أوبرا وينفري بنت قاع شيكاغو السمراء صنعت من حياتها قصة تستحق التوقف امامها طويلاً للتأمل والدرس والاعتبار. قهرت اوبرا المستحيل لتصنع الامل. بدايتها كانت في اسرة مفككة فقيرة، ولا ضير أن نذكر أنها تعرضت في طفولتها لبشاعة الاغتصاب لتهجر بيت الأم الى بيت الأب ثم تستكمل مشوارها مع التعليم ثم الى العمل مذيعة ثم مقدمة برامج حوارية وأخيراً صاحبة اكبر البرامج في التلفزيونات الاميركية واكثرها شيوعاً وانتشاراً وكثافة مشاهدة حول الكرة الأرضية. وقد يكون هذا طبيعياً يوافق فلسفة الحياة الاميركية التي تفتح الفرص امام كل من يستطيع ان يصنع لنفسه قصة نجاحه الخاصة به والتي يحكمها ويقودها كما يبدو خط انساني واضح يكاد يكون نقيضاً وعلى طول الخط لسيناريوات السياسة الاميركية في العالم. لم ير العالم من سيناريوات السياسة الاميركية إلا التدخل لفرض اوضاع يريدها صانعو القرار في البيت الابيض او البنتاغون الاميركي وبالقوة الاقتصادية او السياسية او العسكرية المدمرة، والشواهد امامنا في العالم كثيرة لا تحتاج الى فصاحة في السرد أو بلاغة في العرض فدخان المدافع الاميركية يملأ العيون وهدير جنازيرها يصم الآذان في كل مكان والنتيجة حتى الآن: صفر في حسابات الادارة الاميركية. لكن ماذا عن أوبرا وكيف يأتي برنامجها نقيضاً لكل هذا؟! الثابت والذي لا تخطئه عين أن أوبرا وينفري أصبحت تشبه التلميذ رائد الفصل او"الألفة"الذي توكل إليه ادارة الفصل ومساعدة المعلمين. هي هنا تساعد معلمي السياسة الاميركية على تصحيح اخطائهم وكأنها أمسكت ال"طبشورة"أو الممحاة لتزيل بها ما خطوه بأيديهم على سبورة حياتنا السوداء من أخطاء تدفع شعوب العالم ثمنها فتأتي اوبرا لتمسحها وتضع بدلاً منها تصويباتها، احياناً بالمساعدات العينية او المعنوية او المادية لكل ما يحتاجونها سواء كان ذلك شققاً للسكن او علاجاً في المستشفيات وهي لا تخجل من كشف المستور. في مجتمعها الاميركي مهما كانت بشاعة هذا المستور ولا تقتصر مساعداتها هذه على المجتمع الاميركي وحده بل تتجاوزه الى كل من يطلبها ويحتاجها خارج الولاياتالمتحدة، يؤكد ذلك مثلاً تبنيها الحقيقي والكامل لاربعين طفلاً افريقياً تقوم هي على تعليمهم وإعاشتهم وقضاء الأعياد معهم. أليست اميركا بحق بلد الغرائب والمتناقضات؟!