تدخل شابة صغيرة السن الى استوديو تصوير شبه مهجور. تصعد الى سقيفة شبه خَرِبَة. اشياء المكان مبعثرة، سوى ما رَفعته ايد ذكية وحريصة على الارفف، منذ سنوات طويلة. عادت الشابة الى مسقط رأسها في اصفهان، بعد ايام قليلة من قبولها في كلية التصوير في جامعة طهران في العام 9891. لا يرافق الشابة باريسا داماندان، مؤلفة كتاب"صور بورتريه من اصفهان"، غير المصور الارمني العجوز فاهان. قبل 21 عاماً، التقط"فاهان"لها صورة، قبيل اتمامها سنتها الاولى. لم تنس داماندان تلك الصورة الاولى في حياتها، واعتبرتها اول دليل مادي على وجودها. تحفظ غيباً قصة تلك الصورة. فقد روت امها لها تكراراً الطريقة التي هُيّئت فيها الطفلة للتصوير، كي تظهر بوجه الحب والابتسام. صنع الحب الامومي قصة اول وقفة"بوز"للطفلة التي صارت شابة تجول في سقيفة مهجورة لذلك الاستوديو الارمني في مدينة اصفهان الايرانية. تحضرها ذكرى الصورة، فيما تسمع من فاهان ان اباه حدثه عن كنز مدفون تحت ارضية الاستوديو. في المقابل، تفكر داماندان ان الكنز ماثل امام عينيها. فعلى ارفف مهجورة، الى حد ان الحمام هجر اعشاشه فيها، تجد كنزاً لم تحلم به قبلاً: الصور السلبية لكل ما التقطته كاميرا فاهان، اضافة الى نسخ مماثلة موروثة من الاب. لا يتألف الكنز"السلبي"من لفائف افلام السيليويد، المستخدمة في الكاميرات العادية التي بين ايدينا. انه اكثر من ذلك بكثير. يتكوّن الكنز الارمني من صفائح زجاجية معتمة، يحيط كل منها اطار خشبي رفيع. فعلى تلك الشاكلة، صُنِع نيغاتيف الكاميرات الاولى، تلك التي كانت تقف منتصبة على ارجل ثلاثية من خشب ومعدن، ليُدخِل المُصَوّر رأسه في قماشة مثبتة في الجهة الخلفية من الكاميرا، فيما عدستها مصوبة الى ما يراد تصويره. استخدم المصورون في العالم كله الصفائح الزجاجية المعتمة، ولعقود طويلة، قبل ان يخرج ريتشارد مادوكس، في مطلع الثمانينات من القرن التاسع عشر، على العالم بلفائف من الجيلاتين المجفف والحساس الذي يتأثر بالضوء، بحيث يمكن ان تنطبع الصور عليه. صار نيغاتيف الكاميرا شرائط الجيلاتين، التي سرعان ما تحولت الى السيليويد، الذي نستخدمه راهناً. ولم يصل ابتكار مادوكس الى ايران واصفهان، وكذلك الى دول اخرى، الا بعد مضي العقد الاول من القرن العشرين. وشيئاً فشيئاً، تحوّلت قصة اول صورة للطفلة داماندان الى بحث عن تاريخ التصوير في اصفهان. توافق ذلك مع عملها الاكاديمي، فصار موضوعاً لتخصصها. لكن حدث التحول في ايران: تحولت البلاد من ترحيب بالصورة في زمن الشاه، الى اضطهادها في مطلع زمن ثورة الخميني، الى"التصالح"نسبياً معها خصوصاً في عهد الرئيس محمد خاتمي. تلاحظ داماندان التحول، حتى في صورها الخاصة، من زمن الطفولة السعيد، الى زمن الشادور، وصولاً الى الكتاب الراهن. كأنما الطفلة في الصورة، صارت ايضاً موضوع بحث، هي والصورة في آن معاً. والحال ان الكاتبة لا تلمس هذا التحول المُركب، للناس والصور، في مقدمة كتابها المُكوّن من 362 صفحة صقيلة ذات قطع كبير، والذي طُبع بالانكليزية في العام الحالي. ولكن قراءة هذا التحوّل تتأخر الى الفصل الثالث، الذي كتبه الايراني رضا شيخ. ويليه الفصل الختامي"الحياة اسيرة صفائح زجاج"للدانماركية جوزفين فان بينيكوم. يلفت داماندان ان الصور الاولى في اصفهان صور شخصية، اي"بورتريهات"بلغة الصور. وابتدأت بصور شخصية من البلاط الملكي الشهنشاهي، وحكام الاقاليم، بالنظر الى التكاليف المرتفعة للصورة. وفي مرحلة لاحقة، وخصوصاً منذ عشرينات القرن الماضي، شاعت الصور بين اوساط الناس. ظهر اول استوديو عام في طهران في 6881، بفضل رجل اسمه اقبال السلطنة: اول مصور محترف في ايران، ومصور بلاط نصر الدين شاه. اسس ذلك الاستوديو تلميذه عباس على بيج، الذي عمل بتوجيه مباشر من اقبال السلطنة. لعل تلك القصة تختصر مساراً مهماً. سارت الصورة في ما يشبه العملية الديموقراطية في بريطانيا،"تساقطت من الاعلى"، فانتقلت حقوق الأمراء وحكام المقاطعات ورؤساء المدن عبر وثيقة"الماغنا كارتا"، لتصل الى عامة الناس. ولعل ذلك يفسر تسمية شيخ للفصل الثالث"صعود المواطن الملكي". فالحال ان الممارسات الشهنشاهية في استخدام الصورة، انتقلت الى العامة. وكذلك لعب تأثر الشهنشاهية بالحداثة الاوروبية دوراً في نشر ثقافة الصورة، خصوصاً قرار اصدار هويات شخصية عليها صور شخصية. يقدم"البوم الصور"، صوراً لمجموعة من المصورين خلال الفترة الممتدة بين العقد الثاني من القرن العشرين، وختام خمسيناته. وتظهر اسماء المصورين المؤسسين، خصوصاً ثوني جوهانز، بأعماله التي تمزج بين الاهتمام بالنخب الاجتماعية والحياة العامة، وميرزا مهدي خان شهرينامة، المولع بالجسد: من صور الرياضيين الى صور النساء في مناسبات خاصة وحميمة. واخيراً، ميناس ماكيرتيش، المولع بصور تفاصيل الحياة اليومية: زواج وجندية وانجاب توائم ملتصقة ومدارس وساقطات واحتفالات عامة. ويبقى والد فاهان احد اهم مصادر الكاتبة وكتابها.