بدا قمر تيتان، اكبر أقمار كوكب زحل، برتقالي اللون بحسبما أظهرت أولى الصور التي التقطها المسبار"هويغنز". وتغطي السطح البرتقالي الباهت طبقة غبار رقيقة من الميثان، يعتقد أنها بحر من الميثان تتخلله جزر وخط ساحلي يغطيه الضباب. وعمل علماء الفضاء طوال ليل الجمعة - السبت لفحص صور جديدة من 350 صورة التقطها المسبار لدى دخوله في مجال قمر تيتان الجوي قبل أن يهبط بواسطة مظلة على سطح أبعد جرم سماوي في المجموعة الشمسية على مسافة 1.5 بليون كيلومتر عن الأرض. ويشتبه في أن خليط النيتروجين والميثان الذي يتكون منه الغلاف الجوي للقمر يتعرض لتفاعلات كيماوية تشبه التفاعلات التي شهدتها الأرض قبل بلايين السنين وأدت في النهاية إلى توفير ظروف الحياة على كوكبنا. وقال الفونسو دياز المدير الإداري للشؤون العلمية في ناسا إن"تيتان يشكل آلة زمن، وسيوفر لنا فرصة معرفة الظروف على كوكب الأرض في بداياته". رهان ناجح وهبط المسبار غير المأهول وسط الظلام والبرد اللذين يلفان أعماق الفضاء على سطح تيتان، وأرسل معلومات إلى المركبة الأميركية الأم"كاسيني"، التي بثت بدورها البيانات إلى أجهزة اتصال في وكالة أبحاث الفضاء الأميركية ناسا. وعلى رغم التعب الذي بدا ظاهراً على العلماء، عمت الفرحة مركز المراقبة عندما بدأت البيانات التي لا تقدر بثمن بالتدفق مرفقة بصور عن سطح تيتان الذي غلفه الضباب، ليصبح لدى العلماء والمحللين معلومات يتطلب تحليلها سنوات من العمل. ويشكل الإنجاز انتصاراً لبرنامج الفضاء الأوروبي، إذ يأتي نجاح التجربة بعد سبع سنوات من المحاولة. وراهن العلماء ومسؤولو الفضاء بثلاثة بلايين دولار على مشروع"كاسيني-هويغنز"، وأمضى بعضهم قسما طويلا من حياته في التخطيط لتلك المهمة وتنفيذها. وكان المسبار توجه إلى سطح تيتان حاملا حوالي ستة أجهزة مكنته من تصوير وقياس مناخ تيتان وغلافه الجوي الغني بالميثان أثناء هبوطه على سطح القمر والذي استغرق ساعتين ونصف ساعة. وصممت أجهزة الاستشعار في المسبار لتواصل العمل لمدة ثلاث دقائق بعد هبوطه على سطح القمر البالغ البرودة. إلا أن العلماء الذي غلبهم السرور قالوا إن الأجهزة ربما تواصل العمل لمدة نصف ساعة على الأقل بعد هبوط المسبار، مما يوفر أدلة مهمة عما إذا كان سطح تيتان مغطى بالصخور أو غاز الميثان المتجمد أو بحر من المواد الكيماوية. ردود فعل وأعلن مدير وكالة الفضاء الأوروبية دان-جاك دوردان أن المهمة تعتبر "نجاحا علميا. ونجاحا باهرا كذلك للتعاون الدولي". وقال جان-بيار ليبرتون رئيس مهمة"هويغنز"في وكالة الفضاء الأوروبية: "أنا متأكد من أن لدينا 30 دقيقة على الأقل من المعلومات العلمية عن سطح" تيتان. وجاء اختيار تيتان للمهمة الأوروبية - الأميركية المشتركة، لأنه القمر الوحيد في المجموعة الشمسية الذي يمتلك غلافا جويا اكثر كثافة من بقية الأقمار. وليلة الجمعة السبت دبت الحياة في الطابعات في درمشتات التي تدفقت منها حوالي 350 صورة أرسلها المسبار. وفور خروج الصور التي كانت باللونين الأبيض والأسود من الطابعات، تناولتها أيدي العلماء بشغف لتمعن فيها النظر بأعين نهمة وتبدأ بتحليلها. وعرض مارتي توماسكو اختصاصي الصور في جامعة أريزونا صورة أخذت عن بعد 16 كيلومترا من سطح القمر. وقال وهو يشير إلى ما بدا وكأنه قنوات تصريف وأودية وما بدا وكأنه خط على الساحل"هذه صورة لم تعبث بها يد ولكنها واضحة جدا". وقال ليبرتون بحماسة وهو يشير الى صورة اخرى:"في هذه الصورة توجد مادة لعدة دراسات علمية". وكان يخشى من مخاطر عدة اثناء عملية هبوط المسبار منها تحطمه أو حصول عطل كارثي عند دخول المسبار الذي يزن 319 كيلومترا إلى الغلاف الجوي لتيتان. وكانت مركبة كاسيني قد حملت هويغنز الى زحل وأقماره. وقطعت المركبة والمسبار في رحلتهما الملحمية التي استمرت سبع سنوات مسافة 3.5 بليون كيلومتر.