هل يمكن حصول تسونامي في البحر المتوسط شبه المقفل؟ الجواب هو نعم، وآخر موجة من هذا النوع سجلت في 12 أيار مايو 2003 حين ضرب زلزال عنيف منطقة بومرداس الجزائرية، وأنتج موجة تسونامي بلغ ارتفاعها نحو متر وصلت الى جزر البليار الاسبانية حيث سببت أضراراً بالغة في السفن والمرافئ. ولعل أقدم حدث كبير مسجل في المتوسط هو تسونامي سنة 1350 قبل الميلاد الذي نجم عن ثورة بركان جزيرة ثيرا شمال كريت. وقد أدت ذيول تلك الكارثة الى زوال الحضارة المينوية، وأوحت الى أفلاطون نظريته حول اختفاء أطلنطيس Atlantis أو القارة المفقودة غرب المتوسط. وبلغ أثرها التدميري شرق المتوسط أيضاً، حيث دمرت بيبلوس جبيل وأوغاريت رأس شمرا ومدناً ساحلية أخرى. وشهدت المنطقة لاحقاً هجمات تسونامي متعددة، أهمها عامي 410و525 قبل الميلاد وفي الأعوام 551 و603 و1404 1403 و1752 و1856 ميلادية. وبحسب سجلّ تأريخي وضعته الموثِّقة الفرنسية ماري فرانس بلاسار عام 1981، تعرض لبنان ل14 تسونامي خلال 2500 سنة. ما يحدث في المحيط الهندي يمكن أن يصل الى البحر الأحمر والبحر المتوسط، ولذلك فإن دولاً افريقية تأثرت من مفاعيل زلزال إندونيسيا،"التي كان من الممكن ان تستمر حتى تضرب الدول العربية في شمال أفريقيا، كمصر والجزائر وتونس والمغرب". كلام العالم الأميركي مارينز كنسي في أعقاب كارثة زلزال وتسونامي جنوب شرق آسيا، في 26 كانون الأول ديسمبر الماضي، لم يكن مستغرباً في أوساط الجيولوجيين العرب. فمنطقة"حلقة النار"التي انطلق منها الزلزال تتشارك في الطبقات الأرضية مع الكثير من الدول العربية في آسيا، خصوصاً عُمان واليمن. كما أن هذه الطبقة الأرضية ترتبط مع الكثير من الدول الأفريقية المطلة على ساحل البحر الأحمر، ومن بينها مصر والسعودية. لبنان، مثلاً، يقع على الحد الفاصل بين الصفيحة الآسيوية العربية والصفيحة الافريقية. فاذا وقف المرء على الفالق الزلزالي في جزين يمكنه، مجازياً، أن يضع رجلاً في آسيا ورجلاً في افريقيا. رئيس قسم الحد من الكوارث في منظمة الاونيسكو بدوي الرهبان قال ان على دول حوض المتوسط العمل معاً من أجل انشاء نظام انذار مبكر للوقاية من أخطار الزلازل المدمرة،"خصوصاً ان البحر المتوسط هو من المناطق المعرضة للزلازل التي لن تقتصر أضرارها في حال حدوثها على منطقة معينة بل ستطاول الجميع". علم الزلازل قائم على الاحتمالات المبنية على دراسات معقدة، لا يستطيع أي إنسان أن يجزم في شأنها من حيث التوقيت والشدة. فعلى رغم التقدم العلمي والتقني المذهل في مجال العمل على جيولوجيا الطبقات العميقة من الأرض واهتزازاتها، الا ان التنبؤ بزلزال ما في مكان ما قبل حدوثه بمدة تكفي لانقاذ الارواح، غير وارد راهناً. أمر واحد يمكن القيام به في مثل هذه الكوارث الطبيعية، هو نظام الانذار المبكر الذي يمكن ان يرصد الزلازل في قعر البحار ومدى قوتها، من أجل اشعار الدول المهددة بالخطر الآتي، للقيام بما يلزم من أجل اخلاء الاماكن المهددة بأمواج التسونامي. هذا النظام، المعتمد في المحيط الهادئ وتديره منظمة الاونيسكو منذ العام 1968، ساعد في انقاذ عشرات الآلاف من البشر في 26 دولة، علماً ان 85 في المئة من أمواج التسونامي تحصل في هذا المحيط. وقد أسفر مؤتمر تخفيف الكوارث الذي عقد في مدينة كوبي اليابانية في كانون الثاني يناير 2005 عن تعهد عالمي بإقامة نظام انذار مبكر في المحيط الهندي خلال 12 18 شهراً. وتطالب الاونيسكو باعتماد هذا النظام أيضاً في البحر المتوسط والبحر الكاريبي. نظام الانذار المبكر هو عبارة عن عدة محطات لرصد الزلازل في قعر المحيطات، اضافة الى"فواشات"عملاقة لقياس ارتفاع سطح البحر في صورة مستمرة وعلى مدار الساعة. وتجمع هذه المعلومات كلها في قناة واحدة ومنها الى الاقمار الاصطناعية ثم الى جميع الدول المحيطة بحوض نظام الانذار المبكر. الاحتمالات في لبنان يرى اسكندر سرسق، مدير المركز الوطني للجيوفيزياء في مركز بحنّس التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، أن الخطر الزلزالي في لبنان أشد من أن يكون معتدلاً، لأن لبنان يختلف جيولوجياً عن البلدان المجاورة بوجود نظام فوالق خاص به كان في أساس تشكل جباله التي ما تزال ترتفع بعد كل زلزال كبير. وبما أن المناطق الساحلية اللبنانية تعرضت لزلازل عديدة عبر التاريخ، يحذر سرسق من إمكانية حصول هزة كبيرة مماثلة يمكن أن تؤدي فجأة، وبسبب الكثافة السكانية في المناطق الساحلية وتمركز كافة الادارات والمؤسسات العامة والخاصة فيها، الى شلل تام وانعكاسات سلبية ومدمرة على كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في البلد". وعن إمكان حصول تسونامي، قال سرسق ان معظم الشاطئ اللبناني عالٍ عن سطح البحر، وإذا حصلت موجات عالية بفعل زلزال بحري فقليلة هي الأماكن المعرضة للخطر. والزلازل التي تحصل في البحر المتوسط قلما تسبب أمواجاً عملاقة كاسحة، لقصر مدى ارتحالها في هذا البحر المحدود. فأمواج كهذه تحصل غالباً في المحيطات، حيث تتعاظم مع طول المسافة المترامية. في لبنان حالياً شبكة رصد من ثلاث محطات، في بحنّس واهدن والزهراني، اضافة الى محطة رابعة جديدة مجهزة وعاملة ولكنها غير مربوطة بالشبكة بواسطة الراديو. ويقول اسكندر سرسق، ان المحطات القائمة ترصد نحو 500 هزة سنوياً في البر والبحر ضمن نطاق 300 كيلومتر شعاعاً من لبنان،"وثمة حاجة الى 9 محطات لاستكمال شبكة الرصد، ففي سورية مثلاً 27 محطة عاملة، وفي الاردن نحو 50، وفي قبرص 12، مع أن لبنان هو الأكثر تعرضاً للزلازل". بعد كارثة جنوب شرق آسيا، اطلعت اللجنة البرلمانية للأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه من المجلس الوطني للبحوث العلمية على حركات المد البحري التي رافقت بعض الزلازل في منطقة المتوسط عبر التاريخ، وتأثر بها لبنان. وأوصت الحكومة بإنشاء الهيئة اللبنانية لادارة الكوارث الطبيعية، واعتماد معايير مقاومة الزلازل في الأبنية وخصوصاً المنشآت الحكومية والمستشفيات والمدارس. كما طلبت اقامة محطة بحرية للانذار المبكر داخل المياه الاقليمية لرصد الزلازل واحتمال تولد المد البحري على عمق 1500 2000 متر قبالة الشاطئ اللبناني، تعطي معلومات قيمة للبنان وسورية وقبرص وتركيا ويمكن أن تكون جزءاً من الدعم الدولي أو الاوروبي. وأوصت اللجنة بانشاء صندوق تعاضد لضحايا الكوارث الطبيعية يمول جزئياً من عقود التأمين، وتزويد مرافئ بيروتوطرابلس وصور بأجهزة لقياس حركة الأمواج البحرية. ودعت الى اكمال المعلومات عن نشاط الفوالق والبراكين البحرية التي يتأثر بها الشاطئ اللبناني، ووضع آلية لتوعية الرأي العام لمواجهة الاخطار المحتملة. وقد نفذ المجلس الوطني للبحوث العلمية عام 2003 مسحاً لقاع البحر لوضع خريطة جيولوجية للفوالق الزلزالية الممتدة في عرض البحر قبالة السواحل اللبنانية. يؤكد اسكندر سرسق على ضرورة التحضر لمواجهة كوارث كالزلازل، معتبراً أن المساعدة في هذا المجال يجدر أن تأتي قبل حدوثها:"لنعرف احتمالات الخسائر، علينا إجراء دراسات جيوفيزيائية عن قشرة الأرض، والاستعداد المسبق والمنظم لادارة الكوارث، وإجراء دراسات اجتماعية لمعرفة كيف سيواجه الناس الحدث". ويلفت الى أن"المساعدات الدولية متاحة، ولكن البيروقراطية عندنا قاتلة وتحرمنا من الكثير المتاح". على سبيل المثال، عرض الفرنسيون أن يؤسسوا في لبنان مركزاً اوروبياً - متوسطياً لادارة الكوارث. لكن هذا المشروع، الذي كان يمكن من خلاله فتح باب واسع للتعاون العلمي مع اوروبا، لم يبصر النور. جدار بحري يحمي وسط بيروت فيما يزداد قلق سكان السواحل حول العالم من أن تضرب أمواج التسونامي القاتلة شواطئهم، يبدو أن سكان وسط بيروت في مأمن. فالواجهة البحرية الجديدة اشتملت على انشاء جدار دفاعي قادر على حماية الشاطئ في أوقات المد العالي والعواصف، يحول دون اجتياح الأمواج البحرية للشاطئ، بما فيها تلك العالية جداً حتى 9 أمتار والتي قدر حدوثها مرة كل نحو 100 سنة. استلزم المشروع إقامة خطين للحماية: الأول هو كاسر الموج المغمور بطول 1350 متراً وعرض 80 متراً عند الجهة الشرقية و140 متراً عند الجهة الغربية، بحيث يرفع قاع البحر من نحو 25 متراً الى 6 أمتار تحت سطح المياه. ويتكون من الرمل والصخور الضخمة، بالاضافة الى نحو 10 آلاف من القوالب الاسمنتية التي تزن الواحدة بين 20 و40 طناً. تتبدد طاقة الأمواج الكبيرة اذ تعبر هذا الكاسر قبل اصطدامها بخط الدفاع الثاني، وهو حائط متواصل يتكون من 80 حجرة خرسانية ضخمة صامدة للماء، يوازي ارتفاع كل منها بناء من أربع طبقات وتزن فارغة نحو 2000 طن. وعندما تدخل الأمواج الحجرات السفلى، يتم امتصاصها داخلها ومن ثم يعيدها الجدار الى البحر. واذا كانت الأمواج أعلى، تمتصها حجرات الطبقة العليا وتردها من حيث أتت. وقد صُبّت هذه الحجرات على اليابسة، ثم عومت الى مواقعها وأنزلت في البحر، حيث أغرقت وثبتت بضخ كمية مدروسة من الرمال فيها. وكانت الرمال جرفت من القاع للوصول الى الأرض الصلبة، ومن ثم وضعت الأساسات بسماكة 11 متراً بحيث تستطيع هذه الإنشاءات ليس فقط أن تصد الأمواج بل أيضاً أن تصمد ضد الزلازل. بعد تثبيت الحجرات في أماكنها، بدأ إنشاء البنى الفوقية التي تتضمن ممرات للتنزه: الأسفل بارتفاع 1.5 متر عن سطح مياه البحر، والأوسط بارتفاع 4.5 أمتار، والأعلى بارتفاع 5,5 أمتار. ويحمي كل ممر من جهة البحر حائط متراس يعلو نحو متر. ويقول أنغوس غيفن، مستشار التخطيط في شركة اعمار وسط بيروت سوليدير، ان المعايير التصميمية المفروضة ضمنت ألا يزيد ارتفاع الجدار البحري على 5,5 أمتار فوق المياه كي لا يحجب منظر البحر عن وسط المدينة. اضافة الى ذلك، تضمن المشروع إنشاء كاسر للموج بطول 450 متراً عند الجهة الغربية من الواجهة البحرية، بهدف استكمال المرفأ السياحي الغربي. الأمر المؤكد، بحسب مصممي المشروع، هو أن الناس سيتمتعون بجميع النشاطات المتوافرة في الواجهة البحرية لوسط بيروت حتى في أوقات العواصف... والتسونامي! بعد الخضّة العالمية التي هيّجها زلزال وتسونامي جنوب شرق آسيا، لا بد من العمل على اتخاذ تدابير فعلية للحد من أخطار الكوارث الطبيعية. ويجب أن يشمل ذلك، خصوصاً في لبنان، وضع وتطبيق خطة حازمة لاستخدام الأراضي، بما في ذلك منع البناء على السواحل الا وفق أنظمة مشددة، وازالة المخالفات، واعتماد معايير مقاومة الزلازل في الأبنية الجديدة وتأهيل الأبنية القائمة، وتعليم المواطنين طريقة التصرف في مواجهتها. هكذا يتحول الاهتمام من رد الفعل بعد الكارثة الى العمل قبل حدوثها. ينشر في وقت واحد مع مجلة"البيئة والتنمية"عدد شباط /فبراير 2005 زلزال 551 وتسونامي بيروت في كتابات مؤرخين قدماء في صيف سنة 551 الميلادية ضرب زلزال عنيف القسطنطينية وأجزاء أخرى من الامبراطورية البيزنطية. فدمر كثيراً من المدن تدميراً تاماً، ومنها بيروت بيريتوس آنذاك درة فينيقيا، التي تحولت كنوزها الأثرية ومعالمها الحضارية أكواماً من الانقاض سحقت تحتها ألوف السكان والوافدين. وكان بين هؤلاء طلاب قدموا من بلدان بعيدة للدراسة في مدرسة الحقوق الشهيرة، التي نقلت لاحقاً الى صيدا صيدون ريثما يعاد بناء المدينة المنكوبة. وقد نجمت عن الزلزال موجة بحرية كاسحة تسونامي أغرقت كثيرين في البحر وعلى الشاطئ. المؤرخ يوحنا مالالاس 490 570 كتب عن تلك الكارثة: "في اليوم السادس من شهر تموز يوليو حدث زلزال مروِّع في كل أرض فلسطين والعربية وبلاد ما بين النهرين وأنطاكية وفينيقيا البحرية. وفي هذا الرعب عانت المدن الآتية: صور وصيدون وبيريتوس وبيبلوس جبيل وتريبوليس طرابلس وأجزاء من مدن أخرى، وقضى أناس كثيرون. وفي مدينة بوتريس انهار جزء من جبل محاذٍ للبحر يدعى ليثوبروسوبون، وسقط في البحر، وكوّن ميناء باتت السفن الضخمة قادرة على الرسو فيه حيث رأس شكا حالياً. ووقت حدوث الزلزال تراجع البحر مسافة كبيرة، وغرقت سفن كثيرة. وبقدرة الله عاد البحر لاحقاً الى قاعه الأصلي". وكتب يوحنا الافسوسي 507 586: "عبرة للأجيال المقبلة، سنسرد عن كارثة رهيبة حدثت في مدينة بيريتوس أثناء الزلزال الذي دمر المدن. ففي خضّم الارتباك الرهيب، عندما ارتد البحر بقدرة الله وتراجع عن بيروت ومدن فينيقيا الساحلية الأخرى مسافة ميلين تقريباً، أصبحت الأعماق الرهيبة مرئية. وفجأة صار في الامكان مشاهدة مناظر مدهشة وسفن غارقة بحمولاتها. وبعض السفن التي كانت راسية في الموانئ استقرت على قاع البحر، وبقيت بقدرة الله منتصبة وجافة بعدما انحسرت المياه بعيداً. وسارع سكان المدن والبلدات الساحلية الى البحر في اندفاعة جسورة لينهبوا الكنوز الضخمة التي تراءت لهم في القاع. ورآهم آخرون يعودون مثقلي الأحمال، فسارعوا الى القاع كي لا تفوتهم الكنوز المحجوبة التي كشفها الزلزال فجأة. وكان الجميع يتراكضون هنا وهناك بارتباك. فجأة أتت موجة هائلة لم يلاحظها أحد أعادت البحر الى عمقه الأصلي، فالتهم في أعماق مياهه المدوّمة جميع أولئك البائسين. ومثل فرعون، نزلوا الى الأعماق وغرقوا كالحجارة، كما هو مكتوب، وطرح الله مياه البحر فوقهم، ووجدت أجسادهم طافية على الأمواج كالنفايات. وفي أنقاض المدينة المدمرة بالزلزال شب حريق عظيم رمَّد كل شيء. حتى الحجارة تحولت الى كلس. عندئذ أرسل الله المطر من السماء لمدة ثلاثة أيام بلياليها، فأخمد النيران التي أحرقت بيريتوس. ومن نجا من هجمة البحر وانهيار المدينة خرَّ جريحاً أو هالكاً من العطش، لأن قنوات المياه في المدينة دمرت". عندما زار أنطونيوس البلاسنتي من إقليم بياسينزا في شمال ايطاليا المنطقة المنكوبة سنة 570 في رحلة حج الى فلسطين، مر عبر طرابلس وجبيل وبيروت. ووصف خط رحلته على النحو الآتي: "دخلنا سورية عن طريق جزيرة انثارادوس ارواد، ومن ثم دخلنا الى تريبوليس التي دمرها الزلزال في زمن الامبراطور يوستينيانوس. ومن هناك أتينا الى بيبلوس التي دمرت أيضاً مع سكانها... ثم قدمنا الى بيريتوس الرائعة التي كانت فيها مدرسة الحقوق قبل زمن وجيز. الزلزال دمر المدينة، وأخبرنا رئيس أساقفتها أن ثلاثين ألف شخص معروفين ممن حددت أسماؤهم، في ما عدا الأجانب، هلكوا في وقت وجيز".