لكل شعب أخياره وأشراره. ولا مثل أفضل على أخيار اليهود من جيمس وولفنسون، ولا مثل أوضح على أشرارهم من بول وولفوفيتز. وولفوفيتز سيخلف وولفنسون في رئاسة البنك الدولي بعد ان يكون الثاني أكمل ولايتين من أفضل ما عرف البنك منذ تأسيسه سنة 1946. وسأكتب عن وولفنسون بتفصيل أكبرعندما يتقاعد في حزيران يونيو المقبل، أما اليوم فأريد ان أبدأ بسطور عنه قبل الانتقال الى وولفوفيتز. تعرفت على وولفنسون وعمله من طريق عضويتي في مجلس مستشاري البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال افريقيا. وقدرت اهتمامه بالدول العربية، ومحاولته المساعدة والنصح، كما قدرت اهتمامه بالدول الفقيرة، خصوصاً جنوب الصحراء في أفريقيا. غير ان انطباعي الطيب عنه زاد أضعافاً في جلسة واحدة معه في جناح أبو عمار قرب نهاية كانون الثاني يناير 2001 في دافوس خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي. كان أبو عمار يستقبل رئيس دولة زائر عندما وصل رئيس البنك الدولي فانتقلت والصديق صبيح المصري للجلوس معه حول مائدة مستديرة في الجانب الآخر من الغرفة الفسيحة، وانضم الينا بعد ذلك الدكتور صائب عريقات قادماً من طابا وهو يحمل خرائط"الحل النهائي"بين اسرائيل وفلسطين، وتابع وولفنسون شرح كبير المفاوضين الفلسطينيين باهتمام بالغ ووعد بالمساعدة وهو ذهب بعد ذلك الى لبنان بدعوة من رفيق الحريري، رحمه الله، وعندما أوصيته خيراً برئيس وزراء لبنان قال انهما صديقان، وهو يعتز بهذه الصداقة ويقدر عمل الحريري ومستعد لمساعدته بكل وسيلة في إعمار لبنان. عندما انتقلنا الى زاوية أبو عمار من الغرفة، أخرج وولفنسون دفتر ملاحظاته، وأخذ يقرأ للرئيس الفلسطيني تفاصيل عن جولة له في الخليج وأوروبا الغربية، وينصح أبو عمار حول ماذا يمكن ان يطلب، وما يمكن ان ينتظر، وأفضل أسلوب للتعامل مع هذا البلد أو ذاك. كان وولفنسون يتحدث بذكاء ودقة، وساعدناه أحياناً في الترجمة للأخ أبو عمار، وشعرت بأن رئيس البنك الدولي يريد دولة فلسطينية بالحماسة نفسها التي نريدها نحن، ويريدها دولة قادرة على الحياة يعيش شعبها بكرامة. عندما يكون الانسان خيّراً، فخيره عام، وليس قصراً على شعب دون غيره، أو قضية دون غيرها. ومجلة"الايكونوميست"قالت السنة الماضية"ان البنك الدولي يفعل لمكافحة الفقر أكثر من أي مؤسسة عالمية أخرى"، فقد اهتم وولفنسون دائماً بأوضاع الدول الفقيرة، وحاول مساعدتها وحث الدول الثرية على اعفائها من الديون ودفعها نحو اصلاح أنظمتها السياسية والاقتصادية. وولفنسون رجل مصارف عالمي بامتياز، ومليونير كبير، أوقف كل أعماله المالية والمصرفية عندما ترأس البنك الدولي. وله نشاط اجتماعي وثقافي وخيري يلف العالم. في المقابل، وولفوفيتز أكاديمي ومفكر كبير، حاد الذكاء، وصاحب خبرة حكومية طويلة ومتنوعة. أكتب منطلقاً من قناعاتي العربية، وأرجو ان أكون موضوعياً على رغم التزامي الوطني العام، فأزعم ان وولفوفيتز استخدم ذكاءه الحاد ونفوذه ضد العرب والمسلمين في فلسطينوالعراق وحيث استطاع. هو بدأ العمل مع ريتشارد بيرل في مكتب السناتور هنري سكوب جاكسون، وعمل سنة 1973 في وكالة الحد من التسلح، فلم تحل سنة 1978 حتى كان موضع تحقيق لتسريب وثيقة عن عزم الولاياتالمتحدة بيع سلاح الى المملكة العربية السعودية. وتمثل سنة 1978 بدء اهتمامي بعصابة اسرائيل من المسؤولين المتطرفين في الادارة الاميركية، مع انفجار فضيحة ستيفن براين وموضوعها تهمة مشابهة، بل مماثلة. وقرأت في حينه ان وولفوفيتز سرّب أوراقاً سرّية الى ايباك، كما فعل عدد من أنصار اسرائيل قبله وبعده، وصولاً الى لاري فرانكلن السنة الماضية، وطوي كل تحقيق فلم يسجن غير جوناثان بولارد. وولفوفيتز لم يهتم بمعاقبة الارهابيين الذين قتلوا ألوف الأميركيين في 9/11/2001، وانما وجد فرصة لدفع الادارة الأميركية نحو حرب على العراق، فقد ثبت انه طالب بهذه الحرب في أول اجتماع حكومي بعد الارهاب، وكرر المطالبة حتى كانت الحرب غير المبررة والمدمرة. وموقف وولفوفيتز هذا يجده القارئ المهتم في رسالة عصابة المحافظين الجدد الى الرئيس كلينتون في 26/1/1998، فهي تحرض على العراق في شكل اسرائيلي، وموضوعها تكرر في رسالة الى الرئيس بوش بتاريخ 20/9/2001 وهذه تحرض على العراق وحزب الله وتأخذ جانب اسرائيل ضد الفلسطينيين. والموقعون على الرسالتين يضمون أبرز انصار اسرائيل في الادارة، وحولها الذين يدّعون انهم أميركيون. وولفوفيتز قال ان صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل وثبت كذب هذه التهمة، كما ثبت عدم وجود علاقة له مع القاعدة. وهو قال ان العراقيين"سيرحبون بنا كمحررين، كما فعل الفرنسيون في الأربعينات"، والنتيجة ان أكثر من 1500 أميركي قتلوا في الحرب حتى الآن وهناك عشرات ألوف الجرحى منهم، ونحو مئة ألف قتيل عراقي، غالبيتهم العظمى من المدنيين. وقال وولفوفيتز ان نفط العراق سيدفع ثمن اعادة تعمير البلاد، فكلفت الحرب 200 بليون دولار حتى الآن. وأكد الجنرال تومي فرانكس، قائد الحرب، أنه نصح وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه وولفوفيتز ان يعدا لمرحلة ما بعد الحرب فلم يفعلا، ولا يزال العراق وشعبه وشعوب المنطقة والعالم تدفع الثمن. لا أصدق ان رجلاً بذكاء وولفوفيتز ترك أمثال أحمد الجلبي يخدعونه، وإنما أرجح ان أجندة المحافظين الجدد كانت عدم وجود أجندة ليدمر العراق خدمة لأمن اسرائيل. اليوم أقارن وولفوفيتز بوولفنسون، وأقول لا مقارنة، وأنبّه القارئ العربي الذي يعتقد ان كل اليهود من نوع وولفوفيتز ان أمثال وولفنسون بينهم أكثر.