تستأنف الحكومة المغربية إعداد مشروع موازنة، عام 2006، التي ستعرضها على البرلمان مطلع الخريف المقبل، وسط مخاوف من احتمال عودة التضخم إلى الاقتصاد المحلي تأثراً بارتفاع أسعار الطاقة في السوق الدولية، التي بلغت معدلات قياسية غير متوقعة تجاوزت 70 دولاراً. وكان رئيس الحكومة إدريس جطو، اخطر وزراءه قبل العطلة الصيفية، بضرورة تقليص النفقات في إعداد الموازنة الجديدة، واعتماد الحد الأدنى من النفقات، في محاولة لخفض عجز الموازنة الجديدة، التي ستعتمد على إيرادات تخصيص ما تبقى من حصص الدولة في شركة اتصالات المغرب. ويقدر عجز الموازنة المغربية ب 4.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خارج التخصيص وهو مرشح للارتفاع العام المقبل. ويتوقع ان تبلغ خسائر المغرب من ارتفاع أسعار الطاقة نحو بليوني دولار في نهاية عام 2005، يتقاسمها المستهلكون وصندوق المقاصة لدعم المواد الأساسية، الذي سيبلغ عجزه بنهاية العام الجاري نحو 900 مليون دولار، وهو اكبر عجز في حسابات الصندوق منذ سنوات. وكانت الحكومة أقدمت على رفع أسعار المحروقات ثلاث مرات في اقل من سنة، ما رفع سعر البنزين 20 في المئة، وفتح الباب أمام شركات النقل والشحن لزيادة أسعار التذاكر في محاولة لاسترداد الكلفة الزائدة. واستندت شركات صناعية وتجارية أخرى على قانون تحرير الأسعار لرفع أسعار الكثير من السلع والخدمات، ما جعل شهر آب أغسطس يسجل اكبر نسبة تضخم بفعل زيادة الحركة السياحية، وارتفاع الطلب على الاستهلاك مع وجود مليوني مهاجر جاؤوا لقضاء العطلة. ويتوقع الخبراء ان تتواصل معدلات التضخم في الارتفاع بحلول شهر رمضان، الذي يشهد في العادة زيادة الطلب على المواد الاستهلاكية. وقال محللون ان الشركات العاملة في المغرب امتصت أزمة الطاقة، عبر تحويل فارق الأسعار على حساب المستهلك، في وقت غابت الحكومة بسبب العطلة السنوية، وفضلت الصمت بانتظار الانتهاء من إعداد الموازنة المقبلة. شبح التضخم ويبدو التضخم اكبر تحد قد يواجه الاقتصاد المغربي في العام المقبل، وقد ينتج منه تراجع القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين، مع احتمال تفاقم أزمة بطالة الشباب، بسبب إغلاق باب التوظيف في القطاع العام. وقد ظل معدل التضخم محصوراً في نحو 2 في المئة طيلة العقد الجاري، ولم يتجاوز 3 في المئة في العامين الأخيرين، لكنه مرشح حالياً ليقفز إلى 4 وربما 5 في المئة، إذا واصلت أسعار الطاقة ارتفاعها إلى أكثر من 70 دولاراً للبرميل. وحددت الموازنة الجديدة سعر برميل النفط العام المقبل ب 50 دولاراً، على ان تتحمل الدولة بين 14 و20 دولاراً كحد أقصى، ولم تستبعد اللجوء إلى زيادات جديدة إذا تجاوز النفط حاجز ال 70 دولاراً. وكان تقرير للبنك الدولي، صدر الأسبوع الماضي، دق ناقوس الخطر من احتمال عودة الصعوبات المالية إلى الاقتصاد المغربي، كما حدث في الثمانينات من القرن الماضي، بسبب محدودية الإيرادات، وقرب الانتهاء من برنامج التخصيص، الذي شكل طوق النجاة لموازنات عدة على امتداد العقدين الأخيرين. وحذر البنك الدولي من صعوبات اجتماعية قد يشهدها المغرب، إذا لم يتم اعتماد إصلاحات سريعة في مجال خفض عجز الموازنة، وتحسين مستويات المعيشة لذوي الدخل المحدود. ويرتبط التضخم الكبير في العادة، بانزلاق الطبقات الاجتماعية وظهور فوارق كبيرة بين الأفراد والمناطق. وتراهن الحكومة على تقليص نفقات الأجور في القطاع العام، باعتماد برنامج الاستقالة الطوعية من الوظيفة، الذي رصدت له مبلغ 4.4 بليون درهم، ويطاول نحو 10 في المئة من العاملين. كما تراهن على بداية العمل في المشاريع الضخمة التي تنجزها في مجالات بناء الموانئ والمطارات والطرق البرية والسدود والمساكن الاجتماعية والبنى التحتية. وجدد الملك محمد السادس في خطاب 20 آب، التأكيد على أهمية إطلاق العمل ببرنامج"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، التي رصد لها مبلغ عشرة بلايين، درهم لتحسين مستويات معيشة سكان الأرياف، وسكان الأحياء المهمشة في ضواحي المدن، لتقليص الفوارق بين الأفراد والمناطق، وخفض معدلات الفقر إلى النصف بحلول عام 2014، عملاً ببرنامج الأممالمتحدة للألفية. الوضع الدولي ويرى الخبراء ان الاقتصاد المغربي يمر حالياً بفترة صعبة بسبب عوامل مناخية ودولية غير مساعدة، قد تشكل استثناءً في المنطقة العربية، التي حققت في معظمها نتائج جيدة بارتفاع إيرادات النفط والغاز. وتقدر مجموع خسائر الاقتصاد المغربي العام الجاري بنحو أربعة بلايين دولار نحو 8 في المئة من الناتج المحلي بسبب الجفاف الذي قلص الإنتاج الزراعي إلى الثلث، وبسبب ارتفاع أسعار الطاقة في السوق الدولية، وتراجع الطلب على بعض الصادرات المغربية في الأسواق الأوروبية نتيجة المزاحمة الصينية النسيج والملابس، وتدني النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، وزيادة معدلات التضخم في دول الاتحاد الاوروبي. ويراهن المغرب على تحصيل نحو عشرة بلايين دولار من عائدات السياحة وتحويلات المهاجرين والاستثمارات الأجنبية لدعم الميزان التجاري، وتجنب الاستدانة الخارجية. ويرى هؤلاء الخبراء، ان عودة موسم الأمطار في الخريف المقبل، قد يكون بداية الخلاص، بسبب اعتماد الاقتصاد والسكان القرويين على المطر، لأن الاقتصاد المحلي الذي يحصل 20 في المئة من الزراعة، لا يمكنه تحمل أزمة المياه والطاقة في وقت واحد، وعلى امتداد اكثر من عام.