يبدو أن رسم عالم من دون أشرار صار أمراً محبّباً وغير محكوم بالفشل الجماهيري في صناعة الرسوم المتحركة. الدليل هو نجاح شركة"ديزني"الباهر في انتاج سلسلة"ويني الدبدوب"، ونجاحها المعقول في مسلسلي"أولي بولي"و"النحلة ميراي"الذي يقدّم مدبلجاً الى الفرنسية على قناة"ديزني"الفرنسية. وفي هذا بصيص أمل تجاه دعم تقديم عوالم بريئة في عصر يُتَّهم صغاره بنضج مبكر وبانفتاح على عوالم أكبر من أعمارهم ومن حاجاتهم الاجتماعية والعاطفية. كانت انتقادات قد وجّهت سابقاً لهذا النوع من الحكايات المتلفزة، بحكم أنها مثالية، غير واقعية، خادعة، تسبّب للأطفال صدمة في ما بعد... ما أدّى الى تراجعه واقحام شخصيات شريرة نافرة متشابهة في معظم الأعمال. بعد عدد وفير من المسلسلات التي يتجاذب أحداثَها قطبا الخير والشرّ، أتت يوميات"الدبّ ويني"وأصدقائه في الغابة الجميلة الهادئة حيث لا مكان للشرور والمكائد، وحيث المغامرات أقرب الى الألعاب المثيرة غير المميتة، كألعاب"مدن الملاهي"، وحيث للأبطال شخصيات فريدة، ترتبط جميعها برابط الصداقة والمحبة، وحيث لا نجد الشخصية الشريرة الكريهة القبيحة المعهودة التي تتحمّل مسؤولية جميع المشاكل، وتُهزم في كل نهاية من دون أن تتوب. في غابة"ويني"أفظع صفة هي من وزن الغرور أو الثرثرة! وأفظع مشاكل الدبّ الطيّب الأكول أن يضيع بالون صديقه. أما مشكلة نمور فهي البحث عن أقاربه، ومشكلة فجلة الخوف من العتمة! وحين يغرق الأصحاب في بئر الأماني يوم عيد مولد نمور، يحقّق نمور أمانيه وأماني أصدقائه، يصل العالم الحالم الى ذروته قبل اعادتنا الى الواقع بصدمة ايجابية لا سلبية، حين تتحقّق الأماني وتبقى الصداقة ويخرج الأصدقاء من البئر للإحتفال في المروج وأكل الحلوى التي أعدّوها بأنفسهم. نجاح هذا النوع من مسلسلات الكرتون بعد"سلاحف النينجا"أو"أبطال الديجيتال"مثلاً، وبالتزامن مع شعبية"طرزان"و"سندباد"و"بندق ودنغل"حيث الأشرار يعيشون جنباً إلى جنب الأخيار ويواصلون جولات الصراع، نجاح شخصيات مسالمة ودودة تعيش في عوالم زاهية الألوان خالية من المخاطر الكبيرة هو مبعث تفاؤل وارتياح لأكثر من جهة. فبسيكولوجياً يحتاج الصغار دون الخامسة، وهم المعنيون الأوائل بهذا النوع، الى هذه العوالم في نموهم الاجتماعي والعاطفي. ومن جهة ثانية، يُخشى أن تقدّم لهم الشخصيات الشريرة بطريقة مبالغة وغير دقيقة علمياً، لأن تقديم مفاهيم كهذه للصغار جداً من أصعب الأمور في عملية التواصل مع الطفل. ثالثاً يعتبر تقديم هذه المسلسلات دليل اهتمام بهذه الشريحة شبه المنسية من المتلقين باعتبارها أقلية وغير فاعلة اقتصادياً. رابعاً، ننتقل الى ما هو أبعد بكثير، ما هو أساسي للمخزون الطفولي لكل فرد، فما يشاهده الصغير في طفولته الأولى هو قاعدة رصيده من الذكريات التي ستحتلّ وجدانه في ما بعد، وتحقّق توازناً نفسياً لمجرد عودته في الذاكرة إليها. أما المستفيد الثاني بعد الصغار فهم بعض الكبار الذين، وإن لم يجاهروا بتعلّقهم بهذه البرامج، إلا أنهم يفعلون، ويجدون فيها ملاذاً من ضغوط الحياة اليومية المشحونة بالمشاكل والتوتّر والمكائد والشرور. غالباً ما تنتهي مغامرات"ويني"و"أولي بولي"و"النحلة ميراي"و"النملة ماري"بنكتة أو طرفة أو كشف سوء تفاهم كبير بنيت على أساسه الحكاية. ونادراً ما تنتهي بدرس مباشر وعظي وهذا عنصر إيجابي آخر. يبقى أنه كلما أشاد قلم بانتاج لديزني أو غيرها من مصدري الثقافة الأميركية، تعالت أصوات منبّهة إلى خطر السمّ المدسوس في الدسم، أي خطر أنماط التفكير والسلوك الأميركية الرامية الى تغريبنا عن هويتنا الأصلية! ردّاً على هذا، تفضّل أقلية أن تجاهر بحبّها للإنتاج الكرتوني"الديزنيّ"هذا، والاستمتاع بيوميات أهل الغابة وهم يختلفون ثم يتصالحون غير آبهين لسؤال ماكر:"هل هي دعوة للتطبيع؟!"وهنا تكمن نعمة الطفولة الكبيرة: الاستمتاع من دون خلفية ووجل، والهرب من غابة الوحوش الآدمية الى غابة الحيوانات الودودة والطريفة! فقليل من البراءة الملونة ليس ملحّاً لضبط توازن الصغار فقط بل، ربما، العالم بأسره.