هل ذهبت يوماً إلى مدينة أوربينو؟ لو أجبت على هذا السؤال بالنفي، فلا بد أن تشعر بالذنب، لأنك بذلك تفتقد جزءاً كبيراً من الحضارة الايطالية. ولا نخص بالحديث هنا ارثها الفني ولكن وبشكل خاص ما تمتاز به من الهواء العليل وجمال الأرض الخلاب. إن أوربينو ما هي إلا صورة تمثل منظراً طبيعياً ساحراً."كارلو بو "إن الذين يأتون إلى أوربينو من دون أن يعلموا شيئاً عن تاريخها وأهميتها يجدون أنفسهم أمام مفاجأة فوق العادة، بل معجزة. ففي وسط منظر الهضاب التي تضم في ما بينها الطرق والشوارع يظهر فجأة قصر مسحور لم تلمسه أصابع الزمن. هي قفزة في الماضي، في طهارة وحرية الروح". إن القصر الذي يصفه كارلو بو هو قصر فيدريكو دا مونتيفلترو، حاكم المدينة أثناء عصر النهضة. ويرجع الفضل لتربيته الثقافية الرفيعة التي أتاحت له أن يبني في هذه المساحة أفضل ما قدمته الإنسانية الايطالية أثناء عصر النهضة. سعى دا مونتيفلترو إلى أن يجعل من مدينته بيتاً لربات الفنون فأحضر إليها أفضل رجال الفن والثقافة في ذلك الوقت، مثل بييرو ديلا فرانشيسكا ولوسيانو لورانا وليون باتيستا والإخوين البرتي وفرانشيسكو دي جيورجيو مارتيني وغيرهم. ومن داخل هذه البوتقة الفنية الهائلة أخذ فنانون عظماء أمثال رافائيل وبرامانتي خطواتهم الأولى. وشهدت مدينة أوربينو ازدهاراً جديداً عقب عصر النهضة مع بدايات القرن الثامن عشر حين اعتلى كليمنت السادس ابن عائلة ألباني الارستقراطية عرش الفاتيكان وعمل بمساندة ثراء عائلته على تغيير وجه المدينة وتشييد الأبنية الدينية والمدنية، كما أسس جامعة تعتبر حتى الآن مثالاً لفن التجديد العمراني الحديث، وتم توسيعها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. المتاحف ويعتبر "جاليري ديللا مارشي الوطني" الواقع داخل أسوار القصر الملكي أهم متحف في أوربينو بما يضمه من أعمال فنية منذ القرن الرابع عشر وحتى القرن السابع عشر. أهمها أعمال ترجع إلى عصر النهضة الايطالية مثل "المدينة الفاضلة" وأخرى كثيرة لبييرو ديلا فرانشيسكا وباولو أوتشيلو ورافايل وتيتيان ولوكا سينيوريلي وفيديريكو باروتشي. كما يضم القصر الملكي أيضاً "متحف الآثار" الذي يحتوي على كثير من الأعمال الرومانية القديمة مثل الكتابات والحفريات. أما متحف "ديوسزاني ألباني" فيضم لوحات قديمة إلى جانب المجوهرات القيّمة وأعمال البورسلين والمخطوطات المذّهبة القديمة. ويستطيع الزائر التوجه إلى أماكن أخرى في المدينة مثل "كابينة الفيزياء" والحديقة النباتية وبهو ليوناردو للحفريات. العمارة العمارة في أوربينو هي خير دلالة على تاريخ هذه المدينة. فمثلاً كنيسة سان برناندينو التي تقع على أبواب المدينة وتضم مقابر حكام أوربينو وقصر أوداسي وقصر باسيوني هي من أروع الأمثلة على عظمة فن العمارة أثناء النهضة. ومن الكنائس التي بنيت في القرن السابع عشر، كنيسة سانتو سبيريتو وكنائس سان فرانشيسكو وسان دومينيكو التي شهدت بعض أعمال التجديد في القرن الثامن عشر والكاتدرائية التى أعاد بناءها فالاديير. أما الكنائس الصغيرة التي كانت من قبل مغلقة للجماهير فقد فتحت أبوابها مرة ثانية، وفيها كثير من الدلائل والشواهد على حياة الشعب الايطالي من وجهات نظر عديدة منها الدينية والاجتماعية والفنية، منها كنيسة سان جيوفاني 1416 التي رسمها من الداخل الإخوان سالمبيني وكنيسة جويسبي التي صممها برانديني في القرن السادس عشر. الأعمال اليدوية تشتهر أوربينو بفن الأعمال اليدوية منذ عصر النهضة، خصوصاً أعمال التذهيب والنجارة والحفر. وما زالت هناك حتى اليوم محلات في الجزء القديم من المدينة تشهد على روعة هذه الأعمال في ذلك الوقت. ويمكن للزائر أن يرى عن كثب التقنيات القديمة المستخدمة وشراء بعض الأعمال. وتتمتع المدينة بطبيعة خلابة مما ساهم في احتلالها مرتبة عالية بين المدن الأوروبية إلى جانب ما تضمه من أعمال فنية وثقافية. وتمتاز بالريف الذي لم تمسه يد المدنية والجبال والوديان التي تضم بيوت الاستضافة حتى يستطيع الزائر أن يبقى فيها لبعض الوقت.