ليست هي المرة الاولى التي تغرق فيها شاشات العرب بالعنف الآتي من الخبر التلفزيوني. وقبل الخبر العراقي، كان الخبر الفلسطيني واللبناني وغيرهما كثير. ولا يقتصر العنف على الحدث الحربي. فالحال ان علماء النفس رصدوا، ومنذ خمسينات القرن العشرين، الكم المذهل من العنف الذي تحمله مسلسلات التلفزيون وافلام السينما وحتى الرسوم المتحركة. ومنذ الستينات يميل الرأي بين الاختصاصيين، وخصوصاً بعد الدراسات المؤثرة التي قامت بها الاميركية باوندورا، الى التحذير من ان مداومة الاطفال والمراهقين على مشاهدة مناظر العنف في التلفزيون يولد ميلاً قوياً الى العنف، يظهر في مناحي حياتهم وعلاقاتهم وما الى ذلك. وفي السنوات القليلة الماضية، دخلت الالعاب الالكترونية على الخط. وظهرت دراسات تحذر من اثرها المضر على التوازن النفسي للطفل والمراهق. والان هنالك شيء ما جديد. وربما كان اشد خطراً من كل ما سبقه. ففي دراسة نفسية - اجتماعية مهمة، توصل بحاثة في جامعة ميتشيغن الى استنتاج مفاده الأطفال الذين يظهرون تأثراً بمشاهد العنف في صغرهم، يصبحون اكثر عنفاً في الطفولة، كما في سني الشباب والنضوج. وهذه اول دراسة من نوعها في الاهتمام بالاثار النفسية البعيدة المدى لمشاهد العنف على شاشات التلفزيون. وبحسب هذه الدراسة التي نشرت اخيراً في "مجلة علم نفس النمو" journal of developmental psychology، فان كلا الجنسين يتساويان في الاستجابة الى اثر العنف المشاهد على الشاشات. وخلصت الدراسة، التي قادها رويل هاسمان وفريقه في جامعة ميتشيغن، الى ان أثر العنف الذي يولده التلفزيون لدى طفل عمره بين 6 الى 9 اعوام، قد يستمر بعد بلوغه سن العشرين واحياناً بعد الثلاثين. وشملت الدراسة 329 شخصاً سبق ان شملتهم الدراسات النفسية - الاجتماعية التي قادتها الجامعة عينها، في السبعينات من القرن الماضي، اي عندما كان هؤلاء في سني الطفولة. ولاحظ الفريق ان هؤلاء الاطفال عينهم بقوا على سلوكهم العنيف حتى بعد تجاوزهم منتصف العشرينات. ورجح الاختصاصيون ان الامر يؤشر الى ان العنف صار جزءاً من تركيبهم النفسي، وجزءاً من السلوك الشخصي، ما يرشحه لمرافقة هؤلاء لسنوات طويلة مقبلة. ترى ما الاثر النفسي لهذا العنف الذي يكر بلا انقطاع على دول العرب، وعلى شاشاتهم؟