يستقبل اليمن سنة 2005 بترقب يمتزج فيه التفاؤل مع التشاؤم في آن واحد ازاء الأوضاع الإقتصادية، التي باتت تحتل المرتبة الأولى في الخطاب السياسي والحزبي. وفيما يبدو فإن السنة الجديدة ستكون مثقلة بالأعباء المرحَّلة إليها من سابقتها والتي كان في مقدمها تأجيل رفع الدعم عن المشتقات النفطية أكثر من مرة حتى نهاية السنة، وإعاقة الحكومة اليمنية عن تنفيذ أجندتها الإقتصادية سواء في إقناع البرلمان بضرورات الإصلاح السعري وفوائده على تحسين برامج التنمية ومحاربة التهريب، أو إخفاقها في تمرير بيع صفقة النفط الشهيرة والتي أبلى فيها مجلس النواب بلاء حسناً بالتضامن بين أعضائه حتى من المنتمين إلى حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم. تدخل حكومة عبدالقادر باجمال سنة جديدة غامضة زاد من ثقلها أنباء تراجع الإنتاج النفطي بمعدل 10 ملايين برميل وإشاعات تتحدث عن احتمال تعديل حكومي يذهب ضحيته بعض الوزراء أو رئيس الحكومة نفسه. رسمياً لا يبدو أن هناك مشكلة خطيرة أو وضعاً كارثياً، فالتصريحات الحكومية تؤكد أن الأمور تحت السيطرة وتسير وفقاً لخطط جيدة، وكان آخرها خلال المحادثات التي جرت مع بعثة صندوق النقد الدولي وأكدت تضامناً معنوياً مع الحكومة ومنحها فرصة لتطبيق المزيد من الإصلاحات الهيكلية والإدارية. ويستند التفاؤل الحكومي أيضاً على وقف التضخم عند 10 في المئة تقريباً ومحاصرة العجز في الموازنة عند حدود ثلاثة في المئة من اجمالي الناتج المحلي، غير أنها في نظر البعض مكاسب مالية موقتة على حساب تنشيط مناخ النمو وتحفيز فرص العمل وجذب الاستثمارات الخارجية. الحكومة اليمنية دافعت عن نفسها قبل أيام خلال مناقشة لجنة المال في البرلمان لمشروع الموازنة الجديدة، وقالت أنها قدمت مشاريع قوانين وتعديلات القوانين الضريبية والجمركية وعملت على تنمية موارد الثروة السمكية من خلال تعديل وتحديث شروط وضوابط اتفاقات الصيد الصناعي والتقليدي، واتخذت آلية لتحصيل الرسوم في هذا المجال. وفي ما يتعلق بمعالجة الجوانب المعيقة للاستثمار، أوضحت الحكومة أنها تقدمت ضمن حزمة الإصلاحات المالية والاقتصادية بحوافز من شأنها تشجيع المستثمرين بالدخول في مشاريع استثمارية نوعية، خصوصاً في مجال مشاريع البنى التحتية والمكملة، وهناك خطة قيد التنفيذ لإصلاح القضاء. وأكدت الحكومة أنها تتبنى خطوات جادة لإصلاح الإدارة ومكافحة الفساد، سواء من خلال إصدار دليل الخدمات الحكومية المقدم للقطاع الخاص وبناء نظام الرقابة الداخلية، وكذلك بناء نظام تقويم الأداء المؤسسي وهيكلة العديد من المجمعات الحكومية، أو من خلال تطبيق الاستراتيجية العامة للأجور وتنفيذ نظام البصمة والصورة وإلغاء الوظائف الوهمية والمزدوجة من كشوفات الرواتب وتحسين إجراءات التوظيف من خلال المفاضلة الآلية وتفعيل قانون التقاعد وتنشيط أعمال الرقابة والمتابعة والتقويم والمحاسبة في الوقت نفسه لمعالجة التشوهات الاقتصادية. واختتمت الحكومة اليمنية عام 2004 باجتماع لمجلس الوزراء تحدث عن إجراءات لتحفيز مناخات الإستثمار وبرامج للقطاعات الواعدة، وهي اجتماعات شبيهة باجتماعات شهدتها مطلع سنة 2004 تحدثت عن حزمة إصلاحات إقتصادية متكاملة تشمل إعادة هيكلة القطاعات المتعاملة مع الإستثمار وتخفيض الجمارك، لكنها لم تر الواقع بخلاف أن قانون الضريبة العامة على المبيعات تم تأجيله أكثر من مرة بسبب معارضة القطاع الخاص اليمني وتعاطف البرلمان معه، ثم أعيد أخيراً إلى الأضواء من خلال تقديم الحكومة مشروع قانون جديداً ليشكل خلال السنة الجديدة على ما يبدو مادة صحافية تترجم الصراع بين المصالح الإقتصادية ونجاح البرلمان في فرض أجندته على الجهاز التنفيذي. وتبدو التحديات التي تواجه اليمن ذات أبعاد إقليمية ودولية في الوقت نفسه، اذ من الخطأ تحميل كل المشاكل على الوضع الداخلي وحده، فالعلاقات الإقتصادية والتجارية مع مجلس التعاون الخليجي لا تزال جامدة عند حد الإنضمام إلى أربع مؤسسات غير أساسية في المجلس، كما لا يزال التطلع اليمني إلى انخراط العمالة اليمنية في دول الخليج واحداً من الآمال التي يمكن أن تنعش الوضع الاقتصادي من خلال التحويلات الخارجية للعمالة، فضلاً عن بعض المصاعب التي تواجه الصادرات الزراعية والسمكية إلى دول الخليج نتيجة قضايا الجودة والمواصفات، مع الاشارة الى أن سنة 2004 شهدت استقطاباً للإستثمارات الخليجية في قطاع الأسمنت والسياحة بوجه خاص كانت الأبرز في جذب الرأسمال الخارجي. الأمر الآخر هو أن المساعدات الدولية لليمن ليست في المستوى المأمول في وضعها الحالي، اذ تشير وثائق وزارة التخطيط والتعاون الدولي إلى أن اليمن من الدول الأقل حظاً في استقبال المساعدات التنموية الرسمية من الجهات المانحة، فمعدل نصيب الفرد من المساعدات التنموية الرسمية لا يتجاوز 11 دولاراً سنوياً، بينما في دول أخرى مشابهة يصل إلى 120 دولاراً. ومن المعروف أن المانحين تعهدوا في مؤتمر باريس في نهاية عام 2002 بتقديم 2.3 بليون دولار إلى اليمن، 80 في المئة منها قروضاً خلال الفترة من 2003 2005، إلا أنها لم تأت كلها فضلاً عن أنها غير كافية أمام طوفان التحديات التي تواجه البلاد على الأصعدة كافة. ووفقاً لوثائق الحكومة اليمنية فإن تحديد الأهداف المنشودة في الخطة الخمسية الثانية التي تنتهي سنة 2005، وكذلك استراتيجية التخفيف من الفقر التي تنتهي في السنة نفسها أيضاً، يواجه تحديات في شأن توافر الموارد المالية اللازمة لتمويل المشاريع، فالخطة الخمسية وضعت تقديرات لمساهمة القطاع الخاص بحدود 58 في المئة من إجمالي الاستثمارات المتوقعة والمقدرة بنحو 2449.9 بليون ريال الدولار يساوي 181.2 ريال يمني، بينما حددت استراتيجية التخفيف من الفقر إجمالي الاستثمارات المطلوبة بنحو 446 بليون ريال تشكل المساعدات منها 42 في المئة. ويتضح من تقرير أهداف التنمية الألفية أن تحقيق ذلك يتطلب موارد كبيرة تفوق قدرة الحكومة في تعبئة الموارد المالية، اذ يلاحظ أن حجم الفجوة حتى سنة 2015 تبلغ 29.9 بليون دولار. ومن جانب آخر فإن حجم الموارد المطلوب توفيرها سنوياً وتخصيصها للإستثمار في مجال تحقيق أهداف التنمية الألفية تصل إلى 3.124 بليون دولار وهو مبلغ يفوق إجمالي الموارد المخططة لتنفيذ استراتيجية التخفيف من الفقر لمدة ثلاث سنوات والبالغة 2.4 بليون دولار، مع العلم أن المتاح من الموارد المحلية لا يغطي سوى 30 في المئة من فاتورة قيمتها الإجمالية البالغة 82.3 بليون دولار والتي تساوي ثمانية أضعاف اجمالي الناتج المحلي الحالي لليمن. ويبدو أن تراجع التمويل الأجنبي ساهم بصورة سلبية في تراجع معدلات النمو المتحققة، اذ اشترطت الخطة الخمسية الثانية 2001 2005 تحقيق نمو حقيقي يصل إلى 5.6 في المئة وزيادة معدلات نمو القطاعات غير النفطية إلى ثمانية في المئة. أما استراتيجية التخفيف من الفقر فقد استهدفت تحقيق معدل نمو في الناتج المحلي نسبته 4.7 في المئة، فيما أشار تقرير أهداف التنمية الألفية إلى ضرورة تحقيق نمو حقيقي بحدود ثمانية في المئة لتخفيض نسبة السكان الذين يقل دخلهم عن دولار يومياً. وتشير البيانات الفعلية خلال الفترة من 2001 2003 إلى أن معدل نمو الناتج المحلي بلغ 4.23 في المئة في المتوسط، كما أن متوسط نمو القطاعات غير النفطية لم يتجاوز 4.4 في المئة، وهذا يقل عن المستهدف بنحو 3.6 نقطة مئوية. إضافة إلى ذلك فإن توقعات النمو للأعوام 2004 و2005 حسب وزارة التخطيط اليمنية تشير إلى تراجع معدلات النمو في الناتج المحلي الحقيقي إلى نحو 3.1 في المئة في المتوسط، واستمرار تحقيق معدلات سالبة في القطاع النفطي تصل إلى 6.74 في المئة سنة 2005، ومع التسليم بأن هناك إنجازات مهمة تحققت في اليمن في مجال الإصلاحات المالية والنقدية والتجارية وفي إعادة هيكلة الاقتصاد، كما تحقق تقدم ملموس في مجال البند المؤسسي والإصلاح الإداري وتعزيز دور السلطات القضائية وتحقيق الأمن والإستقرار حسب تقارير وزارة التخطيط اليمنية إلا أن التنمية في اليمن تواجه تحديات هيكلية بحاجة إلى تدخلات بعيدة المدى ومنها اختلالات تتطلب معالجات متوسطة وبعيدة المدى. وتقول الحكومة اليمنية أن من أبرز التحديات الهيكلية ارتفاع معدل النمو السكاني إلى 3.5 في المئة سنوياً يصاحبه تركيبة عمرية فتية 51 في المئة من السكان أقل من 15 سنة، إلى جانب شح الموارد المائية وخصوصاً في منطقة المرتفعات الوسطى والهضبة الصحراوية، وتزايد نمو عرض قوة العمل من مخرجات التعليم والفئات العمرية أكبر من 15 سنة غير الماهرة. أما التحديات متوسطة المدى فتتمثل، حسب الحكومة اليمنية، في ضعف النمو الاقتصادي وتوليد فرص عمل جديدة وتدني حجم الاستثمارات الوطنية والأجنبية وتراجع فرص العمل المتاحة لدى القطاعين العام والخاص وضعف البنية التحتية وخصوصاً في مجال الطاقة والطرق، وتباين توفير خدمات التعليم والصحة بين الذكور والإناث وبين الريف والحضر. وتركز إتجاهات العمل المستقبلية للحكومة اليمنية على تعميق الوعي بالمشكلة السكانية وتهيئة المناطق الساحلية لتصبح جاذبة ومستدامة والإستغلال المحلي للغاز، سواء في تهيئة مناطق السواحل بمشاريع تحلية المياه أو زيادة إنتاج الطاقة وتوسيع الصناعات ذات الصلة، وتعزيز مناخ الإستثمار ورفع وتيرة الإصلاحات الإدارية. وتشير أولويات التنمية لدى الحكومة اليمنية خلال الفترة المقبلة إلى تحسين مستويات الدخل، اذ تبلغ نسبة السكان الذين يقل دخلهم عن دولارين في اليوم 47 في المئة، وتوفير فرص التعليم الأساسي لجميع الأطفال، خصوصاً الفتيات في الريف، حيث أن مليوني طفل خارج نظام التعليم حالياً، فضلاً عن تحسين مستوى الصحة للأمهات والأطفال ومكافحة الأمراض المعدية، لأن معدل التغطية الصحية للسكان لا يتجاوز 50 في المئة، كما أن معدل وفيات الأطفال يبلغ 97 لكل ألف مولود، كما أن نسبة السكان الذين لا يحصلون على مياه مأمونة للشرب تصل إلى 64 في المئة. وتركز الحكومة اليمنية على توفير خدمات البنية التحتية للريف بهدف كسر العزلة التي يعيشها معظم السكان وتسهيل توفير الخدمات الإجتماعية الأساسية وربط المناطق النائية بالأسواق الحضرية، اذ يوجد أكثر من 113 ألف تجمع سكاني في البلاد، وتغطية الكهرباء في الريف لا تتجاوز 30 في المئة وتشكل الطرق الأسفلتية نحو تسعة في المئة من إجمالي الطرق ولا تتعدى كثافتها 11 كلم لكل ألف كلم مربع. ويقترح المخططون في اليمن التقليل من الاعتماد على العوائد النفطية للحد من آثار التقلبات السلبية في الأوضاع الإقتصادية وتعظيم مزايا القطاعات الواعدة وتعزيز الشراكة مع دول الجوار والجهات المانحة والإقتصادات المزدهرة لضمان تدفق رأس المال لتمويل الإستثمار العام والخاص للنهوض بالنشاط الاقتصادي.