يعود رجل الدين المسيحي العراقي سهيل قاشا في كتابه الجديد"التوراة البابلية"الى نتائج توصلت اليها أبحاث ودراسات علمية تؤكد ان كثيراً مما ورد في العهد القديم من الكتاب المقدس"مقتبس ومنتحل"من آداب واساطير العراق القديم. لكن الاب قاشا لا يرى ان انتحال من يطلق عليهم كُتّاب قسم من التوراة كثيرا من نتاج بلاد الرافدين واقتباسهم منها يتضارب مع الايمان بأن التوراة مقدسة بل انه يؤكد كونها كذلك. واضاف ان الكلام عن اثر حضارة بلاد ما بين النهرين في التوراة ليس حديثا اذ انه بدأ في الثالث من كانون الاول ديسمبر 1872 على يد ج. سميث في محاضرة له امام جمعية الاثار التوراتية في لندن. وتراكمت بعد ذلك الابحاث والمكتشفات التي تدعم هذا الامر. كتاب قاشا الباحث والاديب هو الثلاثون منذ 1963 جاء في 440 صفحة من القطع الكبير وصدر عن دار"الفرات"للنشر في بيروت. وبالاضافة الى الابحاث التي اشتمل عليها الكتاب اورد نصوصا عراقية قديمة ادبية واسطورية واجرى مقارنات بين ما اعتبره الاصل وما ورد في التوراة مأخوذاً عن هذا الاصل. ومن ذلك مثلاً خلق السماء والارض، وملحمة الخلق"اينوما ايليش"، وجنة عدن، وألواح الخليقة، والطوفان، وقصة آدم وحواء، وقصة الطوفان، وحكمة احيقار واثرها في الكتاب المقدس، والاصول السومرية لنشيد الانشاد وغيرها. في رأي قاشا انه"ليس من المنطق والمعقول في شيء ان نعتبر أصول التوراة البشرية تشكل ذريعة ضد اولئك الذين يؤمنون بأنها كتاب مقدس. وانا في موقفي هذا لست أدحض فكرة ولا أنقض حقيقة وردت في"العهد القديم"انما العكس هو الصحيح، فغايتي هي اثبات النص والفكرة والتوافق بين ما ورد من نصوص العهد القديم والالواح العراقية القديمة، فكلاهما يحقق الآخر ويبرهن صحته مع اختلاف في الطرح، حيث الجوهر واحد والهدف واحد وان الله الواحد الاحد هو الخالق الاعظم ومدبر الكون بعناية". وفي نطاق حديثه عن"قصة الخلق"السومرية و"قصة الخليقة"البابلية مثلا وتطابقهما مع قصة"تكوين الأرض"، يقول ان ذلك دليل على أمر"ذي مغزى وهو ان موضوع"الخلق والاله الخالق"يتخطى التراث الكتابي"نسبة الى الكتاب الديني الى التراث الانساني على اختلاف فروعه الدينية وغير الدينية، انه موضوع يتعلق بمعنى الوجود الانساني وبالتالي فإن الخطاب الذي يحويه يتعدى ايضا دائرة دين العهد القديم الى الاديان الاخرى بل والى الثقافات غير الدينية. انه خطاب التأمل في الإنسان ومصيره". وبالنسبة اليه يشكل"محور قراءة الكتاب المقدس في هذا المنظار البحث عن آثار ثقافات الشرق القديم لاظهار دورها المهم في تكوينه أدبيا وفكريا على حد سواء. والمسألة ذات اهمية كبرى لفهم العهد القديم فهماً صحيحاً وسليماً". واستخلص انه في الكشف عن جوانب هذا"الانتحال"وما اضفي من طابع يهودي عليه يجعل من"التعريف بهذه الجوانب وترجمة نصوصها"أمراً"سيساعدنا بلا شك في التعرف إلى جذور النزعة الصهيونية العنصرية واستغلالها ومحاولة طمس تراث العراق القديم الروحي التاريخي ومصادرته، والحط من شأنه في محاولة لفرض الوصاية على العالم والبشرية جمعاء لتسفر عن وجهها في آخر الامر ملتمسة مسوغات لاحتلال فلسطين وبقية اقاليم المشرق العربي وطرد سكانها الاصليين من المسيحيين والمسلمين". وقال ان التوراة ليست كتابا دينيا فحسب بل هي تاريخ ايضاً. وهي"توراتان الاولى تضمنت الشريعة الموسوية ونزلت على النبي موسى في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ولا أثر لهذه التوراة في وقتنا الحاضر. اما التوراة الثانية فهي التي كتبها الحاخامون واحبار اليهود في بابل اي بعد عهد موسى بأكثر من سبعة قرون وهي التي تتداول ترجماتها اليوم". واضاف ان"العديد من العلماء توصلوا الى ان ما تضمنته اسفار العهد القديم من قصص واساطير وشرائع انما يرجع اصله الى مثيلات له في المدونات السومرية والبابلية والاشورية"واستشهد بقول ادوار كييرا ان اليهود اقتبسوا منها"ما هو جديد وحذفوا بلا هوادة كل ما لم يلاق استحسانهم". ويضيف ان كثيرا مما تحمله التوارة من"تاريخ"اي القصص المروية التي كتبها العبرانيون ليست بتاريخ فعلا. وينقل عن الكاتب الفرنسي جان لوي برنار قوله:"وتحس بكل تأكيد ان احبار اليهود قد اقتبسوا من تواريخ الاقطار التي جاسوا خلالها بعض الحكايات"فعبرنوا"كل المعلومات التي كان منها تلفيق لتاريخ العالم". وينقل كلاما عن ا. سيلفر وا. ل. ميليرتس منه انه حتى الوصايا العشر"التي يكاد يجمع العلماء على انها الشيء الوحيد المتبقي من التوراة الاصلية لم تكن بكاملها وعلى هيئتها الحالية كالتي جاء بها موسى".