كثرت تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون حول ضرورة جذب مزيد من يهود العالم الى اسرائيل والاراضي العربية المحتلة. وانصب الاهتمام الاسرائىلي على محاولة جذب يهود فرنسا والهند والارجنتين، الا ان العوامل الدافعة لليهود، والجاذبة في اتجاه اسرائيل والأراضي المحتلة، تراجعت في شكل ملحوظ في السنوات الاخيرة. فقد واجهت اسرائيل، بعد انطلاقة الانتفاضة في عام 2000، أزمة هجرة حقيقية، ويكمن ذلك في تراجع عوامل الجذب المحلية، مع انعدام الأمن بفعل استمرار أعمال الانتفاضة والمقاومة، وتراجع في معدلات النمو الاقتصادي والرفاه الاقتصادي والاجتماعي، الامر الذي دفع الحكومة الاسرائىلية الحالية الى البحث عن عوامل دفع جديدة ليهود فرنسا، وغيرها من الدول، في اتجاه الاراضي العربية المحتلة. فمنذ عقد المؤتمر الصهيوني الاول، في مدينة بال السويسرية في آب اغسطس 1897، بدأت الخطوات العملية لاجتذاب مهاجرين يهود من دول العالم الى فلسطين. واستغلت الحركة الصهيونية تحالفاتها والظروف الدولية من اجل ذلك، واستطاعت جذب نحو 650 الف مهاجر. وعملت الحكومات الاسرائىلية المتعاقبة جاهدة لاجتذاب مهاجرين جدد من يهود العالم، فاستطاعت جذب نحو ثلاثة ملايين يهودي في 1948-2003، بيد انه هاجر من فلسطين نحو 20 في المئة منهم، نتيجة عدم قدرتهم على التلاؤم في ظروف مختلفة عن بلد المنشأ في اوروبا، وتعتبر سنوات 1948-1960، 1990-1999، من الأوقات الذهبية لجذب مهاجرين يهود. فساهمت الهجرة من هذه السنوات بنحو 65 في المئة من إجمالي الزيادة اليهودية، ووصل مجموع اليهود الى نحو 4،5 مليون عام 2004. ومع انتفاضة الأقصى، وتزعزع الأمن الاسرائىلي، برزت أسئلة كثيرة حول مستقبل الهجرة اليهودية. ويلعب الاستقرار الأمني عاملاً مهماً في جذب اليهود. وأكد رئيس الوكالة اليهودية، سالي مريدور، ان أرقام الهجرة في اتجاه الدولة العبرية ستتراجع من نحو 70 ألف مهاجر في عام 2000 الى 43 ألفاً في عام 2001، ثم الى 30 ألفاً في عام 2002. ولم يتعد الرقم خمسة عشر الفاً حتى نهاية عام 2003 اي بواقع 1250 مهاجراً شهرياً. ومن المتوقع تراجع ارقام الهجرة في نهاية عام 2004، في وقت تزداد الهجرة المعاكسة. ويشار الى ان الحكومات الاسرائىلية استطاعت جذب اكثر من مليون يهودي من دول الاتحاد السوفياتي السابق 1990-2004. وتبعاً لازمة الهجرة اليهودية، بفعل تراجع العوامل الجاذبة، ستسعى الحكومة الاسرائىلية بالتعاون والتنسيق مع الوكالة اليهودية، في تمويل حملة كبيرة ومنظمة لجذب نحو 80 ألفاً من جنوب افريقيا، ونحو 200 ألف من الأرجنتين، وعدة آلاف من يهود الفلاشا في اثيوبيا، فضلاً عن محاولات اجتذاب يهود فرنساوالولاياتالمتحدة الاميركية. لكن هذه المخططات ستتأثر الى حد كبير بالعوامل الامنية وانعكاساتها الاقتصادية. وبلغ عدد المسجلين على فرصة الهجرة الى الولاياتالمتحدة، في عام 2003، عشرة اضعاف ما كان عليه في عام 2000. وبات كثير من الاشخاص، في الشرائح الاجتماعية العليا في اسرائيل، يفكرون بالسفر والرحيل الى الولاياتالمتحدة واوروبا. وهذه المعطيات التي تؤكد حقيقة تراجع ارقام الهجرة واحتمالات ارتفاع وتيرة الهجرة منها، نتيجة عدم الاستقرار الأمني، ونتيجة استمرار الانتفاضة والمقاومة ضد الجيش الاسرائىلي. وسيؤثر في المدى المنظور على حجم الزيادة اليهودية في فلسطين. فالحلم الصهيوني والاسرائىلي بجذب غالبية يهود العالم لن يتحقق خلال العقود المقبلة. ومن خلال قراءة سريعة للتقارير الدولية، خصوصاً تقرير برنامج الاممالمتحدة الانمائي، يمكن القول ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة في الولاياتالمتحدة الاميركية وفرنسا، وغيرها من الدول الأوروبية، هي عوامل اكثر جاذبية لليهود من عوامل الجذب الاسرائىلية. وتبعاً لذلك فإن اكثر من خمسين في المئة من يهود العالم، وهم مواطنون في الولاياتالمتحدةوفرنسا والدول الأوروبية وكندا، غير مستعدين للهجرة. يبقى القول انه، مع استمرار الانتفاضة والمقاومة، ستزداد ارقام الهجرة المعاكسة، فضلاً عن تقويض الهجرة اليهودية من دول العالم. دمشق - نبيل محمود السهلي باحث في مكتب الاحصاء الفلسطيني