القرار الصائب يتطلب دقة وتركيزاً لأن الخطأ يكلّف الكثير، وغالباً ما ترغم التحديات القاسية المرء على اتخاذ قرارات جريئة بصرف النظر عن الجهد المبذول والوقت الذي ُصرف في الإعداد والتحضير، لأن"في السلامة غنيمة". تلك هي حال الشاب اللبناني مكسيم شعيا الذي اعتاد تحقيق انجازات لا تخلو من المخاطر والمجازفات، لأنها في نظره تحمل عبراً ومعاني كثيرة، وغالباً ما يسلك طريق الروية والسكينة مفضلاً ظرفاً أفضل وأحوالاً أنسب. ويمزج شعيا، الرياضي قلباً وقالباً وصاحب الألقاب المحلية والخارجية في الجري والتزلج على الثلج والدراجات، بين حيوية الشباب وحكمة الناضجين في مشروع مغامراته. وهي حملات تسلّق القمم العالية في مختلف أنحاء العالم، خطوة جبارة قلة هم العرب الذين خطوها، وهدفه ان يكون مع حلول الصيف المقبل، أول لبناني وعربي يبلغ قمة ايفرست 8850م في جبال هيمالايا الأعلى في العالم. ولا ينطلق شعيا من فراغ الحماسة، بل يستند الى خبرة عميقة، بعدما ارتقى عتبة 12 قمة حتى الآن... مواجهاً ظروفاً مناخية وجغرافية قاسية، متحاملاً على نفسه مستمداً من لياقته البدنية وإصراره وتصميمه عزيمة الصمود وحنكة التصدي. وعلى رغم ذلك، يبقى موضوعياً وواقعياً في نظرته، مقدماً الى الشباب المثال والنموذج لقوة الإرادة والبصيرة المتقدة، وما يقوم به في طريقه الى القمم التي تعانق السحاب يمكن تطبيقه في الحياة العادية اليومية"فوق، تشعر بأن المشكلات التي يواجهها الناس يومياً، ومهما كانت كبيرة، هي تافهة وصغيرة، فلكل شيء حل. علينا ألا نفقد الأمل بل ان نحدد المشكلة ونبحث عن الحل المناسب". "فوق"يحترم الإنسان الطبيعة وجبروتها ويصبح أكثر رزانة، كأنه يمارس التأمل التجاوزي، لأنه يتحدى ذاته ويتجاوز طاقته لكن لا يمكنه تجاوز الطبيعة وقوانينها. قهر شعيا صعوبات كثيرة، لكنه احترم الطبيعة عندما تتمرد"فغريبة تلك القمم الصعبة المسار كأنها تخشى الناس وتريد ان تنأى عنهم وتكون وحدها". في اطار حملاته التي بدأها عام 2003، قصد جبل"غاشربروم 1"في باكستان في تموز يوليو الماضي، لكنه أخفق في بلوغ قمته، وخرج بانطباع مفاده ان"في بعض السنوات، يفتح الجبل ذراعيه للجميع ويتيح للمتسلقين ان يبلغوا قمته. غير ان الوضع لم يكن هكذا هذه السنة، فقد أرسل لنا جبل غاشربروم العظيم، رسائل واضحة طالباً منّا أن ندعه وشأنه، ففهم معظمنا هذه الرسائل. وهكذا، بعض المصاعب الكثيرة التي كنا واجهناها وتخطيناها، وفي اللحظة التي كنا عازمين فيها على قطف ثمار جهودنا الدؤوبة، لزمنا الكثير من الحكمة والجرأة لنعود أدراجنا"... وبعض من حملته الحماسة الفائقة على المجازفة خاطر بحياته، وبينهم متسلق اسباني تزحلق في طريق النزول من القمة فتدحرج 600متر ومات، ودفن حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. الى هرم كارستنز أواخر الشهر الجاري، يشدّ شعيا الرحال الى اندونيسيا ليتصدى مع بعثة أميركية الى هرم كارستنز القمة الأعلى هناك 4484 متراً ارتفاع غير شاهق قياساً بالقمم الأخرى في العالم،"لكنها جد تقنية اذ تتميز الأمتار الپ600 الأخيرة فيها بانحدار حاد، وهي على شكل حرف صخري ويلزمها الكثير من أدوات التسلق". ويتابع شعيا حملاته بدعم من"مجموعة عودة سرادار"، وتبقى له قمتان من القمم السبع الأعلى في العالم، فبعد هرم كارستنز المقرر بلوغه في كانون الأول ديسمبر المقبل، في حال كانت الظروف المناخية ملائمة، إثر رحلة تستغرق ثلاثة أسابيع، سينهي الإعداد لحملة ايفرست، وسيقصد القمة من جهة التيبت في نيبال. حملة بدأ التحضير لها منذ نحو عامين"إذ علينا التحسب لكل شيء ولتفادي أي حوادث وعامل الطقس أساسي من دون شك، لئلا يتكرر ما حصل عام 1996 حين مات 16 شخصاً في يوم واحد بسبب الانهيارات الثلجية والعواصف". ويخطط شعيا لمباشرة حملة تسلقه ايفرست في حزيران يونيو المقبل، بعد تأقلمه في المكان لشهرين والتحضير اللوجستي المطلوب في المخيم الأساسي والمخيمات الأربعة الأخرى على ارتفاعات تدريجية... وحتى بلوغ القمة. سينطلق شعيا مع بعثة نيوزيلندية بقيادة روسل برايس تضم نحو 12 شخصاً بينهم فريق من"ناشيونال جيوغرافيك"مؤلف من طاقم مصورين وتقنيين يعدون حلقة لقناة"ديسكوفري تشانل"، أحد أفراده مصور نيوزيلندي متخصص يدعى مارك ويتو سبق له ان بلغ القمة، لكنه فقد أصابع قدميه نتيجة الجليد بعدما اضطر الى تمضية ليلة هناك وسط ظروف قاسية، مع رفيق له قضى هناك. ويوضح شعيا انه يقصد ايفرست بعد موسم"الموان سوون"أي الأمطار الغزيرة. اذ ان هناك فترتين مناسبتين لحملات التسلق في هذه المنطقة، تسبق الأمطار الموسمية بين تشرين الأول اكتوبر وتشرين الثاني نوفمبر او أواخر الربيع. يحصر شعيا تركيزه ليصبح الشخص ال90 في العالم الذي يبلغ قمة ايفرست منجزاً مشروع تسلق القمم السبع،"وبعدها لن يتوقف نشاطي اذ سأنطلق في مغامرات جديدة مفيدة، وهدفي تشجيع الشباب وقيادته في رحلات استكشاف لأن حبي للطبيعة والجبال كبير جداً. وفي تشرين الأول 2006 سأقود بعثة الى قمة كليمنجارو في تنزانيا". ويوضح ان لا احد يتحدى الطبيعة بل"أنا أتحدى نفسي في الطبيعة والأمر يتطلب تدريباً وصفاء ذهنياً، وبقدر ما أبذل من جهد أتفوق وأتقدم الى الأمام وهذا ما يجب تطبيقه كل يوم".