اخترت هذه المناسبة المقترنة بيوم العمال الذي يصادف يوم غد الأول من أيار مايو، موعداً لنشر هذا الحديث الثاني من أحاديث الوعي الوطني التي أردتها بمثابة"اعترافات ذاتية في تجربتي الوطنية الشخصية"في تفاعلها على امتداد العمر والخبرة مع قضايانا العامة وما تركته في النفس من قناعات فكرية ومنطلقات شعورية ما تزال حيّة ومؤثرة إلى اليوم، وكانت لها بصماتها الواضحة في مشروعنا الوطني للإصلاح. ويأتي الحديث الثاني بهذه المناسبة بعد أن تناول الحديث الأول الذي نشر في مناسبة الرابع عشر من شباط فبراير وهي ذكرى الاستفتاء الشعبي على"ميثاق العمل الوطني"مشروع الإصلاح الشامل وفلسفته وآفاقه، وكان بالعنوان ذاته"حلمتُ بوطنٍ يحتضن كل أبنائه"وهو العنوان الذي اخترته لهذه السلسلة من الأحاديث في الوعي الوطني، لدى نشرها مستقبلاً في كتاب واحد، بإذن الله. وفي ما يتصل بمنطلق حديثنا الثاني هذا فإني اعتقد بأمانة أنه ما كان ممكناً لنا أن نتوافق على الميثاق ومشروع الإصلاح، ثم نواصل المسيرة لولا وجود مجتمع مدني متقدم في البحرين يمثل الأساس الوطيد لانطلاق التجديد الدستوري والديمقراطي الذي استبقنا فيه بفضل الله ثم باستعداد شعب البحرين، المتغيرات الدولية العاصفة بعد 11 أيلول سبتمبر 2001، وبإرادتنا الوطنية الحرة، وذلك في ضوء ما يتضح أمام الجميع بأن الديمقراطية لا يمكن أن تترسخ برغبة خارجية، ولا بد لها من أساس اجتماعي داخلي صلب هو المجتمع المدني الناضج والواعي بمؤسساته وخبراته وأنشطته في مختلف جوانب الحياة، فهو المحك للتجربة الديمقراطية، وذلك ما يعطينا الثقة ويزودنا بالأمل في نجاح تجربة البحرين المتجددة في الإصلاح والتحديث لأنها تمتلك جذوراً راسخة في عمق التربة الوطنية: وهي مكونات المجتمع المدني البحريني الذي أستطيع أن أفاخر به العالم كله، لأنه شاهد النهضة في البحرين الحديثة منذ بدء المسيرة. وإذ يسود الحديث عن الضغوط الخارجية، فإن المجتمع المدني هو الضمانة الحقيقة لأي إصلاح وهو الدافع إليه، كما تؤكده تجربتنا البحرينية. أما اختياري لهذه المناسبة موعداً لنشر هذا الحديث، فلأن العمال في تكوين المجتمع البحريني يمثلون قوة حية وفاعلة من قوى المجتمع المدني، ولهم في نفسي تقدير يستند إلى ما يبذلونه من جهد في مسيرة التنمية، لذلك ارتأيت أن يكون الأول من مايو عطلة رسمية في البحرين تقديراً لعمالها، فهم طلائع التحديث الصناعي والمدني في تاريخنا ليس في البحرين وحدها وإنما بمشاركتهم الأشقاء في بلدان الخليج الأخرى وذلك منذ اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الشقيقة وإسهامهم في بناء خط التابلاين لتصدير النفط إلى ساحل البحر المتوسط، وهو تقليد عريق متصل فما زال هذا الاستعداد للعمل في الدول الشقيقة حياً لدى أهل البحرين خصوصاً أن جسر الملك فهد يشجع على ذلك، وكذلك مستقبلاً جسر البحرينوقطر. مما يعني أن هذه سوق إضافية للعمل تنتظر الأيدي البحرينية المنتجة على مقربةٍ من حدود الوطن، وقد عالج مجلس التعاون بكل حكمة موضوع انتقال العمالة بين دول المجلس وبما يحفظ حقوقهم المدنية. وثقتي كبيرة في شباب البحرين لاكتساب قدرة آبائهم الإنتاجية وتجاوز مشكلة البطالة التي لم تقف حائلاً أمام العامل البحرينيقطر. ويسعدني هذا العام أن أشارك عمالنا بهذا الحديث في احتفالهم، وهم يواصلون مسيرة تنامي المجتمع المدني في البحرين الذي أكن لجميع مكوّناته رجالاً ونساءً ومؤسسات أعمق التقدير، وأريد في هذه الوقفة المخصصة لأحد قطاعاته المهمة وهو قطاع العمال أن أشير أيضاً الى دوره الكبير الذي أسس للتعايش والتسامح والانفتاح في بلادنا منذ أقدم العصور، ولم يأت وليد اللحظة العابرة، آملاً أن أقف في حديث مقبل أمام ذلك الدور الذي لن نستغني عنه في نظامنا الديمقراطي. وإذا كانت هذه المناسبة تخص العمال، فأن هذا الحديث موجّه إلى كل العاملين لمصلحة البحرين. فإلى كل هؤلاء العاملين في مختلف المواقع، نوجّه خطابنا وتقديرنا اليوم. والحق أن مسألة تحسين أوضاع عمال البحرين ورفع مستوياتهم المعيشية من المشاغل الأساسية لتفكيري منذ زمن، خصوصاً بعد أن توليت المسؤولية الأولى في البلاد. واعتقد أن توقف الصراع الإيديولوجي بين المعسكرين الدوليين بانتهاء الحرب الباردة أصبح لصالح العمال في عصر الاقتصاد الحر لأنه أخرجهم من شبهة هذا الصراع ودوامته وصار بالإمكان معالجة أوضاعهم بتجّرد وموضوعية من دون انحيازات إيديولوجية. ففي مرحلة الحرب الباردة تم تصنيف الكثير من القوى العمالية في العالم العربي والعالم على أنها قوى رديفة للشيوعية، بل كان البعض يتهمها بالشيوعية مباشرة. وقد تبيّن لنا من المعايشة العملية إن عمالنا في البحرين يصلون في مساجدنا، ويلتزمون بقيم الدين وآدابه، وأنهم قوة وطنية مسؤولة ومخلصة وملتزمون بولائهم لهذا الوطن، بل أني اعتبرهم رصيداً للتحديث والإصلاح في البحرين بحكم خبرتهم الطويلة في التعامل مع الآلة الحديثة ونظمها وما يكتسبه المتعاملون معها من عقلانية وانتظام في مختلف جوانب الحياة. وللتاريخ، فإن القوانين في البحرين منذ أمد جاءت تدريجاً لصالح العمال وصيانة حقوقهم، وكان ممكنا أن يرفع أي عامل أو مستخدم قضية أمام المحاكم المختصة ضد جهة الاستخدام التي يعمل بها في القطاع الخاص إذا اعتقد انه تعرض لأي إجراء تعسفي، ثم صار ممكناً بحكم التطور الإصلاحي للقوانين والأنظمة رفع مثل هذه القضية ضد أية جهة، حتى وأن كانت تابعة للقطاع العام، وهي مسألة لا نظنها ممكنة بعد في العديد من البلدان. غير أني لا أريد أن نقف في البحرين عند هذا الحد على تقدمه، بل نريد أن نمعن التفكير في ما يمكن أن نقدمه لعمالنا حيال عطائهم المنتج وولائهم المخلص لوطنهم الذي هو مصدر اعتزازنا. ولا بد أن تعمل جهات التشريع على تطوير القوانين المتعلقة بتنظيم أوضاع العمل والعمال بما يتناسب والفرص الجديدة التي أوجدها تحول العالم بأسره إلى اقتصاد السوق، ونظام الاقتصاد الحر بمختلف أشكاله. وتحقيقاً لهذه الرغبة في رفع مستوى الدخل لعمال البحرين، سبق أن وجهنا بدايةً بوضع آلية يمنح بموجبها العاملون البحرينيون في الشركات المحلية التي تساهم فيها الحكومة نسبة من حصة الحكومة من الأرباح السنوية الموزعة، وعلى الجهات المختصة الخروج بتصور عملي لتحقيق هدفنا الوطني هذا، في وقت غير بعيد. فتحسين أوضاع عمال البحرين جزء لا يتجزأ من مشروعنا الإصلاحي، وسنعمل من أجل ذلك بكل العزم، وبكل الطاقات المتاحة بحول الله. وإذ أشعر بالارتياح لما توصل إليه صاحب السمو ولي العهد وفريقه من تشخيص ومعالجات لأوضاع سوق العمل في البحرين، حيث تم اقرار مبادئه بعد مراجعته لصالح مختلف الأطراف في البلاد، وسيبقى مواكباً لمتطلبات الحركة الاقتصادية في البلاد، فإني من معرفتي الوثيقة بتاريخ عمال البحرين وقدرتهم على التكيّف مع متغيرات الاقتصاد عبر عقود طويلة، منذ ركود أسواق اللؤلؤ إلى اكتشاف النفط في البحرين ثم في الجانب الخليجي الذي أصبح اليوم المصدر الأساسي للطاقة في عالمنا، إلى تولي الكفاءات البحرينية الشابة للأعمال المصرفية والتجارية الأمر الذي جعل من البحرين أبرز وأوثق المراكز المصرفية والمالية في المنطقة، من كل هذه الخبرات الغنية، ثقتي كبيرة في أن عمال البحرين الشباب وطالبي العمل منهم، سيعيدون التجربة الإنتاجية المشرفة لآبائهم وأجدادهم من عمال البحرين ولن تعجزهم مشكلة البطالة وستتحول البحرين من جديد إلى ورشة عمل عظيمة في مختلف ميادين الإنتاج ومجالات الاستثمار، كما أخذ يتحقق بحمد الله. وكانت لقاءاتي بالعمال تمنحني الثقة بقدرتنا على بناء المستقبل. فهم قوة إنتاج وعمل يمكننا الاعتماد عليهم باعتبارهم اكبر فئات المجتمع المدني، وأوسع القطاعات الشعبية، يوحدهم حافز البناء والعمل، فتزول بينهم الفوارق، وتلتقي الأيدي كي يعلو البناء وتتجسد الوحدة الوطنية في وحدة الأيدي البانية بلا تمييز من أجل بحرين الغد. وهذا ما يجعل شعب البحرين شعباً منتجاً وغير اتكالي رصيده انتاج عماله في تضافر مع عطاء تجاره ومثقفيه، ومن دون انتظار للدخول الريعية التي تولد الاتكالية لمن يتلقونها. فعرق الرجال في سبيل الكسب الشريف يمثل عبق الحياة الكريمة وعطرها الفّواح بكل معاني الكرامة والعزة. هذا ولا بد من تصحيح النظرة القائلة بأن العمال يمثلون طبقة منفصلة بين الطبقات الأخرى في المجتمع. فإذا كان ذلك أقرب إلى الصحة في المجتمعات الصناعية الكبرى، فإن العامل في بلادنا عندما يعود إلى بيته وأهله وعشيرته يعيش عيشتهم، ويدخل خيمتهم، ويشاركهم وجبتهم، ويتقبل أن يتقدم عليه كبير العائلة، أياً كان موقعه الوظيفي والطبقي، من دون تحرج. وفضلاً عن ذلك فأن الارتفاع المستمر في مداخيل العمال يمكن بعضهم بعد فترة من العمل المربح، من تأسيس مشروعات استثمارية خاصة بهم أو المشاركة فيها، بما يضعهم في صفوف القطاع التجاري الأهلي الذي نعتبره اليوم حجر الأساس في انطلاقة البحرين الاستثمارية والإنمائية الجديدة. ودعمنا لهذا القطاع التجاري الأهلي بلا حدود من أجل هذه الأولوية الوطنية التي هي لمصلحة الجميع في المملكة. هكذا فقد امتلك مجتمع البحرين دينامية متفتحة بين شرائحه الاقتصادية بحيث يستطيع العامل أن يصبح تاجراً، أو إدارياً في الدولة أو المؤسسات الخاصة، حيث تولى منذ فجر الاستقلال، موظفون في صناعة النفط مناصب وزارية أو إشرافية في المصارف فنقلوا خبرتهم المتطورة إلى أعمالهم الجديدة. وبإيجاز فقد جمع عمال البحرين المهرة بين العلم والعمل، بين الكفاءات التقنية الحديثة، والجَلَد العملي الصلب في تأدية الواجب. وعندما أعاين وأسمع عن شجاعة اللحامين البحرينيين الذين ينزلون إلى أعماق الخليج للقيام بأعمال اللحام في أقسى الظروف المناخية، أثق في أن الإنتاج، المؤسس للتقدم، ممكن بعزيمة الرجال. إن هذه"العصامية"تؤسس لحقوق عمالية لا بد من الوفاء بها. ولا بد من تطوير القوانين الملائمة لينال كل ذي حق حقه في عصر تقلصت فيه الاعتبارات الإيديولوجية، وبقى المعيار والمحك كفاءة العامل وعطاؤه وإسهامه في البناء والتنمية على أسس موضوعية وطنية وإنسانية، أبعد وأعمق من الشعارات الحزبية، وبما يجعل من نقابات العمال تجمعات مهنية بالفعل تسعى لتحسين أوضاع أعضائها بمنأى عن المناورات السياسية. لا تمثل هذه المقالة بحثاً حصرياً في موضوع الحركة العمالية في البحرين وآفاقها المستقبلية، لكنها شهادة حق وضمير أردت تسجيلها للحقيقة والتاريخ، ومن واقع المعايشة والتفاعل الحميم مع هذه الحركة الوطنية في بلادنا. ولعل الدراسات البحثية الجادة في مستقبل المجتمع المدني وتعزيزه تتصدى لمثل هذه الدراسات المعمقة. لكني في الختام أود أن أسجل باختصار، بعض القناعات الفكرية في شأن المجتمع المدني، في البحرين خصوصاً، وفي الخليج العربي عموماً، هذا المجتمع المدني الذي سيبقى العمال أهم قطاعاته مع تحسّن دخلهم والتحاقهم بصفوف الطبقة الوسطى التي تمثل العمود الفقري للوسطية وتيار التوازن والاعتدال في هيكل المجتمع والدولة. أولاً: ان المجتمع المدني البحريني ومن ضمنه العمالي قد بلغ من التطور والنضج بحيث أصبح قادراً على حكم نفسه بمظلة عادلة ومنصفة في الإطار الدستوري، وهو يستحق الحكم الصالح، وفي مقدرته أن يساعدنا عليه. والمبدأ الأساسي الذي ننطلق منه، في هذا المفهوم، إن الإنسان حر في قيمه وفكره، وفي التصرف بما يملك، وفي بيته وبين أهله وجميع خياراته. لا تقف حريته إلا حيث ت``بدأ حرية الآخرين، كما يحددها القانون للجميع. وكما أكدنا في لقائنا أخيراً مع إدارة جمعية الصحفيين البحرينيية، فإنه لا حدود لحرية التعبير أن كانت لأهداف وطنية وبها يستطيع المواطن أن يبدع إلى أبعد حد. إلا أ ن هذه الحرية تتطلب تحرره من أية تبعية تشده بوثاقها. ثانياً: لا بد أن نميّز موضوعياً بين مفهوم الرأي العام الوطني الذي هو محصلة توافق مؤسسات المجتمع المدني، وبين"رأي الشارع"ومنذ البدء كنا نرجح الرأي الأول لأنه نتاج التحاور العقلاني الحر والهادئ، والإيمان بالممارسة الديمقراطية وحرية الاختلاف في الرأي، أما"رأي الشارع". فيمكن أن يهيّجه أي منبر أو خطيب لا مسؤول. وما أكثر الكوارث العربية التي نجمت عن هياج الشارع وتهييجه. بل أن نهج الحكم الشمولي، المعادي بطبيعته، لتعددية المجتمع المدني وحرياته، لأنه منهج الحزب الواحد، والرأي الأوحد، قد مارس طويلاً العبث بعواطف الشارع وتضليل البسطاء من المواطنين، لتحقيق أغراضه الشمولية في التسلط. والواقع أن البحرين لديها رأي عام مدني مؤثر نعتز بما وصل إليه من نضج وتطور. ولعله من محاسن الصدف التي لا تخلو من عظيم الدلالة، أنه في يوم افتتاحنا مقر المحكمة الدستورية التي أقامها الدستور صرحاً لحماية الحقوق والحريات الفردية للمواطنين، تولت سيدة ومواطنة بحرينية رئاسة مجلس الشورى طبقاً لنظامه الداخلي وذلك لانشغال هيئة رئاسته بمهمات أخرى خارج المجلس، وزاد من ارتياحنا أن هذه المواطنة الكريمة تنتمي إلى تلك الشرائح الوطنية المشاركة لنا في الانتماء الوطني قبل كل شيء، بما يؤكد مبدأ التعايش السمح في البحرين، ويعكس تقبل مجتمعها المدني المتقدم لهذا الإجراء المتحضر بلا تحرج، ففي دولة القانون لا احتكام إلا لما يقرره القانون. ثالثاً: لا ينبغي أن نأخذ تقدم المجتمع المدني، والتقدم بعامة ومن ضمنه الارتقاء بأوضاع العمال، كأنه تحصيل حاصل. فهو محصلة جهد وكفاح طويل من أجل التطور لذلك لا بد من حراسة التقدم وتحصينه باستمرار التربية الصحيحة والتوعية الوطنية المستنيرة، والإصرار على إدخال مختلف فئات المجتمع ومكوناته في إطار المجتمع المدني الواعي، بالتعليم والتنمية الشاملة ورفع المستويات الاقتصادية للمواطنين لتستمر مسيرة نمو المجتمع المدني ولا تتعرض للانتكاس أو الانحسار فهو محذور علينا دائماً التحسب له، في العمل الأهلي قبل الرسمي. رابعاً وأخيراً : إننا وإن قصرنا الحديث على المجتمع المدني في البحرين، فإن له صلات وثقى وعلائق نسب مع نظائره من المجتمعات المدنية في دول الخليج العربية الشقيقة. صحيح أن بعض هذه المجتمعات، ومنها مجتمع البحرين، قد اتيحت له فرص التطور والتحرك قبل غيره لظروف اجتماعية وتاريخية، ولكننا اليوم وفي عصر المتغيرات والمستجدات المتسارعة، وبتأثير وسائل الاتصال المكثفة، قد أصبحنا جميعاً في مسار واحد. فالسرعة متقاربة، والوجهة متشابهة، سواء نظرنا إليها من زاوية هذه المستجدات، أو نظرنا إليها بصورة أعمق من زاوية التماثل القوي بين شعوبنا وأنظمتنا الاجتماعية والسياسية بدول مجلس التعاون. فها هنا أنظمة حكم نبعت من بيئاتها المحلية ومن التحالفات الطوعية بين مكوناتها فشاركت شعوبها السراء والضراء، ولم تكن أنظمة دموية أو تسلطية، منعزلة عن الناس، بل بقيت طوال تاريخها على اتصال بهم واستماع لاحتياجاتهم بالطرق المتعارف عليها في مجتمعاتهم. صحيح أن الكمال لله سبحانه. فلا أحد يدعي الكمال. وفيما يخصنا في البحرين، فأن اقدامنا على الإصلاح الشامل، وتجديد المسيرة تعبير عن عزمنا الأكيد على تجاوز حالة السكون والوقوف عند حد معين وذلك لمواكبة حركة العالم والعصر. والأهم من ذلك الاستجابة لتطلعات شعبنا وإرادته في التغيير نحو الأفضل. وما كان ممكناً تحقيق ذلك في البحرين أو في شقيقاتها لولا حرص أنظمتنا على استقطاب الكفاءات المتعلمة في بلادنا لخدمة التطور والتنمية، حيث كنا نرحب بتخرج كل طبيب ومهندس وخريج، ونحتفي بذلك،ونحرص على بقاء هذه الكفاءات في أوطانها وعدم اضطرارها للهجرة كما هو نزيف الأدمغة في الكثير من بلدان العالم النامي فهذه الأدمغة هي أثمن ما لدى الأوطان من ثروات وهي ثروتنا الكبرى في البحرين بلا منازع. وقبل إنشاء البرلمانات ومجالس الشورى وغيرها حرصت قيادات الخليج على مشاركة العناصر الشابة المتعلمة في الوزارات والتشكيلات الحكومية وما تزال. وكلما تقاربت اليوم مستويات التطور التحمت المجتمعات المدنية الخليجية في مسيرة واحدة والتقت المشاعر الوجدانية والتوجهات السياسية، وهي ظاهرة نراها تتنامى بفضل الله بين مجتمعاتنا الخليجية كافة مع الاستجابة لنداء التقدم. بل أن مثل هذا التلاقي المدني الخليجي يمكن أن يؤسس لمزيد من الاتحاد بين دوله، ونحن على أتم الاستعداد له في البحرين، بالصيغ التي يراها الأشقاء مناسبة. هكذا سيبقى مجتمعنا المدني، بتطلعاته، أساس الرؤية التي نعمل من أجلها، فالقيادة الصالحة هي التي تحسن قراءة مثل هذه التطلعات وتحرص على البقاء قريبة منها في كل خطوة إلى الأمام. والله المستعان.