حذرت منظمة أهلية عراقية مما أسمته بظاهرة"الموت الموزع في العراق"والذي جعل أطفال العراق يترقبون الموت في حياتهم اليومية، وإن لم يتحقق ذلك فيعيشون مصابين باعتلالات نفسية واضطرابات سلوكية. صرخة مكتومة أطلقتها"منظمة رعاية وتأهيل أطفال العراق"أثناء انعقاد منتدى المجتمع المدني العربي للطفولة في القاهرة قبل أيام حاولت من خلالها تسليط الضوء على سلسلة متشابكة من المآسي يروح ضحيتها أطفال العراق يومياً، ولا يكاد يلتفت إليها أحد لا من قبل الحكومة العراقية المنشغلة بترسيخ دعائمها، ولا من قبل الجماعات المتناحرة الملهية في قضم قطعة من الكعكة العراقية، ولا من قبل القوات الأميركية المحتلة بالطبع. السيدة هند صلال آل شنين من المنظمة أكدت أن الشوارع في بغداد أصبحت هي البيوت التي تحتضن آلاف الأطفال المشردين، قائلة إنه رغم انتقال السلطة للعراقيين في حزيران يونيو عام 2004 إلا أن المشهد عموماً يرزح تحت وطأة غياب الردع القانوني والاجتماعي، فضلاً عن التدهور المستمر في الوضع المعيشي، فبات من المألوف رؤية الأطفال المشردين في شوارع المدن العراقية من دون أن تحرك الحكومة أو منظمات المجتمع المدني ساكناً. وتؤكد أبحاث المنظمة الميدانية أن أولئك الأطفال يتعرضون لمخاطر جمة مثل اضطرارهم العمل في مهن صعبة، واستغلالهم من قبل عصابات في عمليات الاحتيال والسلب، وتعرضهم للاغتصاب، وتحويلهم إلى رقيق أبيض. والكارثة هي أن الدعارة تأخذ حالياً شكل تجارة منظمة، بل إن لها أبعاداً إجرامية لاختطاف النساء والفتيات لإجبارهن على الانضمام إلى مجموعات الدعارة، لا سيما في الباب الشرقي وسط بغداد وفي منطقة البتاويين في بغداد أيضاً حيث تنشط عصابات بيع الصبية والفتيات بأسعار تتراوح بين 250 و500 ألف دينار عراقي. وتؤكد آل شنين أن ما يزيد على مئة طفل قد تعرضوا للاغتصاب في البتاويين فقط، أما من نجا من الاغتصاب من بين الآلاف المشردين، فإن الكثير يدمنون الكحول وينخرطون في أعمال إجرامية مثل السرقة والنصب والاحتيال والتسول، لا سيما في المناطق المحيطة بفنادق الدرجة الأولى في بغداد. ويعزو خبراء عراقيون في علم الاجتماع ظاهرة الأطفال المشردين إلى الظروف التي خلفتها القوات المتعددة الجنسية، وفصل الآلاف من الموظفين الذين اضطروا إلى إجبار أطفالهم على ترك الدراسة والعمل لمعاونتهم في توفير مستلزمات الحياة. ويكفي على حد قول هند صلال آل شنين أنه ومنذ تحرير العراق أصبح تنظيف الشوارع العراقية مهنة آلاف الأطفال والفتيات. من جهة أخرى، فإن الأطفال المحظوظين الذين استمروا في دراستهم والعيش في بيوتهم يتعرضون يومياً لحظر العمليات الانتحارية التي تفجر المدارس، كذلك لتبادل القصف بين هذه الجماعات والقوات المتعددة الجنسية. كما لوحظ ميول أطفال المدارس لاستخدام العنف تجاه بعضهم البعض لحل مشاكلهم، ألعابهم اصطبغت بالصبغة الدموية وتحولت لعبة"الاستغماية"أو الغميظان إلى تقمص أحد الأطفال دور انتحاري يركب دراجة مفخخة وعليه قتل أكبر عدد ممكن من الأطفال. وطالبت المنظمة الأهلية العراقية وسائل الإعلام بالحد من نشر الصور واللقطات المخيفة والمقززة لعمليات التفجير أو خطف الرهائن إذ يميل الأطفال إلى تقليدها، ويكفيهم ما يرونه من حرب دائرة في الشوارع العراقية.