ألقى وزير النفط والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي كلمة في اجتماع المائدة المستديرة لأكبر المنتجين والمستهلكين للطاقة في آسيا، تناولت العلاقة النفطية بين السعودية وآسيا شدد فيها على دور بلاده وعلى مكانتها كمصدر موثوق للإمدادات النفطية في المستقبل، وعلى ان العالم لن يجد من يستطيع ان يحل محلها في الاضطلاع بهذا الدور. وقال:"نحن مركز النفط الرئيسي للعالم، ونحن نتحمل دورنا هذا بكل جدية وحزم". وفي ما يأتي نص كلمة الوزير: أود في البداية ان أعرب عن عميق تقديري للحكومة الهندية وللسيد ماني شنكار أئيار وزير النفط والغاز الطبيعي على وجه الخصوص على تنظيم هذا المؤتمر الذي يأتي في توقيت مناسب ودعوتي للمشاركة فيه. كما أود ان أقدم تعازي الحكومة السعودية والشعب السعودي للحكومة الهندية والشعب الهندي والدول المتضررة الأخرى إثر الزلزال والفيضانات التي تعرضت لها. وفي اعتقادي ان من المهم والمفيد ان نلتقي في منتديات من هذا النوع وان نتواصل في الحوار الصريح والبناء. كما أعرب عن غاية الامتنان لوجودي هنا، ويسرني ان أعرض على جمعكم الكريم وجهة نظر المملكة العربية السعودية عن أسس العلاقة النفطية السعودية مع قارة آسيا. النمو نعرف جميعاً ان آسيا حالياً ومستقبلاً أعلى قارة من حيث النمو في الطلب على النفط وتنامت حصتها على مر السنين، ويتوقع لها ان تستمر في النمو في ظل الاحتياجات المتزايدة من الطاقة للتنمية الاقتصادية وتحقيق معدلات النمو المرتفعة في اجمالي الناتج القومي للدول الآسيوية، كما زادت تبعاً لذلك أهمية النفط بدرجة كبيرة. ونعلم ايضاً ان الكثير من انتاج النفط الحالي لدول الخليج، بما في ذلك انتاج المملكة العربية السعودية، يتم تصديره الى آسيا. ومن الواضح ان آسيا ستستمر في الاعتماد على واردات النفط من دول الخليج العربي، والاعتماد على بعضهما البعض يمثل علاقة على درجة كبيرة من الاهمية. وبدائل النفط الخليجي لم تجرب بعد، ما يجعلها أقل جدوى من الناحية الاقتصادية، اضافة الى اننا نعمل، كما تعلمون، في سوق دولية واحدة تمثل الأسعار فيها أهم عوامل المعادلة، بالإضافة الى ذلك فإن تنويع مصادر الامدادات لا يوفر الحماية من تقلبات الاسعار. ان منطقة الخليج العربي، والمملكة العربية السعودية خصوصاً، هي العامل الأهم في السوق النفطية الدولية. وعلاقة الاعتماد المتبادل بين آسيا ودول الخليج هي علاقة قوية وتحتاج الى جهود مستمرة لتحقيق نوع من التحالف الاستراتيجي والتكامل وتطوير المصالح المتبادلة في مجال البترول وغيره من المجالات الاقتصادية. وتدرك المملكة العربية السعودية ان النفط يشكل رابطة مشتركة تربطها بالدول الآسيوية المستوردة، كما تدرك أهمية هذه الرابطة لتحقيق النماء والرخاء الاقتصاديين لكلا الجانبين. وأود اليوم ان استعرض معكم الأسس التي تقوم عليها العلاقة النفطية بين المملكة وشركائها في آسيا، وهذه الأسس التي تتألف بوجه عام مما يأتي: 1 - الاعتدال تؤمن السعودية بضرورة الاحتفاظ بنهج متوازن بين التطرف واللامبالاة، وأبدت استعداداً دائماً للإصغاء والتفاوض وفق مبدأ لا شرر ولا إضرار عندما تتبنى سياسة نفطية معينة أو عندما تتفاوض في شأن المصالح المشتركة مع الآخرين، وستظل كذلك على الدوام. وتبنت السعودية عبر تاريخها دوراً مهماً في اقامة حوار مثمر بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط ما ساعد العالم على تفادي أزمات كبرى في مجال الطاقة، وساعد على إبقاء اسعار النفط عند مستويات مقبولة، ومن المهم ان يستمر هذا الحوار وألا يكون مقتصراً على أوقات الأزمات، كما ينبغي لهذا الحوار ان يتضمن مجموعة عريضة من القضايا الثنائية والدولية. ولدينا عدد من اللجان الاقتصادية والنفطية المشتركة التي تضم ممثلين من الدول المستهلكة والمنتجة، للعمل على توطيد العلاقات مع هذه الدول. وعلى الصعيد الدولي، تعمل المملكة على بناء علاقات أوثق بين جميع الأطراف في مجال النفط، بما في ذلك المنظمات الدولية ذات الصلة. ومن هنا، جاء اقتراح المملكة بانشاء أمانة عامة للمنتدى الدولي للطاقة للسعي لإقامة علاقات أفضل بين الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة. ونحن سعداء بأن الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولية تأسست وتشرفنا باستضافتها في الرياض، كما أننا على يقين من انها تسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق أهدافها والنهوض بمسؤولياتها، وستهيئ المناخ المناسب لاستمرار الحوار المعتدل والمثمر بين جميع الأطراف. وكان أساس هذه العلاقات وسيظل التفاهم والاحترام المتبادل لوجهة نظر كل طرف. ونحن نشكركم على مشاركتكم ودعمكم للأمانة العام ومنتدى الطاقة. 2 - أمن الامدادات كان التزام المملكة تجاه عملائها أحد أهم الأسس في سياستها النفطية. ونحن نتعامل مع ثلاث مناطق استهلاك رئيسية هي اميركا الشمالية وأوروبا وآسيا. ولتلبية احتياجات العالم من النفط أنتجت ما مقداره 9.5 مليون برميل يومياً خلال النصف الثاني من عام 2004، وباستطاعتها زيادة هذا الانتاج خلال فترة وجيزة عند الحاجة. وتعتبر آسيا سوقنا الأولى، ونحن نصدر اليها حالياً ما يزيد على 4.5 مليون برميل من النفط يومياً، أي نحو 60 في المئة من صادراتنا، وهذا يعادل 20 في المئة من الاستهلاك الآسيوي اليومي الحالي للنفط. ونحن نبدي التزاماً تاماً تجاه جميع عملائنا، خصوصاً في آسيا، وحسب الاحصاءات ما من دولة منتجة أخرى ذهبت الى ما ذهبت اليه المملكة في خدمة عملائها ومعالجة أوجه القصور في السوق. ان سجلنا حافل كمصدر موثوق ومسؤول لتوفير الطاقة، وأود ان اطمئن عملاءنا في آسيا الى ان المملكة قادرة وملتزمة تلبية الاحتياجات النفطية لشركائها الآسيويين، ونحن حريصون على الاحتفاظ بطاقة انتاجية فائضة تراوح بين 1.5 و2 مليون برميل يومياً لتلبية الزيادة في الطلب اذا دعت الحاجة الى ذلك. ونحن نتابع باهتمام نمو الطلب على النفط في آسيا حتى نستطيع توقع احتياجاتها المستقبلية وتلبيتها من دون تأخير، كما نراقب في الوقت نفسه نمو الطلب الدولي المستقبلي وتأرجح الإمدادات بهدف الاحتفاظ بالقدر المناسب من طاقة الانتاج الفائضة. المركز الرئيسي للنفط في العالم وحاول البعض في الآونة الأخيرة اثارة الشكوك في شأن قدرة المملكة على المحافظة على مكانتها كمصدر موثوق للإمدادات النفطية في المستقبل، وهي شكوك ثبت خطؤها وسيظل كذلك باعتراف عملاء نفط المملكة الذين أقروا بأنهم لن يجدوا من يستطيع ان يحل محلها في الاضطلاع بهذا الدور، فنحن مركز النفط الرئيسي للعالم، ونحن نتحمل دورنا هذا بكل جدية وحزم. وقد قطعت المملكة على نفسها عهداً بأن تكون أهلاً للثقة في أوقات الندرة والوفرة، ولن ندع فرصة لأي سوء فهم أن يهز هذه الثقة. 3 - استقرار السوق لقد سارعت المملكة دائماً الى الوفاء بالاحتياجات النفطية الدولية في الظروف الطبيعية والاستثنائية، وضمان بقاء الأسعار عند مستوى معقول وعلى كفاية الامدادات لتلبية الطلب في كل الأوقات. والمملكة تسعى الى تحقيق مثل هذا الاستقرار في السوق النفطية الدولية من خلال التعاون الوثيق مع الدول الاعضاء في"أوبك"والدول المنتجة الرئيسية الأخرى، حيث لا يمكن تحقيق الاستقرار في السوق من دون تعاون وثيق بين كل الدول المنتجة. ولهذا التعاون أثره الايجابي في المحافظة على استقرار السوق النفطية على مر السنين. وأدت المملكة العربية السعودية خصوصاً، ومنظمة"أوبك"عموماً دوراً مهماً في تفادي التأثير السلبي لمشاكل الطاقة التي شهدتها السنوات الأخيرة. كما برهنت المملكة على التزامها باستقرار السوق والإبقاء على الاسعار عند مستويات لا تضر بالتنمية العالمية، فهي تملك اكبر احتياطات نفطية وطاقة انتاجية في العالم ما جعلها مهيأة دائماً للمساعدة في تلبية احتياجات العالم من الطاقة. وزادت"أوبك"والمملكة خصوصاً، الانتاج في العامين الاخيرين وأدى ذلك الى استقرار الاسعار. 4 - الشراكة في مشاريع التكرير والتسويق تعتبر المملكة العربية السعودية اكبر منتج ومصدر للنفط الى أكبر قارة مستهلكة، ومن ثم فإننا نشعر ان علاقة الاعتماد المتبادل في المجال النفطي تحتاج الى نوع من الشراكة الاستراتيجية، بمعنى اننا في حاجة الى تعزيز علاقتنا النفطية وجعلها اكثر قدرة على الاستمرار من خلال زيادة الاعتماد على بعضنا البعض وتحقيق المزيد من الفوائد المتبادلة. وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، دخلت المملكة في مشاريع للاستثمار في قطاع التكرير والتسويق في العديد من الدول الآسيوية، بهدف ضمان استمرارية الامدادات النفطية الى هذه الدول مع ضمان استمرار الطلب على النفط السعودي. وأدت اعادة هيكلة الصناعة في بعض الدول الآسيوية الى توفير المزيد من الفرص الاستثمارية المشتركة في أعمال التكرير والتسويق، ومن بينها كوريا الجنوبية والفيليبين والصين واليابان. وتضمن هذه الشراكة امدادات موثوقة من النفط للوفاء باحتياجات مصافيها مع تحقيق فوائد أخرى. وعندما استثمرت المملكة، على سبيل المثال في شركة"اس أويل"للتكرير في كوريا الجنوبية قبل 14 عاماً، كانت طاقة الشركة تبلغ نحو 180 ألف برميل يومياً، بينما تصل الآن الى اكثر من 550 ألف برميل يومياً. وفي الفيليبين، يعمل المشروع المشترك بترون بشكل أفضل بسبب ما وفرته الاستثمارات السعودية من برامج جديدة، حيث تصل طاقة هذا المشروع الى 180 ألف برميل يومياً مقارنة بنحو 120 ألف برميل يومياً قبل سنوات قليلة. ووقعت"ارامكو السعودية"السنة الجارية اتفاقاً مع"سوميتومو كيمكل"اليابانية لتطوير وبناء مجمع كبير للتكرير والبتروكيماويات على الساحل الغربي للمملكة بقيمة تصل الى نحو 4.3 بليون دولار، وهو مجمع يتوقع له عند انجازه ان يكون واحداً من أكثر مجمعات التكرير والبتروكيماويات قدرة على المنافسة في العالم. بالإضافة الى ذلك، أصبحت"أرامكو السعودية"شريكاً في شركة"شوا شل سكيو"بشرائها نحو 15 في المئة من أسهم تلك الشركة، وبهذا تصبح"ارامكو"ثاني أكبر شريك في"شوا شل". وضمن هذه الصفقة ستمنح"ارامكو"شركة"شوا شل"معاملة تفضيلية في الحصول على امدادات الزيت الخام في أوقات الطوارئ. ونحن على يقين من ان هذه المشاركة ستؤدي الى تعزيز الوضع التنافسي ل"شوا شل"في السوق المحلية اليابانية كما ستزيد من طاقتها الانتاجية. يضاف الى ذلك ان"ارامكو السعودية"هي الآن شريك في مشروع جديد للتكرير والبتروكيماويات ببلايين الدولارات في مقاطعة فوجيان جنوب شرقي الصين، بحصة مقدارها 25 في المئة مع"سينوبك"و"اكسون موبيل". ونحن نتفاوض حالياً مع عدد كبير من الشركات المحلية في آسيا للاستثمار المشترك في قطاعي التكرير والتسويق بهدف زيادة حجم الشراكة والطاقة الانتاجية في الخارج تأميناً للطلب وضماناً لحصول شركائنا على امدادات بترولية موثوقة، وفي اطار سعينا لتقوية علاقاتنا الآسيوية، سنواصل البحث عن شركاء عبر القارة للاستثمار في مجال التكرير والتسويق. كما اننا نملك القدرة على امداد مشاريعنا المشتركة في كل انحاء القارة الآسيوية بالزيت الخام. وتنظر المملكة الى ان العلاقة النفطية التي تربطها بالدول الآسيوية الأخرى ليست علاقة بائع ومشتر، بل علاقة تبادل مفيدة بين الشركاء. وساعدت جغرافية المكان وحسن العلاقات وانعدام سوى الفهم السياسي بين دولنا على اقامة علاقات مصالح متبادلة ووثيقة، ونتوقع ان نشهد المزيد من المشاريع المشتركة مع آسيا خلال السنوات القليلة المقبلة. وبهذه المناسبة أود ان أشير الى ان الاقتصاد السعودي يعتبر اكبر قوة اقتصادية في غرب آسيا، وسادس اكبر اقتصاد في قارة آسيا، وهو يمثل خمس اجمالي الناتج المحلي في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ويتوقع له ان ينمو بما يزيد على 7 في المئة سنة 2004. وبالإضافة الى قطاعات الزيت والغاز والبتروكيماويات، فإن القطاعات الاقتصادية الاخرى في المملكة آخذة في النمو بصورة مطردة بفضل الاصلاحات الاقتصادية التي بدأتها المملكة قبل أعوام قليلة، واعيدت هيكلة عدد من الهيئات الحكومية وتم تأسيس المجلس الاقتصادي الأعلى عام 1999 للاسراع بعملية الاصلاح. وأدى ذلك الى تأسيس الهيئة العربية للاستثمارات وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة سوق المال، الى جانب اصدار عدد من الأنظمة الاقتصادية. ما أدى الى مزيد من الكفاءة والشفافية والحد من القيود البيروقراطية وتوفير المزيد من الفرص للاستثمارات المحلية والاجنبية. وشهدت المملكة زيادة كبيرة في ثقة المستثمرين، وهي ثقة نتوقع لها ان تدوم، حيث زادت الاستثمارات المباشرة الوطنية والدولية بسرعة في القطاعات الاقتصادية المختلفة للمملكة، ما يدعوني الى القطع بأن اقتصادنا بكل قطاعاته يسير على طريق الاصلاح. كما اننا عازمون على تحقيق أمثل استغلال لمواردنا، ونخطط لإقامة عدد من المشاريع الضخمة استناداً الى ما نتمتع به من ميزة نسبية في مجال الطاقة لاقامة عدد كبير من المشاريع في مجال البتروكيماويات والمعادن والكهرباء وتحلية المياه وغيرها. وأخيراً أود ان اختتم حديثي اليكم بإسداء الشكر الجزيل لشركائنا الآسيويين الذين لهم استثمارات مباشرة في المملكة، غير اننا نتطلع الى المزيد من هذه الشراكات، فالمشاريع التي ذكرتها مناسبة لإقامة مشاريع مشتركة مع شركات من بلدانكم، ونحن نتطلع الى التعاون معكم في مشاريع تعود بالخير على شعوبنا ودولنا. كما اننا نتطلع الى استمرار النقاش بين الدول الآسيوية الرئيسية عبر لقاءات مثل هذا.