منذ نحو اسبوع او اكثر بقليل انتقل تلفزيون"المستقبل"- تلفزيون رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري - من موقع المفجوع الحائر بفجيعته الى موقع الهجوم السياسي المعارض، وفي هذا الوقت كان تلفزيون"المنار"الذي يملكه حزب الله ينتقل من الموقع الحليف الرجراج لسورية الى منبر للدفاع عن الدور السوري في لبنان وللسعي الى ملء الفراغ الذي خلفه السوريون. ويبدو ان تظاهرة الثلثاء الفائت كانت مفصلاً للقناتين اللبنانيتين في انتقالهما الى موقعيهما الجديدين. قبل هذا التاريخ بقليل كان"المستقبل"متجاوباً مع اجواء ساعية الى تحييد حزب الله عن حملة المعارضة، لا بل اكثر من ذلك، خصصت المحطة حلقة تلفزيونية استمرت اكثر من ساعة وعرضت فيها محطات من علاقة الرئيس الراحل رفيق الحريري مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وتحدث فيها الصحافي مصطفى ناصر، الذي كان احدى قنوات الاتصال بين الفقيد والحزب، عن مودة وعمل دؤوب باشره الحريري بهدف حماية حزب الله. وقبل هذا التاريخ بقليل ايضاً دأبت"المنار"على بث مقاطع من خطب لنصرالله اشار فيها الى حجم الخسارة التي مني بها الحزب باغتيال الحريري. تظاهرة الثلثاء الماضي كانت العامل الحاسم في الافتراق بين المحطتين وما تمثلانه. فبالنسبة الى"المستقبل"شكلت التظاهرة الموالية مبادرة لنقل سياق ردود الفعل على الاغتيال الى اتجاه آخر، كما شكلت بالنسبة الى أهل بيروت، الذين يُعتبر تلفزيون"المستقبل"مُظّهِر صورتهم، انتهاكاً"مليونياً"لمدينتهم. اما تلفزيون"المنار"فاعتبر ان"نجاح"التظاهرة اعطى زخماً لدور سياسي اسند للحزب مع بدء الانسحاب السوري، فانتقل من الموقع الذي مثله نصرالله في مؤتمره الصحافي"الهادئ"قبل يوم من التظاهرة الى الموقع الذي مثله نصرالله ايضاً بعد خطاب التظاهرة الصاخب و"الساخر"من تظاهرات المعارضة. يمكن التقاط عشرات الاشارات التي اطلقتها شاشتا"المستقبل"و"المنار"في سياق تقابلهما على ضفتي المواجهة اللبنانية. من ذلك تقرير بثه"المستقبل"وفيه أحاديث مع مواطنين سوريين جاؤوا للمشاركة في تظاهرة الموالاة للقول بأن الحشد لم يكن لبنانياً فقط، ومقابلات اجرتها"المنار"مع بعض من صورهم المستقبل وقال انهم سوريون فأكدوا انهم لبنانيون. وفي مقابل شبه غياب ل"المنار"عن تظاهرات المعارضين وانكاره كثرتهم، راح"المستقبل"يبث مشاهد من خطاب نصرالله يطلب فيها معرفة الحقيقة في اغتيال الحريري، ناهيك عن ضيوف البرامج الذين يتم اختيارهم في المحطتين تبعاً لموقعهم في المواجهة. ليست صورة تباعد الشاشتين إلا مشهداً صغيراً من تباعد اوسع يشهده لبنان طبعاً. فمثلما هناك جمهوران وشعاران، هناك ايضاً شاشتان تتوليان نقل مشهدين وتتبارزان في ايصال الشعارات واحياناً تتولى اخفاءها."المستقبل"مثلاً لم يستغرق في بث صورة عدد من الشعارات المعارضة التي لا تخلو من عنصرية، وكذلك فعل"المنار"عندما ابعد مصوره الكاميرا عن شعار رفعه متظاهرو الموالاة يستخفون فيه ب"رجولة"شباب المعارضة فوفو لن يأتي لنا بالسيادة والاستقلال. لكن يبدو ان الشاشتين حولتا سياسيين لبنانيين الى شبه مشاركين في برامج العاب يتبارون فيها بالأعداد ويستدرجون المشاهدين الى انقسام حولهم مشابه لذلك الانقسام الذي احدثه برنامج"سوبر ستار"، مع فارق طفيف يتمثل في ان المشاركين في البرنامج الأخير اعدوا حناجرهم لإطرابنا، في حين اطل الساسة اللبنانيون من المنابر بأصوات راعدة ومتوعدة بأننا على ابواب حرب وشيكة اذا استمررنا على ذهولنا من الذي جرى.