من الخطأ والسذاجة الاعتقاد بأن الارهابي الانتحاري يضحي بنفسه حباً بوطنه ودينه. ان الحب الحقيقي الصادق لا يدفع الى الموت ابداً، بل يدفع الى التمسك بالحياة. ان اليأس والحقد على الذات وعلى المجتمع هو الذي يدفع بالتضحية بالنفس وهجر الدنيا. ان فاقد الشيء لا يمكن ان يمنحه للآخرين... وان اليائس والانتحاري فاقد للحب وفاقد للحياة وناقم على ذاته وعلى اهله وعلى مجتمعه، فكيف يمكنه ان يمنح الحب والأمل والحياة لدينه ولشعبه ولوطنه؟! منذ اكثر من عام وبدء الاحتلال الاميركي، تهيمن على العراق حال خراب منظم اشاعها المحتلون، من اجل القضاء، ليس على النظام الديكتاتوري السابق، بل على الدولة العراقية ومعها العراق بأكمله ثقافة وتاريخاً وبنية مادية ومعنوية. وقد اطلق المحتلون شياطين الدمار في الوطن من خلال اتخاذهم خطوات خبيثة مدروسة ومقصودة، مثل الغاء الجيش والشرطة والقضاء على كوادر الدولة باسم اجتثاث البعث وترك الحدود مفتوحة لمن هب ودب وتشجيع ميليشيات لفرض سياسة التطهير العرقي في شمال الوطن. ومن المثير للحزن والاسف ان تشترك في هذه اللعبة الجهنمية اطراف عراقية ذات نوايا وطنية ودينية ساذجة تطلق على نفسها تسمية مقاومة تعتقد ان القتل والتفجير والخطف وتخريب الممتلكات العامة، سيجبر المحتلين على مغادرة الوطن! وهي لطيشها لا تدرك بأنها تقدم اكبر خدمة يحلم بها المحتلون وأجهزة الموساد الاسرائيلي بالقضاء على ما تبقى من حياة ومدنية في ارض النهرين. ان ظاهرة الخراب المتفشية في الوطن تجعلنا نشخص الامور التالية: 1 - أن الجزء الاعظم من العمليات الارهابية، مدفوع في صورة مباشرة وغير مباشرة من المحتلين وأجهزة الموساد، الذين يؤمنون بان تدمير العراق وإرجاعه الى الصفر مادياً وثقافياً سيساعدهم على اعادة بنائه من جديد بكل حرية وحسب قياساتهم الخاصة. بل ان قادة اميركا برروا علناً وفي مناسبات عدة تشجيع حال الدمار هذه بحجة جنونية مفادها : "تحويل العراق الى ساحة مفتوحة لجذب الارهابيين الاسلاميين في العالم ثم حصارهم وصيدهم"! لهذا ان معظم المسميات الارهابية مثل بن لادن والزرقاوي وغيرها، هي اسماء مصطنعة تتواطأ عن قصد بفبركتها والتطبيل لها فضائيات عرب - أميركانية بحجة محاربة الاستعمار ودعم المقاومة، بينما في الحقيقة هي منظمات ممعظمها وهمي ومصطنع أميركياً واسرائيلياً ليستخدم كطعم لصيد المغامرين والمقاتلين الاسلاميين. ثم ان هذا الارهاب بالنتيجة يمنح المحتلين المبررات الكافية امام العالم بأن جيشهم ضروري للبقاء في العراق وان مهمته حضارية للقضاء على الارهاب واطفاء حرائقه، ولتأكيد صحة ادعائهم بأن انسحاب جيوشهم سيؤدي الى تقسيم العراق! 2 - هناك اطراف متنافسة من داخل الحكومة نفسها تستفيد من العمليات الارهابية. إذ تقوم بتصفية حساباتها وتعديل موازين قواها من خلال العنف والتفجير والاغتيال وتخريب الوضع على الأطراف المنافسة الأخرى، مثل جماعات الجلبي وعلاوي والبرزاني والطالباني وقوات بدر، وغيرها. 3 - ان الدليل المنطقي والبسيط والساطع على ضلوع الاميركان وقادة الحكومة المقتة في عمليات الارهاب هو التالي: انهم حتى الآن لم يقدموا لنا متهماً واحداً، ولم تجر محاكمة علنية لأي من الشبكات التي يدعون القاء القبض عليها. نعم... على رغم هذه الآلاف المؤلفة من الضحايا واطنان المتفجرات وأشرطة الفيديو ومهرجانات الوعيد والذبح الاعلامية، لم يظهروا لنا حتى الآن حتى ارهابياً واحداً، وكأن من يقوم بكل هذا الدمار ارواح شريرة قادمة من اكوان غير مرئية!؟ 4 - من الواضح ان سياسة الاحتلال والحكومة الموقتة مرسومة في صورة شيطانية لكي تدفع المعارضين الى الحل الوحيد المتروك امامهم، العنف الارهابي. ويلاحظ ان في الأشهر الأولى بعد الاحتلال كانت هنالك مساحة من الحرية تسمح بالتظاهرات السلمية والاحتجاجات المدنية. لكن بعد ذلك فجأة برزت مخالب وأنياب المحلتين واتباعهم حيث صاروا يواجهون أي نشاط احتجاجي سلمي بالرصاص والقتل والابادة الوحشية التي لم تختلف ابداً عن اساليب النظام الديكتاتوري البائد. وهذه السياسة البوليسة الوحشية لا بد ان تكون مقصودة ومدروسة من قبل الاميركان لكي تبرر للارهابيين ان يقنعوا الاطراف السلمية بعدم جدوى الكفاح الشعبي السلمي! 5- ثمة أطراف اقليمية عديدة لها كل المصلحة في إبقاء العراق خرباً مريضاً ضعيفاً. هذا هو الواقع العراقي المؤلم ، معظم الدول التي تحيط بالعراق، بقدرما ترتبط به تاريخياً، مشاعرياً وثقافياً ودينياً، بقدر ما تريد ضعفه وخرابه. نعم فهنالك كما يقال من الحب ما قتل! وعلى النخب العراقية في المستقبل ان تخطط لسياسية أخوية ذكية تعكس هذا المثل تماماً، ليكون: من الحب ما يمنح الامل والحياة. 6 - إضافة الى تلك الاسباب التاريخية والستراتيجية والسياسية التي تدفع الكثير من الاطراف الداخلية والخارجية لتشجيع الارهاب والخراب في الوطن، فإن هنالك على الاخص فائدة مهمة وحاسمة يجنيها جميع الحاقدين على العراق: هذا العنف والارهاب يبقي على حال الخوف والانطواء لدى الغالبية الساحقة من العراقيين. فبعد الانكسار والرعب والذل الذي زرعه نظام صدام، أتت العمليات الارهابية وسيادة لغة السلاح لكي تعمق هذه الحال السلبية الخنوعة في نفوس الناس وتجعلهم يعيشون في حال انتظار وألم مكتوم وهم يشاهدون يومياً أبناءهم يقتلون وبيوتهم تتفجر ومدنهم يسودها الخراب. ان التأثير الجبار لعمليات العنف والارهاب، ليس تخريب الحياة وحدها، بل الأشنع هو تخريب النفوس وقتل الأمل وشل امكانات العمل والانتاج. ليس صدفة أبداً، ان يتم التركيز على اغتيال الكوادر العراقية والعلماء، وليس صدفة ان توضع الموانع لعودة المنفيين الى الوطن والابقاء على غلق المطارات، وليس صدفة ابداً ان اكثر من تسعين في المئة من العراقيين يحلمون الآن في شيء واحد: هجر البلاد هرباً من الموت والرعب!؟ في ظل هذه الوضعية العراقية المعقدة المتشابكة مثل غابة وحشية حتى اشجارها مفترسة، يحاول بعض الاطراف ان يميز نفسه عن باقي الوحوش الكاسرة التي تصول وتجول في الوطن، من خلال اطلاقه على نفسه تسمية "مقاومة"! وفي الحقيقة ان هذه المقاومة لا تختلف أبداً عن باقي الاطراف التي تريد خراب الوطن ، وهي أبداً لا تستحق هذه التسمية، للأسباب الآتية: - ان تسمية المقاومة تستخدم كغطاء لكل مغامر وطائش وحاقد على نفسه وعلى اهله وعلى وطنه لكي يعبر عن يأسه الذاتي ورغباته الانتحارية، من خلال القيام بعمليات رعونية طائشة تقتل العراقيين والاجانب الابرياء بأضعاف واضعاف مما يقتل من المحتلين، على غرار ما يحدث في فلسطين وفي الشيشان. عمليات ارهابية اجرامية وحشية ليست لها أي علاقة بالشجاعة ولا بالبطولة ولا بالضمير ولا الإسلام. في اوروبا نفسها هنالك آلاف الاشخاص ينتحرون سنوياً، بعضهم بالسم او بالرصاص او بتسلق الجبال او الغرق، بل ان بعضهم من يصدم بسيارته اناساً أبرياء قبل موته او يقتل اهله ومعارفه ثم ينتحر. لكن الانتحاري في اووربا يموت من دون اية تغطية إعلامية بطولية كاذبة. اما الانتحاري في اوطاننا فإنه بكل سذاجة ودجل يعمل على تغطية طيشه ويأسه وحقده على ذاته وعلى الآخرين بمسميات بطولية دينية ووطنية لا يقبل بها، لا الله ولا الضمير ولا العقل. والأتعس من هذا ان يساهم الكثير من المثقفين والسياسيين ومعهم الفضائيات العرب - أميركية في فبركة هذه الصورة البطولية القومية الاسلامية الزائفة. - ان تسمية المقاومة تستخدم ايضاً كغطاء للكثير من عمليات المساومة والمتاجرة والمنافسة بين الاطراف الداخلية والخارجية. اذا كانت المعارضة العراقية السابقة نشأت في احضان أميركا وبريطانيا واسرائيل، فإن ما يسمى بالمقاومة العراقية الحالية ينشأ ويتوالد في احضان من هب ودب من جميع انحاء العالم. كل دولة لها مصلحة ما في العراق راحت تبحث عن شخصيات عراقية تدفع لهم المبالغ والرواتب لكي يكونوا منظمة ما، حتى من عضو واحد، ثم يصدروا بياناً ما، و"يفقسوا" بعض التصريحات الطنانة لبعض الصحف والفضائيات، ثم يجندوا بعض الشباب المساكين لكي يضعوا قنبلة هنا او يخطفواعاملاً هندياً او مصرياً هناك، ليساوموا حكومته او اهله على اطلاقه! بل هنالك شركات عالمية تدفع ل"مقاومين" ليفجروا انابيب النفط لترتفع اسعاره العالمية! بل هنالك شركات تدفع للمقاومة لكي تخطف عمال شركة منافسة! بل هنالك دول مشتركة في قوات التحالف تدفع الاتاوات للمقاومة لكي يتم تجنيب جنودها عمليات ارهابية! الأتعس من كل هذا، هنالك اطراف في المقاومة تقبض الاموال وتنسق مع شبكات اسلامية عربية وعالمية تابعة خفية للموساد الاسرائيلي، لكي تقوم بعمليات ارهابية تشوه صورة الاسلام والمسلمين في العالم! امام هذا العنف والخراب والزيف المهيمن، ما علينا الا ان نوجه نداءنا: - الى ذوي الضمائر الحية في الاطراف العراقية في الحكومة الحالية، ان يقدموا لنا المتهمين الحقيقيين عن هذه العمليات الارهابية. نريد محاكم علنية وكشفاً اعلامياً ومراقبة قانونية دولية. ان صمتكم وبقاءكم في السلطة مهما كانت مبرراته الاخلاقية والسياسية يعني عملياً تعاونكم مع الممسكين بمشروع الخراب القائم في وطننا. - الى ذوي الضمائر الحية من النخب الثقافية والدينية والسياسية في العالمين العربي والاسلامي. اعلنوا رفضكم تبرير هذا العنف وهذا الزيف وهذه اللعبة الجهنمية التي تعمل على تدمير أوطاننا إضافة الى تشويه سمعتنا والقضاء على أي امل لدى الناس وجعلهم يخجلون ويستنكفون حتى من دينهم، حيث نجحت شبكات الموساد ان تجعل كلمة الإسلام رديفة للعنف والدم والقسوة الوحشية. - الى ذوي الضمائر الحية من النخب العراقية الدينية والثقافية والسياسية.. الى كل الوطنيين والاسلاميين الشرفاء من الواهمين بأن العنف والمقاومة المسلحة لا يضر غير المحتل. الى كل متعلم وكادح يريد ان تبقى الحياة في وطننا ويبعد عنه آفات الطاعون العصري، الارهاب والعنف والخراب. لنصرخ جميعا بصوت واحد وبقلب واحد: لا للغة السلاح والدمار. لا لكل شعارات العنف والخراب مهما ادعت الدين والوطنية. نعم للكلمة الحية الصادقة. نعم لرد الاعتبار للانسان العراقي الذي غيبته الديكتاتورية والآن تغيبه لغة السلاح. نعم للكفاح الشعبي السلمي والعصيان المدني والتظاهرات المليونية التي تطالب بكرامة العراقي وامنه وحريته. * كاتب عراقي.