يعد المشهد، عند النظر من مرفأ هونغ كونغ على ناطحات السحاب المتلالئة والقمم الشاهقة في مدينة هونغ كونغ، من أكثر المشاهد الحضرية اثارة للإعجاب في العالم ... هذا عندما تستطيع أن تراه، فالميناء الذي اتخذت هونغ كونغ اسمها منه يكون مغطى عادة بالضباب والدخان الاسود. وسجل تلوث الهواء في هونغ كونغ أعلى معدلاته في 14 أيلول سبتمبر الجاري، اذ ارتفع المؤشر الى اكثر من 200 نقطة للمرة الاولى منذ بدأت مراقبة نوعية الهواء عام 1995. ونصح الاطباء مرضى الربو ومرضى القلب التزام منازلهم. وقال اليكسيس لاو القائم بأعمال مدير مركز الابحاث الساحلية والجوية والاستاذ في جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا:"لا أرى أي سبب يدعو الى تحسنها. هذه الظاهرة تنذر بخطر". ويلقي الخبراء باللائمة في تلوث الهواء المتفاقم في هونغ كونغ على الصين التي تقول منظمة الصحة العالمية ان بها سبعة من اكثر المدن تلوثاً في العالم ويبلغ اجمالي عددها عشر مدن. وينجم معظم التلوث الذي يغطي هونغ كونغ عن مصانع الطاقة التي تعمل بالفحم والمداخن الموجودة في جنوبالصين الصناعي، فضلاً عن أدخنة وسائل المواصلات التي تنبعث من شوارع المدينة المزدحمة. وتواجه الصين نقصاً مزمناً في الطاقة، والتحول من المصانع التي تعمل بالفحم الى استخدام وقود أنظف يعتبر مكلفاً وصعباً. وللصيف الثاني على التوالي، تعرضت المصانع لانقطاع جزئي أو كامل للتيار الكهربائي. وطلب من السكان اغلاق مكيفات الهواء التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء على رغم حرارة الجو الخانقة. ويفاقم تضاعف ملكية السيارات الخاصة في اقليم غوانغدونغ المجاور من المشكلة. وزاد عدد الايام من السنة التي تنخفض فيها الرؤية الى أقل من ثمانية كيلومترات من نحو 50 يوماً عام 1993 الى اكثر من 160 يوماً العام الماضي. ووفقاً للبيانات التي وفرها لاو فقد حدثت زيادة مماثلة في كل من شينشين وماكاو المجاورتين. وكان التلوث هذا الاسبوع في أسوأ حالاته قرب مطار هونغ كونغ حيث كانت الطائرات تقلع وتهبط وسط غيمة تميل الى اللون البرتقالي. وفي أحد أيام شهر آب أغسطس الماضي انخفضت الرؤية في مرفأ هونغ كونغ الى 550 متراً وأسهم الضباب والدخان الاسود في وقوع حوادث تصادم في المياه بين ثماني سفن. وقال لاو انه من المتوقع أن تتفاقم المشكلة في الشتاء حين تجرف الرياح الشمالية ثاني اكسيد الكبريت والتكسينات الاخرى التي تقذفها مداخن الصين نحو هونغ كونغ. ولكن لا يشعر جميع سكان هونغ كونغ بالقلق من تدهور نوعية الهواء. وقال وونغ واي مينغ، وهو عامل توصيل الطلبات للمنازل الذي يقضي من أربع الى خمس ساعات خارج منزله يومياً:"أعتقد أن التلوث كما هو عليه تقريباً. لا أستطيع القول انني أفكر فيه كثيراً". واتخذت هونغ كونغ العديد من الخطوات لخفض التلوث على مدار الأعوام العشرة الماضية ومن بينها تحويل سيارات الاجرة الى استخدام الغاز الطبيعي المسال. وتؤخذ قراءات معدل تلوث الهواء كل ساعة وهي من الفقرات الرئيسية في النشرات الجوية. وقال ريموند ليونغ مسؤول حماية البيئة:"شهدنا تحسناً ملحوظاً فيما يخص التلوث على الطرق ولكن يبدو أن التلوث الاقليمي في تدهور". ويقول نشطاء ان قادة المدينة المؤيدين للمؤسسات التجارية لا يبذلون الجهد الكافي. ويضيفون أن على الحكومة أن تبذل المزيد من الجهد في شأن وسائل النقل المعطلة واستخدام نظام تسعير الكتروني للطرق لتخفيف الزحام. وقال ادوين لاو المدير المساعد في جماعة أصدقاء الارض: "سمعت كثيراً من الناس يقولون انهم سيبحثون في مغادرة هونغ كونغ بسبب التلوث الشديد". وأضاف:"السياحة جزء هائل من اقتصادنا واذا أثنى التلوث السائحين عن الزيارة فستكون هذه خسارة كبيرة". وتراجعت شركة"سي ال بي"للامداد بالكهرباء، التي خفضت انبعاثات الملوثات الخاصة بها في التسعينات العام الماضي، عن هذا التقدم الذي أحرزته، اذ أحرقت فحماً اكثر مما أحرقته عام 2000 بنسبة 50 في المئة وخفضت استخدامها للغاز الطبيعي وهو الوقود الانظف. فقد بولغ في تقدير الاحتياطات الموجودة في حقل الغاز الطبيعي في بحر الصينالجنوبي الذي كانت تعتمد عليه الشركة، ما اضطرها الى احراق مزيد من الفحم للوفاء بالطلب المتزايد في هونغ كونغوالصين. لكن الشركة قالت انها ستحافظ على مزيج متوازن للوقود من الفحم والغاز والوقود النووي على المدى البعيد. ومن بين المشاكل الاخرى التي تواجه مكافحة الضباب والدخان الاسود القضية الشائكة وهي قضية التعاون مع الصين، اذ تختلف الاولويات في المستعمرة البريطانية السابقة حيث تزايدت مخاوف الجماهير في شأن البيئة في الاعوام الاخيرة عن الاولويات على الجانب الاخر من الحدود. ويدرك قادة الصين الثمن البيئي للنمو الاقتصادي الشديد السرعة، غير أن أولويتهم الاولى هي تأمين اقتصاد قوي للمساعدة في توفير وظائف نظراً الى وفرة الايدي العاملة في الصين. وحددت هونغ كونغ وحكومة جوانغدونغ الاقليمية هدفاً لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت في دلتا نهر بيرل بنسبة 40 في المئة بحلول سنة 2010 لخفض تلوث الهواء اقليمياً. وقال ليونغ:"انه تحد كبير بسبب النمو الاقتصادي فهناك طلب اكثر كثيراً على الكهرباء نتيجة النمو الاقتصادي في المنطقة".