسح الضوئي scanner. لا شك في أنها خطوة عملاقة لا يمكن إلا أن تلقى كل ترحاب من كل المهتمين بالكتاب وإن كانت في ظني خطوة في طريق الكتاب الورقي إلى مثواه الأخير. ومع أهمية هذه الخطوة للمتعاطفين مع الكتاب الورقي والمنحازين الى المعرفة، إلا أننا في العالم العربي لم نجد وقتاً للفرح بهذه الخطوة أو الخوف منها أو ربما مجرد العلم بها. ولكن غيرنا ناب عنا في هذا. أوردت وكالة الصحافة الفرنسية خبراً مفاده أن جان كلود جونكر رئيس وزراء لوكسمبرغ الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية أعلن أمام وزراء الثقافة الأوروبيين وحشد من 800 مثقف وفنان أوروبي أن"علينا الآن أن نتحرك"باتجاه وضع الثقافة الأوروبية على الإنترنت، وسط مخاوف من انقطاع الصلة بين هذه الثقافة والأجيال المقبلة من القراء في ظل مُضي"غوغل"في مشروعه العملاق. وأضاف رئيس الوزراء قوله:"إنني لهذا السبب أقول نعم لمبادرة الرئيس الفرنسي جاك شيراك الداعية إلى إنشاء مكتبة رقمية أوروبية. أقول نعم لأن على أوروبا أن تواجه هجمات الآخرين". هذا الاهتمام الحكومي يأتي لاحقاً لتوقيع تسع عشرة مكتبة أوروبية على بيان يدعو إلى مواجهة خطة المحرك الأميركي العملاق"غوغل"، والتي أثارت كثيراً من المخاوف وسط المجتمعات الثقافية في أوروبا، والتي رأت أن هذا المشروع سيمنح ميزة إضافية للأعمال المكتوبة بالإنكليزية مما قد يتسبب في تجاهل ثروات فكرية حقيقية لمجرد أنها مكتوبة بلغات أخرى ولعل من المناسب هنا لفت الأنظار إلى أن اللغة العربية هي الأخرى لغة أخرى. لكن هناك سبباً آخر للتخوّف وليس لمجرد الخشية. فقد اعترف جان نويل جينيني رئيس مكتبة فرنسا الوطنية بأن هذا المشروع سييسر على المجتمعات الفقيرة سبلاً للوصول إلى المعرفة و"لكن القضية مختلفة تماماً... فهذا المشروع سيكرس للسيطرة الأميركية"ويخولها تحديد الطريقة التي ستنظر بها الأجيال المقبلة إلى العالم. أحمد شافعي شاعر ومترجم مصري