عشية عقد القمة العربية في الجزائر يتبادر الى الأذهان سؤال عما اذا كانت هذه القمة ستحمل جديداً الى العرب والأمة العربية والعالم بعد هذه التراكمات من الاحباط والتراجع؟ ان الحديث عن القمة بين تونسوالجزائر على مدى سنة أو سنتين لا ينفصل عن ضرورة الحديث عن فكرة القمة العربية في منطلقها وظروفها. وهي في مجمل الأحوال تعبير عن واقع العمل العربي على مستوى الدولة وعلى مستوى النظام الاقليمي العربي معاً. ونعلم ان الحديث عن العمل العربي في هذه المرحلة محفوف باليأس والتردد. ولا يزال أسير التجاذبات والخلافات والاختلافات العربية على ما فيها من مآس ومعضلات. الا ان الخوض في هذه المسألة له ما يبرره في وقت يشهد العالم صعود الاقليمية مع صعود العولمة وبخاصة الاقتصادية منها، وفي وقت تُطرح مشاريع شرق أوسطية عدة جميعها تشترك في جعل اسرائيل دولة محورية في المنطقة تحت شعار الأمن الاسرائيلي والأمن الاقليمي الشرق أوسطي. ماذا عن دورية القمة العربية؟ وبماذا التزمت قمة تونس؟ وما هو المرتجى من قمة الجزائر؟ وقبل ذلك وبعده: أين نحن من مسؤولية العمل العربي المشترك؟ منذ ان اتخذت القمة العربية في القاهرة عام 2000 قراراً بجعل مؤتمرات القمة دورية في آذار مارس من كل عام، تركزت الاهتمامات الاقليمية والعالمية على القمة العربية وعما اذا كانت ستتحول مؤسسة لها قواعدها وآليات عملها وأهدافها المنسجمة مع ميثاق جامعة الدول العربية والعمل العربي المشترك. وعلى ذلك جرت اضافة فقرة على الميثاق تقضي بدورية القمة، واعتبرت هذه الخطوة بمثابة انجاز جديد في العمل العربي المشترك. ونشير الى ان ميثاق الجامعة لم يتعدل أو يتبدل، منذ العام 1945، لكنه شهد اضافات على مضمونه لعل أبرزها انشاء المنظمات المتخصصة التابعة للجامعة. منذ سنة 2000 والسؤال المطروح لا يزال هو: هل تحقق دورية القمة دينامية معينة في العمل العربي المشترك؟ من الأمور البديهية اعتبار عقد القمة أفضل من عدم عقدها، فهي مناسبة للقاء القادة العرب وتسوية النزاعات التي قد تحصل بينهم. ولا نضيف جديداً اذا قلنا ان هذه النزاعات ذات الطابع الشخصي، أو القطري، طغت على جامعة الدول العربية ومؤسساتها الى درجة الشلل والتجميد. لعل التئام القادة العرب في مؤتمر عام أمام شعوبهم سيساعد في تسوية النزاعات المعقدة مثل نزاعات الحدود، أو تلك الناشئة عن حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، أو النزاعات المتعلقة بمشاريع التسوية لقضية فلسطين والصراع العربي الاسرائيلي. وثمة رأي مطروح حول دورية العقد، هو ان القمة قد تدفع المسؤولين العرب نحو اعتماد آليات منتظمة في العمل والتنفيذ بدل ردود الأفعال وحدها، وتوجد نوعاً من التفاعل السياسي بين الدول العربي وفي داخلها. بيد ان هذه الأفكار لها ما يقابلها. اذ ظلت فكرة القمة العربية بعيدة من التخطيط الاستراتيجي لأنها تُعقد تحت ضغط الأحداث الطارئة والمتغيرة، ولأن جدول العمل يتحدد في ضوء مراعاة واقع العلاقات الرسمية لا في اطار الأهداف العربية الكبرى وما تقتضيه من وضع استراتيجيات وسياسات رشيدة، ولأن القرارات العربية - حتى وان أخذت بالاجماع - لا تنفذ بمعظمها، مما يطرح علامات استفهام حول طبيعة العمل السياسي العربي والقرار السياسي العربي؟ الى ذلك، نشير الى افتقاد القمة العربية آلية متابعة القرارات الصادرة، حتى ولو أخذت بالاجماع. ولو راجعنا تلك القرارات، منذ المؤتمر الأول في القاهرة عام 1964 نجد كماً لا بأس به من دون تنفيذ الا في حدود ضيقة. ظل مبدأ سيادة كل دولة عربية طاغياً على العمل المشترك، في وقت راحت تتراجع السيادة امام زحف العولمة والضغوط الدولية. هكذا منذ مرحلة الاستقطاب الدولي في عهد الثنائية القطبية أيام الحرب الباردة، الى مرحلة السيطرة الأميركية على قمة النظام الدولي الذي يشهد حال فوضى عارمة على مستوى المبادئ والعلاقات الدولية. في المقابل، لم يبتدع العمل الرسمي العربي آليات عمل تنظيمية وأطراً قانونية تلائم بين العام والخاص، أو ما بين الوطني والقومي. وبدا ضعف الطابع المؤسسي سمة العمل العربي، فلا مؤسسات تعمل بانتظام ولا متابعة ادارية لما يتقرر ولا تجديد في صيغ صنع القرار السياسي. بتعبير آخر، يتم اختزال المصالح العربية العليا الى مصالح مختلفة على المستوى القطري، ثم اختزال القطري الى مصالح الفئات المسيطرة على السلطة، وهكذا الى ان تغيب الارادة العربية وسط حال ضعف للمجتمع المدني العربي، الذي هو في الحقيقة مجتمع أهلي على مستويات المحلة أو الطائفة أو العشيرة بعيداً من فكرة المواطنة أو فكرة الدولة بمفهومها الحديث. هذا التشخيص العام لا يُسقط من الحساب جملة نتائج تحققت في فترة الستينات من القرن العشرين: تطويق بعض النزاعات العربية - العربية، انشاء قيادة عسكرية مشتركة على رغم محدودية صلاحياتها، تحقيق نوع من التكامل المحدود بين دول الطوق والدول المساندة بعد حرب 1967، اطلاق منظمة التحرير، وضع حد للاقتتال الأردني - الفلسطيني في أيلول سبتمبر 1970. على ان هذه الخطوات اصطدمت بالواقع الاجتماعي والسياسي، فراحت تتلاشى تحت ضغط تخلف البنى العربية في الداخل والضغوط الدولية من الخارج. وبعيداً من أي تحليل ايديولوجي، فإن العمل العربي دخل مرحلة صعبة مع انطلاق عملية التسوية بين مصر واسرائيل في اطار اتفاقات كامب ديفيد، ومع تدهور الأمن العربي على المستويين الوطني والقومي، ومع تفاقم حربي الخليج الأولى والثانية، وفي وقت كان يتحول فيه العالم الى مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. بدت القمة العربية أحياناً مطلباً في حد ذاتها في وقت كان يصعب فيه جمع قادة الدول العربية في مؤتمر واحد، والحقيقة ان القمة وسيلة لتحقيق الأهداف العربية وليست غاية في حد ذاتها فخسرنا أحياناً الهدف والوسيلة معاً. منذ أقرّت دورية القمة في القاهرة، الى مؤتمرات عمانوبيروت وشرم الشيخ وتونس، واجتماعات مجلس جامعة الدول العربية متمحورة حول اصلاح أوضاع الجامعة وتطوير العمل المشترك. طرحت مشاريع عدة للاصلاح، واجتهدت الأمانة العامة في عقد لقاءات ومنتديات بحثية لهذه الغاية. بيد ان سبيل الاصلاح لا يزال غائباً تحت وطأة حرب الخليج الثالثة وما ولدته من نتائج خطرة على العرب، دولاً ونظاماً اقليمياً، صار الأضعف في خريطة التكتلات الاقليمية في العالم، ناهيك عن انعكاسات تصفية قضية فلسطين بفعل التحالف الاستراتيجي -الأميركي - الاسرائيلي الذي لا يجاريه أي تحالف آخر في الشرق الأوسط. وبين تراكمات العجز الرسمي العربي والضغوط الخارجية على المنطقة العربية قاربت قمة تونس العام الماضي موضوع اصلاح الجامعة والعمل العربي، فصدرت "وثيقة العهد والوفاق والتضامن" التي تعهدت العمل لتحقيق المصالح العربية العليا. وحددت قمة تونس الأهداف في الدعوة الى تعديل ميثاق الجامعة، وتطوير اجندة العمل العربي المشترك، وفض المنازعات بين الدول العربية بالطرق السلمية، استكمال انجاز منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى واقامة اتحاد جمركي عربي، والتمسك بقيم التسامح والاعتدال ومكافحة الارهاب بكل أشكاله، وترسيخ مفاهيم الحكم الرشيد وتعميق أسس الديموقراطية، وتوسيع المشاركة، والعمل على الاسراع بانجاز سوق عربية مشتركة وتطوير العلاقات الاقتصادية البينية، والاهتمام بالطفولة والشباب والنهوض بدور المرأة، والارتقاء بنظم التعليم، ومعالجة ظاهرة الفقر والأمية، وحماية البيئة الطبيعية، والتمسك بمبادرة السلام العربية لتسوية ما يتعلق بقضية فلسطين والصراع العربي - الاسرائيلي. وللمرة الأولى تدعو القمة العربية في تونس الى تعديل ميثاق الجامعة بعدما أنجز الأمين العام مشروعاً لتعديل بنيتها، لكن قمة تونس أجلت أو رحّلت اقرار التعديلات الى القمة العربية المقبلة في الجزائر، والجديد في قمة تونس الحديث عن الحكم الرشيد، وقيم التسامح والاعتدال وثقافة الحوار. هذه قضية مركزية في المجتمع العربي، وعلى مستوى الدول والنظم والحكومات. انها غير مألوفة منذ زمن بعيد، بل منذ سقوط الخلافة الراشدة تحت وطأة سياسة الملك والسلطان، فهل سيتابع القادة العرب هذه القضية لانجاز تقدم ولو محدوداً؟ اما عن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى واقامة اتحاد جمركي عربي، فإننا نلفت الى تعارض هذا الهدف مع الانضمام التدرجي للدول العربية الى منظمة التجارة العالمية التي تعتمد قاعدة تحرير الأسواق والمبادلات التجارية والتدفقات المالية بعيداً من الرسوم الجمركية أو الحواجز الجمركية. بل حتى على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي حيث التمائل النسبي في الأسواق والانتاج النفطي ومشتقاته، ثمة صعوبة ظاهرة في اقامة سوق خليجية واحدة بعيداً من تفاعلات العولمة الاقتصادية، وفي طليعتها الحد من التدخلات الحكومية في حركة التجارة الخارجية. وعن نظم التعليم ومعالجة ظاهرة الأمية، ثمة حاجة سريعة للقضاء على الأمية بعدما وصل عدد الأميين في الوطن العربي الى سبعين مليوناً مع ما يطرح هذا الرقم من تحد معرفي وحضاري، أين أهدرت موازنات التربية والتعليم في العقود الماضية؟ وكيف نلحق بثورة الثقافة والعلوم فيما ينتشر الفساد في البلاد العربية؟ وهل تنهض الثقافة العربية مع تراجع العربية في المدارس والجامعات بالتزامن مع هجرة الكفاءات الشبابية الى دول الشمال الصناعي؟ تبقى ملاحظة حول مبادرة السلام العربية للتسوية التي أقرتها قمة بيروت، هي ان تلك المبادرة تحتاج الى قوى دفع عربية على المستوى الديبلوماسي وهذا غير قائم أمام الضغوط الخارجية، وابرزها ضغط الشرق أوسطية الذي يظهر مرة باسم الاصلاح، وأخرى باسم السلام في المنطقة، وثالثة تحت عنوان التنمية الاقليمية. والخطأ الأكبر في هذا الطرح يكمن في اعتماد مطلب عربي واحد منذ مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط هو انجاز التسوية السلمية مع اسرائيل من دون أي بديل حتى ولو أمعن آرييل شارون وغيره في تصفية قضية فلسطين شعباً وأرضاً وفي تجاهل حقوق سورية في الجولان، وحقوق لبنان في اجلاء الاحتلال الاسرائيلي الى ما بعد الحدود الدولية المكرسة في اتفاقية الهدنة سنة 1949. ومن يراقب تزامن عقد قمم دولية وعربية مشتركة بمبادرات أميركية في الدرجة الأولى مع الحديث عن أهداف القمة العربية قبل التوصل الى تسوية عادلة وشاملة، يدرك خطورة الركون الى مطلب واحد في جميع الظروف هو مطلب التسوية السلمية. في هذا الصدد هل نصدق من جديد وعوداً أميركية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في سنة 2009، بعدما كان الموعد في سنة 2005 وفق خريطة الطريق التي صارت من الماضي؟ نعود الى تعديل ميثاق الجامعة، وبخاصة الى ما يتعلق بتعديل نظام التصويت في مجلس الجامعة لنشير الى صعوبة توافق الدول العربية على نظام الأكثرية بدلاً من نظام الاجماع. هذا ما اتضح في مؤتمر وزراء الخارجية الأخير الذي أنيط به وضع جدول عمل مؤتمر القمة المقبل في الجزائر. وقد انتهى المؤتمر كما يعرف الجميع الى ترحيل النقاط الخلافية الى مؤتمر القمة! عن تأسيس محكمة العدل العربية لفض النزاعات بين الدول العربية، فإن المعضلة تكمن في صعوبة توفير استقلالية هذه المحكمة عن الحكومات العربية واعطائها الفاعلية المرجوة. وهكذا ندور من جديد على أنفسنا بين متمسك بالسيادة، أو متذرع بالسيادة، وبين من يعمل لتطوير العمل العربي المشترك، هذا مع الاشارة الى انتهاكات يومية للسيادة العربية على المستويين الوطني والقومي، من خلال الاحتلال الأجنبي للعراق، والارهاب الاسرائيلي في فلسطين، والغزو المعولم للبلاد العربية باسم الاصلاح والتحديث والتنمية. أما ما أثير من اشكاليات حول الأمين العام للجامعة، أو مقرها، وجهازها الاداري، فإنها لا توصل الى نتائج مرجوة بقدر ما تعرقل الجهود العربية المخلصة، ذلك لأن الجامعة أولاً وأخيراً هي ترجمة لواقع العمل الرسمي العربي. انها صورة لحال الدول العربية، وليست مؤسسة اقليمية فوق هذه الدول، ولا يجوز تحميلها وزر التخلف السياسي. لا نفضل والحال هذه طرح هذه الاشكاليات في قمة الجزائر تجنباً لتعميق هذه الانقسامات بين الدول العربية وتوخياً للمحافظة على تضامن عربي مهما كان واهياً. قد تتوصل قمة الجزائر الى حديث ممجوج عن الاصلاح، لا بأس من ذلك شريطة الشروع بتنفيذه. وهذا أفضل ألف مرة أن نشرع بإصلاح نظمنا وحياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بدل الرضوخ لاملاءات خارجية. وقد تدور خلافات سياسية حول الوضع في العراق بعيد الانتخابات، بيد ان المصالح العربية المشتركة بما في ذلك مصلحة شعب العراق تكمن في التخلص من الاحتلال بالدعوة الى برمجة خروج القوات الأميركية والبريطانية وفق جدول محدد ويمكن للحكومات العربية تأسيس موقف مشترك استناداً الى قرار مجلس الأمن الرقم 1546 الذي يؤكد سيادة العراق واستقلاله. وعن فلسطين التي أشارت القمم العربية والاسلامية الى قضيتها منذ ستة عقود، واعتبرتها قضية العرب الأولى ثم قضية المسلمين الأولى... فإنها لا تحتاج الى قصيد شعر جديدة. ان فلسطين اليوم مهددة بالضياع تحت وطأة الوعود الأميركية، والضغوط الاسرائيلية، ومتغيرات النظام العالمي التي عصفت بحركة عدم الانحياز، وكرست ازدواجية المعايير الدولية تجاه حق الشعوب في تقرير المصير. فلسطين هذه تحتاج الى قرار عربي جامع، والى قرار اجماعي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، يقضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم، والتمسك بالقدس فلسطينية عربية وعاصمة دولة فلسطين، وانسحاب اسرائيل من الأراضي العربية الى خلف حدود 1967، بما فيها هضبة الجولان. قبيل عقد قمة الجزائر ينبغي الاعتراف بأن القمة العربية لم تتحول بعد الى مؤسسة، فهي لا تزال مجرد لقاء بين القادة يزيد الاحباط احباطاً، حتى ان الرأي العام العربي والعالمي يشكك في جدوى القمة وقدرتها على الفعل والتغيير. واذا كنا لا نحمّل القمة المقبلة وزر الأخطاء السابقة، والموروث السياسي المتخلف وسط النزاعات الانقسامات، الا ان قمة الجزائر مدعوة الى انجاز خطوات مباشرة وآنية، أبرزها: 1 - اتخاذ موقف موحد وواضح من احتلال العراق، ومتابعته اقليمياً ودولياً بما يؤدي الى تحرير العراق والمحافظة على سيادته ووحدته واستقراره الداخلي والاقليمي. 2 - ممارسة الضغط الديبلوماسي والسياسي على اسرائيل لترضخ لتنفيذ القرارات الدولية، لا أن يمنح شارون جوائز سياسية وهو الذي لم يقدم أية مبادرة للتسوية. 3 - اعتماد خطوات لاصلاح اوضاع جامعة الدول العربية، وتطوير آليات عملها، فلا بديل عن اطار مؤسسي للنظام الاقليمي العربي. واذا كانت الأوضاع العربية الراهنة لا تسمح بانجاز نقلة نوعية على هذا الصعيد، ومجاراة صعود الاقليمية في العالم من جنوب شرقي آسيا الى أميركا اللاتينية مروراً بأفريقيا وأوروبا، فإن من الممكن تحقيق خطوة محدودة في هذا الاتجاه. انها خطوة الاصلاح الداخلي في الدول العربية، واصلاح الجامعة بعدما أشبعت مشاريع الاصلاح درساً منذ ربع قرن. اصلاح ذاتي ينبع من الواقع العربي مع الانفتاح على العالم بما فيه من متغيرات دولية، وحقائق اقتصادية وثقافية وسياسية. 4 - اقرار خطة عربية متكاملة لمحو الأمية، وتنمية المعارف والعلوم من خلال تحديث المدارس والجامعات، والارتقاء بالبحث العلمي الى المستوى العالمي الراهن. ان هذا النوع من التكامل لا يغضب الحكومات، ولا يتعارض مع السيادات الوطنية. 5 - تكليف هيئة علمية موثوق فيها درس قرارات القمم العربية كافة، والتوقف عند الأسباب العميقة لعدم تنفيذها منذ تأسست الجامعة. هكذا دراسة قد تساهم في التطوير والاصلاح، واطلاق العمل العربي المشترك على قواعد مؤسسية بعيداً من الارتجالية. هذا ما نرتجيه في المرحلة الحاضرة من قمة الجزائر، بيد انه محدود اذا ما قورن بالأهداف العربية الكبرى في التكامل والتنمية والتحرر من الاستبداد ومن الاستعمار الجديد الزاحف الينا. ان التطلع للمستقبل يستوجب اعتماد أولويات من نوع آخر على مستوى الشعوب، لا على مستوى القادة. وهنا نتوقف عند ثلاث أولويات: 1 - اعادة الاعتبار للأمن العربي في مفهومه الشامل، وتحمل مسؤولياته الكبرى. ان الأمن العربي هو أمن المواطن وأمن الناس اضافة الى أمن الدولة، وهو أمن الأمة العربية على كل الصعد الدفاعية منها وغير الدفاعية. ان المفهوم الشامل للأمن أمنياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، يُحوز لايجاد نظام اقليمي عربي على قواعد مؤسسية، ويساعد على بلورة ارادة سياسية عربية طالما تحدثنا عن غيابها في العقود الثلاث الماضية. هذه الارادة السياسية تساعد على تحمل المسؤوليات العربية المشتركة في اطار احترام المسؤولية الدولية. 2 - مواجهة التخلف السياسي من خلال التثقيف بفكرة الدولة، وفكرة التنظيم الاقليمي بعيداً من شخصنة السلطة وغياب المؤسسات. نحن في عالم متكتل اقليمياً بالتزامن مع صعود العولمة، فكيف نواجه التحديات بالدولة المفردة والضعيفة؟ وكيف نعلي من شأن القمة العربية اذا ظلت فكرة التنظيم الاقليمي محصورة في المناسبات القومية من دون ان تبلغ مستوى تحديث البنى المؤسسية في اطار التفاعلات المتلاحقة على مستوى النظام العالمي؟ ان فكرة التنظيم الاقليمي ليست شرق أوسطية مطروحة منذ بداية الخمسينات في القرن الماضي وبمشاركة فاعلة لاسرائيل وانما هي تكتل عربي مع انفتاح على دول الجوار الاقليمي ايران وتركيا وأثيوبيا. 3 - اطلاق تيار الالتزامية الفكرية والسياسية للنهوض بالعمل العربي على مستوى الدولة والتنظيم الاقليمي. التزامية مؤسسة على الانتماء العربي والهوية العربية في اطار حضاري انساني. التزامية بالوسطية العقلانية لا بالتطرف والغلو. التزامية التأسيس لحركة عربية جديدة ومتجددة في أفكارها ورموزها من دون أن تتراجع عن أهدافها الكبرى. التزامية حقوق الإنسان لا حقوق السلطان. * أستاذ جامعي لبناني.