لم يتخلف معرض"القراءة بالفرنسية والموسيقى"عن موعده السنوي في بيروت على رغم الظروف السياسية المتوترة، بل أنه على العكس من ذلك أعلن انحيازه إلى تيار 14 آذار مارس ورفع في دورته الرابعة عشرة شعار معرض الحرية، كما يرد في منشورات توزع في المعرض، ومنها مجلة خاصة صادرة عن صحيفة"لوموند"- الشرق الأوسط"وفيها مقال عن الزميل الراحل سمير قصير في الصفحة الأولى. لم يتخلف المعرض أيضاً عن تقاليده إذا صح التعبير، ثمة أسماء لبنانية قدمت إسهاماتها بالفرنسية حاضرة دائماً في المعرض ضيفة أو مكرمة، كصلاح ستيتية وناديا تويني وفينوس خوري غاتا والكسندر نجار... وهناك الديكور القديم باللون الأزرق الزاهي المسيطر على المكان الذي يتميز بأناقة خاصة في قاعة بيال، وسط بيروت، وفيما تحضر وسائط تنتمي حالياً إلى ما يمكن تمسيته بالثقافة الحية تحضر وسائط مختلفة من المالتيميديا، وهي تحتل عدداً كبيراً من الأجنحة. أما الزوار فهم ككل عام كثر وبينهم تلامذة المدارس الذين يفدون إليه في رحلات مدرسية. آداب وعلوم إنسانية وعلوم اجتماعية وشباب وقصص مصورة وسواها علاوة على المواضيع المطروحة في المعرض، ويبرز إلى جانبها وفي شكل خاص كل ما هو مرتبط بما يشغل العالم أي أفغانستانوالعراق. وفي هذا الإطار كان الصحافيان الفرنسيان كريستيان شينو وجورج مالبرونو من نجوم المعرض إذ جاءا إليه ليقدما كتابهما عن فترة احتجازهما رهينيتين في العراق. أبرز المستفيدين من المعرض كالعادة هم الكتاب اللبنانيوين الذين يعيشون في لبنان ويكتبون باللغة الفرنسية، فهذا المعرض يقدم لهم فرصة للتواصل مع جمهور يصعب تجميعه عادة. كل ما تقدم لا يعني أن"الفرنكوفونية"بألف خير في لبنان، بل إن الزائر المتجول بين الأجنحة يشعر بأن المعرض هو محاولة فرنسية لمواجهة الهيمنة الثقافية الأميركية، كأن تقول البعثة الفرنسية بأن لغتها لا تزال تحظى بمكانة في لبنان. لكن السياسة الفرنسية الداعمة لانتفاضة الاستقلال لم تنجح هذا العام بتغيير سلوكيات"الفرنكوفونيين"في المعرض، ليكون التخاطب بالفرنسية مجرد سلوك فوقي لا انتماء الى ثقافة واستيعاباً لمكوناتها. ويبدو محزناً جداً ذلك المشهد الذي تكرر في عدد من الندوات التي تعقد في"المقهى الأدبي"فنرى الكاتب ومحاوره يتحدثان فيما معظم الحاضرين يتلهون خصوصاً بفناجين القهوة التي يرتشفونها والسندويشات التي يلتهمونها وبأحاديثهم الخاصة. والمعرض الذي يستمر الى الأحد المقبل، هو فرصة للتعرف على ابداعات عدد من الكتاب الفرنسيين المبدعين الذين نتابع أخبارهم عادة من خلال صحف بلادهم والجوائز التي يفوزون بها. وإن لم يكن الكتاب الفرنسي بمتناول القارئ اللبناني دائماً لارتفاع سعره، إلا ان زيارة المعرض تشكل فرصة للتعرف على عدد من الإصدارات الجديدة، ما دامت فرنسا لا تعاني ما يعانيه العالم العربي من قلة الانتاجات المتميزة التي تلقى رواجاً. والمعرض أيضاً فرصة لمعايشة التقاليد الثقافية الرائجة في فرنسا والضامرة في لبنان ومنها الندوات الأدبية والحوارات مع الكتاب.