في 22/2/2005 ظهر في مكتبات تيرانا كتاب طال انتظاره ألا وهو"ملف كاداريه"لمدير مركز الوثائق في ألبانيا شعبان سناني. مصدر هذا الاهتمام يعود إلى أسباب لها علاقة بالتاريخ الثقافي والسياسي في بلد كألبانيا يعاني حال الانتقال من الحكم الشمولي إلى الحكم الديموقراطي. فألبانيا بالذات، بالمقارنة مع بلدان أوروبا الشرقية الأخرى، كانت تعيش عزلة لا مثيل لها عن الجوار والعالم حتى كأنها كانت غير موجودة في أوروبا. ومن ناحية أخرى فإن النظام الحاكم في ألبانيا بزعامة أنور خوجا كان أكثر شمولية وسيطرة على كل صغيرة وكبيرة في الحياة اليومية والاجتماعية والثقافية، وذلك بواسطة جهاز الأمن المعروف سيغوريمي الذي أصبح يمتلك"ثروة"من التقارير/ الوثائق التي كان يكتبها عملاؤه. ومع أن الحكومة الديموقراطية التي وصلت إلى الحكم في 1992 بادرت إلى سن قانون للكشف عن وثائق أجهزة الأمن والحزب إلا أن هذا الأمر كما في بقية أوروبا الشرقية أثار إشكاليات كبيرة إذ كشف عن حجم انتشار أجهزة الأمن وعن حجم توريط الأفراد من موظفين ومثقفين بكتابة التقارير ضد بعضهم البعض، ما كان يعني نشرها تدمير علاقات إنسانية على كافة المستويات. ومع أن عودة الحزب الاشتراكي الشيوعي السابق إلى الحكم في 1997 جمدت الكشف عن المزيد من هذه الوثائق إلا أن ما كشف حتى ذلك الحين كان كافياً لتأليف دراسات وكتب مختلفة عن المرحلة السابقة. وفي هذا الإطار كان قد تسرب إلى الرأي العام إقدام الباحث شعبان سناني، مدير مركز الوثائق في ألبانيا، على إعداد كتاب يشتمل على تقارير وثائق أمنية/ حزبية تتعلق بالكاتب الألباني المعروف إسماعيل كاداريه. وقد تزايد الاهتمام بهذا العمل ما بين مؤيد ومعارض لأكثر من سبب. ففي السنوات الأخيرة أثير موضوع كاداريه وعلاقته بالنظام الشمولي السابق ما بين من يعتقد أنه كان من كتّاب النظام ومن يعتقد انه كان من ضحايا النظام السابق، ولذلك كان كل طرف يتطلع باهتمام إلى نشر الوثائق الخاصة بكاداريه في ملفات أجهزة الأمن والحزب. ولكن من ناحية أخرى كان الكل يدرك حساسية نشر مثل هذه التقارير/ الوثائق مع أسماء كتّابها لما يمكن أن يثير ذلك من حساسيات وعداوات جديدة بين كبار المثقفين، ولذلك كان هناك شك في أن يقوم د. سناني بنشر ما يراه مناسباً فقط. وهكذا بعد طول انتظار جاء الكتاب الجديد في حوالى 400 صفحة وفي قسمين متمايزين. أما القسم الأول فيتضمن دراسة شاملة عن كاداريه وعن الأدب الألباني بعد الحرب العالمية الثانية، أي في ظل الحكم الشمولي خلال 1945-1990. أما القسم الثاني فيتضمن 38 وثيقة تنشر للمرة الأولى مع عدد من الصور التي تشكل مادة مرجعية في موضوع يعني كل أوروبا الشرقية، ألا وهو تعامل الحكم الشمولي مع الثقافة والمثقفين. فعلى رغم المكانة التي كان يحتلها كاداريه في ألبانيا، والشهرة التي لاحقته في العالم بعد ترجمة أشهر رواياته جنرال الجيش الميت الخ إلا أن هذا الكتاب يؤكد أنه في ظل الحكم الشمولي لا يوجد كاتب أو مثقف محصّن من المراقبة والمتابعة ومن"ميزة"وجود ملف له كغيره من المشبوهين والمنشقين. ولكن من الملاحظ هنا أن هذا الملف لكاداريه وغيره من الكتّاب والمثقفين كان يتضخم من مصدرين مختلفين: من عملاء أو كتّاب تقارير محترفين يشار إليهم غالباً ب"مصدر لنا"بينما هم معروفون بطبيعة الحال لأجهزة الأمن ومن كتّاب زملاء في المهنة كانت لهم مكانتهم في الحياة الثقافية ولا يزال بعضهم على قيد الحياة. وبعبارة أخرى فالنظام كان يعرف أيضاً كيف يستثير الحساسية المعروفة ما بين الكتّاب ليدفع بعضهم للكتابة ضد البعض الآخر حتى يبقى ممسكاً بكل الخيوط. ولدينا هنا أفضل مثال في العلاقة ما بين أشهر كاتبين روائيين في ألبانيا آنذاك: إسماعيل كاداريه ودريترو أغولي صدرت له في دمشق عن وزارة الثقافة رواية"الرجل والمدفع"في 1985. فقد كان كاداريه هو الأشهر خارج ألبانيا في الوقت الذي"انتخب"فيه أغولي رئيساً لاتحاد الكتاب في 1975 وبقي في هذا المنصب ربع قرن، أي حتى سقوط النظام الشمولي. ولا شك في أن بقاء أغولي في منصبه كل هذه السنوات إنما كان يدل على رضا الحزب وأجهزة الأمن على حرصه في توظيف الثقافة في خدمة النظام وعلى إعلام الأجهزة المختصة اللجنة المركزية بأي عمل قد يشتم فيه أي"انحراف"عن خط الحزب. وهكذا فقد تحولت قصيدة كتبها كاداريه في 1975 بعنوان"اجتماع المكتب السياسي بعد الظهر"وقدّمها للنشر إلى جريدة الاتحاد"دريتا"إلى فرصة للنيل من كاداريه من قبل زملائه/ أعدائه. فقد سحبت هذه القصيدة من المطبعة وأثيرت حملة قوية ضد كاداريه، ولكن تدخل أنور خوجا هو الذي أنقذ كاداريه مما هو أسوأ. وفي هذا الإطار يكشف الكتاب الجديد أن أغولي هو الذي كتب تقريراً ضد هذه القصيدة وحرّض اللجنة المركزية على كاداريه أنظر النص المرفق. إن هذا الكتاب بما فيه من تقارير/ وثائق يصدم القارئ فعلاً بما يكشف عن امتهان الأدب والثقافة، التي كانت تعتبر مجرد أداة لخدمة النظام، ومن سقوط مروع للكثير من الكتّاب والمثقفين الذين ارتضوا لأنفسهم خدمة النظام بكتابة التقارير ضد زملائهم أيضاً. وليس أدل على الصدى الذي تركه الكتاب أن البرلمان الألباني سارع بعد 48 ساعة فقط 24/2/2005 ليسقط مشروع قانون جديد من المعارضة الديموقراطية ينص على ضرورة الكشف عن ملفات المرشحين لشغل الوظائف العامة في ألبانيا، حيث صوت 54 نائباً لمصلحة المشروع وعارضه 54 نائباً من الحزب الاشتراكي الحاكم. ولم يستطع هنا أحد نواب المعارضة شبتيم روتشي أن يمنع نفسه عن وصف أولئك الذين صوتوا ضد المشروع بأنهم"عملاء"سابقين لأجهزة الأمن، لأن مثل هذا القانون يمنع أمثالهم من تولي الوظائف العامة في البلاد. وعلى كل حال أن ألبانيا ليست وحدها في هذا المجال، ونأمل أن يأتي اليوم الذي تكشف فيه ملفات أجهزة الأمن والحزب للأنظمة الشمولية الأخرى. تقريران رسالة من دريترو أغولي إلى اللجنة المركزية الرفيق بيرو، أرسل لك قصيدة ل أ. كاداريه لقد قرأتها ولي بعض الملاحظات عليها: 1 - أنها تثير المخاوف كثيراً. يبدو فيها كأنه حدث أمر جلل أو شر عظيم أو ثورة مضادة، ويجتمع المكتب السياسي فجأة للسيطرة على الوضع. 2 - يتشكل هنا انطباع كأن الثورة المضادة احتلت الوزارات ويقوم العمال باستعادة السيطرة عليها. يبدو هنا الحزب كأنه لا يسيطر على الوضع. 3 - المتآمرون هنا هم البيرقراطيون. 4 - أخيراً، لا يمكن أن ننشرها لأن الحزب لم يعبر في الصحافة عن موقف ضد المتآمرين السياسيين والاقتصاديين، ولا يمكن نشرها في"صوت الشعب"أو في أية جريدة أخرى. وحتى هيئة تحرير جريدة"دريتا"لا يمكن أن تنشرها. كانت في المطبعة ولكنها سحبت. القصيدة فيها كابوس كبير، توحي بحدوث أمر جلل! مع سحبها من المطبعة يمكن للمؤلف أن يصطدم مع هيئة التحرير، يمكن أن يثير الصدى وان يشتم هذا أو ذاك! هكذا يبدو الأمر لي. دور مصطفى رئيس تحرير جريدة"دريتا"م.أ الذي عاد لتوه من مهمة رسمية قرأ القصيدة وسحبها من النشر. وقد اخبرني بذلك واعطاني القصيدة لأقرأها. اقرأها وإذا توافقون على ذلك أخبروني. تحياتي دريترو 16/10/1975 رسالة من أديب شاب إلى اللجنة المركزية الرفيق رامز عليا، أنا معلم أدرس الأدب. إنني شاب في الثالثة والعشرين من عمري. والدي شيوعي من سنة 1943 وقد علمني أن أكون شريفاً ومخلصاً للحزب. لقد قرأت رواية كاداريه"سيرة مدينة منقوشة على الحجر". يبدو لي أن الرواية ليست مبنية على ما هو سائد بل على ما هو طارئ مشوه، أي أنها لا تنتمي إلى الواقعية الاشتراكية. بل يمكن القول أنها عمل سريالي. إنني أقرأ بثلاث لغات أجنبية ولذلك فإنني أعرف السريالية. ونظراً لأنني اخترت برغبتي مهنتي لكي أكون في كل ظرف إلى جانب الحزب، لأنه لا يوجد لدي ما هو أغلى من هذا الشعب والحزب ولأن اولئك ال28 ألف شهيد في"حرب التحرير"م.أ قد دفعوا حياتهم ثمناً لسعادتي وسعادة رفاقي، أجد نفسي مصدوماً ومروّعاً من هذه الرواية التي ليست مألوفة من كاداريه، الذي دائماً نتطلع إليه كإنسان وشيوعي. ولذلك أعتقد أنه يجب سحب هذه الرواية من التداول مباشرة. لقد أعددت مقالاً ولكن ليس للنشر الهجوم على كاداريه في الصحف والمجلات الآن يمكن ألا يمسّه وألا يذكره بالاسم لانه لا يجب أن تلطخ سمعته كشخصية معروفة وسأوصله لكم مباشرة إذا رأى الحزب أنني على حق. إنني أديب شاب. تصدر لي الآن مجموعة شعرية، وفي الطريق مجموعة أخرى ومسرحيتان، أي ما زلت في بداية الطريق. إن هذا المقال الذي كتبته يمكن أن يكلفني الكثير إذا أرسلته للنشر لأنني سأتعرض للانتقام في هذه الحال. تحية ثورية. بيرات في 28/6/1971.