فجر عالم أميركي زوبعة مأساوية عندما كشف بأن أحد أشهر الأدوية الحديثة المستخدمة في علاج التهاب المفاصل الروماتيزم والآلام الحادة وتم تسويقه بحملات اعلانية مباشرة ومكثفة في أكثر من 80 بلدا ربما أزهق أرواح ما قد يصل الى 60 ألف نسمة وتسبب باصابة ما يقارب 150 ألف شخص بآفات قلبية خطيرة في الولاياتالمتحدة فقط قبل سحبه من الأسواق الأميركية والدولية نهاية أيلول سبتمبر الماضي. وتتعلق المأساة، التي بدأت أميركية وتوقع مراقبون أن تأخذ أبعادا دولية، بدواء يُعرف باسم"فيوكس Vioxx."وكانت شركة"ميرك آند كو انك"الأميركية الضخمة طرحت الدواء الذي يشتهر باسم"روفيكوكسيب"rofecoxib في الأسواق عام 1999 وأنفقت على ترويجه بسخاء بحيث بلغت قيمة مبيعاته السنوية 2.5 بليون دولار عام 2003 وكادت تتجاوز ثلاثة بلايين دولار العام الماضي لولا اعلان الشركة سحبه من الأسواق نهاية الفصل الثالث من العام متكبدة خسائر بقيمة 750 مليون دولار. ووصفت"ميرك"، التي تتخذ مقرها الرئيسي في نيوجرسي وتحتل مرتبة متقدمة في لائحة العشرة الكبار في صناعة الدواء الدولية قرارها بال"طوعي"وقال رئيس مجلس ادارتها رئيسها ومديرها التنفيذي ريموند غيلمارتن اننا"اتخذنا هذه الخطوة لاعتقادنا بأنها أفضل خدمة لمصالح المرضى". وأعلنت الشركة في بيان تفسيري أن دراسة اكلينيكية أجرتها لمعرفة أثر"فيوكس"في الوقاية من سرطان القولون كشفت بأن الدواء يسبب ارتفاع مخاطر الاصابة بأمراض القلب مثل الذبحة الصدرية والسكتة. ولم تشر الشركة في حينه الى ما تعنيه نتائج تجربتها بالنسبة الى الملايين من ضحايا التهاب المفاصل والآلام الحادة لكن كبير العلماء في"ادارة الأطعمة والدواء"، وهي المؤسسة الفيديرالية الوحيدة المعنية بمنح التراخيص التي تجيز طرح المنتجات الغذائية والمستحضرات الطبية للاستهلاك في الولاياتالمتحدة، دايفيد غراهام أكد في دراسة مثيرة بأن"فيوكس"تسبب باصابة ما يراوح بين 88 ألفاً و140 ألف شخص بآفات قلبية خطيرة في فترة تداوله في أميركا ويحتمل أن يكون أودى بحياة ما بين 39 ألف الى 61 ألف شخص. وأوضح غراهام، الذي نشرت المجلة الطبية"لانست"البريطانية دراسته في موقعها على الانترنت الاثنين الماضي وتحدث عن نتائجها في عدد من اللقاءات الصحافية، أن أبحاثاً احصائية أجراها مع مجموعة من الباحثين في كاليفورنيا وشملت درس التقارير الطبية لحوالى 1.4 مليون مريض كشفت بأن استخدام"فيوكس"رفع مخاطر الاصابة بالآفات القلبية بنسبة 34 في المئة بالمقارنة مع الأدوية التقليدية البديلة التي لاتحتاج لوصفة طبية. وظهرت نتائج متطابقة في دراسة أجراها باحث في جامعة كنيتيكت الأميركية. وكشفت هذه الدراسة التي نشرت في عدد الاثنين الماضي من المجلة الاسبوعية"أرشيف الطب الباطن"أن استخدام"فيوكس"تسبب في ارتفاع ضغط الدم عند واحد من كل ثلاثة من المتطوعين وحذرت في الوقت نفسه الى أن أدوية حديثة أخرى خصوصا الدواء المنافس"سلبريكس"الذي يقف خلفه أحدث عمالقة صناعة الدواء العالمية"فايتزر"يسبب أيضاً ارتفاع ضغط الدم الا أن نسبة مخاطرها تقل عن 15 في المئة ويمكن معالجتها باستخدام عقاقير مناسبة. لكن دراسة ثالثة أجراها باحث في جامعة شيكاغو ونشرت بالتزامن مع الدراستين الأخريين زعمت بأن ما يصل الى 70 في المئة من المرضى الذين تناولوا فيوكس أو سلبريكس بموجب وصفات طبية انما أجبروا على ذلك بفعل حملات اعلانية مكثفة استخدمت أكثر الوسائل التصاقاً بالمستهلك مثل الصحف والتلفاز وخلصت الى ان"التسويق لعب دورا بالغا في دفع الأطباء والمرضى لاستخدام هذه الأدوية بافراط". ولا تُعتبر شركات الأدوية من كبار المنفقين على الاعلان في الولاياتالمتحدة أقله حسب مؤسسة أبحاث الاعلان"تي ان اس ميديا انتلجينس"، الا أن"فايتزر"، التي تبلغ قيمة مبيعاتها السنوية 30 بليون دولار والمصنفة الأولى بين العشرة الكبار في صناعة الدواء العالمية، أنفقت نحو 90 مليون دولار على حملات الترويج لدوائها"سلبريكس"في السوق الأميركية فقط في الشهور التسعة الأولى من العام الماضي، وجارتها"ميرك"، المصنفة في المرتبة الثالثة بمبيعات تصل الى 22 بليون دولار، اذ بلغت كلفة حملات الترويج لدواء"فيوكس"في الفترة نفسها 72 مليون دولار. واتهم غراهام ادارة الأطعة والدواء بمحاولة منعه من نشر دراسته في محاولة لاخفاء مسؤوليتها عن اجازة"فيوكس"لكنه لم يستبعد أن يتم عرض النتائج التي توصل اليها اضافة الى الدراسات الأخرى في اجتماع ستعقده الادارة الشهر المقبل للبحث في سلامة مجموعة الأدوية الحديثة المستخدمة في معالجة التهابات المفاصل والآلام الحادة والتي تشترك في خاصية منع بعض أنواع الأنزيمات من الوصول الى أنسجة الغضاريف في المفاصل وتتميز بارتفاع أسعارها الى مايزيد على 10 أضعاف أسعار الأدوية التقليدية البديلة.