يبدو أن الحكومة الجديدة تتجه الى التعاطي بأسلوب مختلف مع القطاع الخاص. واعلن رئيس الوزراء الجديد احمد نظيف، على عكس سابقيه، عن لقاء مع رؤساء منظمات الأعمال للاشتراك في بلورة استراتيجية النهوض بالاقتصاد الذي "يئن من مشاكل عدة وصلت ذروتها عام 2003 وحتى الآن". والتقى نظيف الثلثاء الماضي رئيس اتحاد الغرف التجارية خالد ابو اسماعيل تمهيداً للقاء رؤساء المنظمات الاخرى الاسبوع الجاري والمقبل. وقال ابو اسماعيل ل"الحياة" ان "القطاع الخاص يراهن على نجاح الحكومة الجديدة" معتبراً أن هذا النجاح سيعطي دفعة الى الأمام محذراً في الوقت نفسه من اخفاقها في تنفيذ المهام الموكلة اليها "لأن ذلك سيعود بالجميع الى الوراء سنوات طويلة والاخفاق مشطوب حالياً من قاموس التعاون بين القطاع الخاص والحكومة لأن الوقت والمناخ لا يسمحان بذلك وبالتالي ليس أمامنا إلا النجاح". هناك جدل في شأن قدرة رئيس الوزراء الجديد أحمد نظيف على حل المشاكل الاقتصادية القائمة كونه خبيراً تكنولوجيا وبعيد نسبياً عن تلك المشاكل، ما مدى صحة ذلك؟ - اتفق معك على أن السيد نظيف خبير تكنولوجي مميز لكنه في الوقت نفسه تاجر من الدرجة الأولى، فهو "أكثر من باع واشترى وروّج للمنتج المصري" ما خفض عجز الموازنة المصرية، في فترة تولّيه وزارة الاتصالات والمعلومات. وكان مرتبطًا مع اتحاد الغرف التجارية بشكل غير عادي إذ وضعنا الاساس لمشروع اعادة برمجة الغرف التجارية بالكامل للمعلومات الاقتصادية بمشاركة وزارتي الاتصالات والتموين واتحاد الغرف، وكانت قراراته فيما يخص التجارة والصناعة والاقتصاد كأنه بيننا، وأنا سعيد باختياره رئيساً الوزراء كرجل أعمال وكرئيس اتحاد غرف يضم 26 غرفة ويمثلها 3.5 مليون تاجر. ونحن مقتنعون جداً بأفكاره الاقتصادية وأكشف لك للمرة الأولى عندما علمنا منذ اربعة شهور ان الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق طلب عدم التجديد لظروف صحية ابدينا رغبة في أن يكون نظيف هو رئيس الوزراء الجديد. ما تصورك لمستقبل العمل معه، وهل ستجدون عوناً كاملاً؟ - أنا التقيت رئيس الوزراء الثلثاء الماضي وطلب منّا التعاون بين منظمات الاعمال في البلاد لبرمجة الاسواق المصرية لتكون المعلومة واضحة بدلاً من التداخل الذي نراه بين الحين والآخر والتضارب بين هيئات عدة، هيئة تقول الصادرات 7 بلايين دولار، وأخرى تقول 5 بلايين دولار، والحقيقة تائهة، وفي الواردات لا تعرف العجز في أي المحاصيل هل في السكر، أو الزيت أو مستلزمات الانتاج، ما يؤثر في وضع الاقتصاد عموماً. "حوار الثلثاء" "حوار الثلثاء" كما تسميه بينكم وبين رئيس الوزراء ما نتائجه المباشرة؟ - "حوار الثلثاء" أكد أن توقعاتنا منذ أربعة شهور أن يتولى هذا الشخص رئاسة الوزارة كان توقُّعًا صائباً جداً وعلى رغم أن الاجتماع كان الاول إلا انه بلور الاستراتيجية التي سيتم العمل بها مستقبلا والتي ستطرح في لقاء يجمع رئيس الوزراء ومجلس اتحاد الغرف التجارية على مستوى الجمهورية ومنظمات الاعمال الأخرى، واعتقد ان هذا الاجتماع سيكون الاهم، هو طلب منا اوراق عمل تتضمن وجهة نظرنا في المشاكل القائمة تمهيداً لحلها لتنطلق مصر اقليمياً وعالمياً. ما الفرق بين فكر رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد والحالي أحمد نظيف؟ - عبيد يمتلك فكرًا غير عادي ويحلم بأشياء عدة لكنه كان يحمل تركة ثقيلة من الحكومات السابقة وكان طبيعي معالجتها بحكمة، وجاء نظيف ليرث 25 في المئة فقط، بعدما نجح عبيد في حل 75 في المئة منها في الاعوام الخمسة الماضية على رغم أن هذا الرجل ظُلم بصورة كبيرة. بالتالي سيركز نظيف على المستقبل أكثر من عبيد الذي ركز على حل مشاكل مهمة عالقة. العلاقة مع وزير التموين باعتبارك رئيس اتحاد الغرف التجارية هل كنت تتمنى تغييراً للوزير المباشر الذي يتبعه الاتحاد "وزير التموين والتجارة الداخلية"؟ - هذه نقطة حساسة جداً، وزير التموين حسن خضر، على رغم الجدل الدائر حوله وتحميله مشاكل البلاد، إلا أننا تمنينا بقاءه في الحكومة، هذا الوزير يحمل هموم 70 مليون نسمة سكان مصر من توفير غذاء، ومتطلبات اساسية، في الوقت الذي ارتفعت الاسعار بصورة كبيرة لا يتحمل اسبابها وزير التموين بل قرار تحرير سعر الصرف في 28 كانون الثاني يناير 2003 هو السبب في ذلك ونحن نقول القرار وليس الحكومة هو سبب ارتفاع الاسعار، علماً اننا نعتبر أن قرار تحرير سعر الصرف من أفضل القرارات التي اصدرتها الحكومة السابقة، ولو تأخر القرار عن التاريخ المذكور كانت ستحدث في البلاد كارثة، لكن للأسف تحمل القرار وزير التموين وحده من دون ان يناقش احداً، وبالتالي كان تعامله مع الغرف التجارية مُشرقاً جداً لمحاولة ضبط السوق، وعدم انفلات الأسعار فالغرف نصف عمل الوزارة وسعى الوزير لتعديل قانونها القائم منذ 17 عاماً. لماذا لا يُنسب النجاح الذي ذكرته لتغيير رئيس اتحاد الغرف التجارية بعدما توليتم الرئاسة وليس الوزير؟ - رئيس الاتحاد لا يمكنه التحرك بحرية ما لم يلقَ دعماً كافياً من الوزير المختص، نحن عُقدٌ متصل ولا يمكن تجاهل أي من الاطراف، الوزير ورئيس اتحاد الغرف فكرهما واحد وواضح. طالما الوزير يعمل لماذا الجدل في طبيعة عمله؟ - الجدل كان بسبب أن الوزير يحمل هموم 70 مليون مصري في المأكل والمشرب، تحمّل نتيجة قرار تحرير سعر الصرف بزيادة اسعار السلع الاساسية في وقت لا يمكن عمل اسعار اجبارية لضبط السوق ولا يمكنك الرجوع في اتفاقاتك الدولية، كان يمكن للوزير وبسهولة وضع السعر الاجباري للسلعة ونشر مفتشي التموين في البلاد لكنه تحمّل الطريق الاصعب ونجح بصورة جيدة. والحمد لله هو مستمر لاستكمال استراتيجية الغرف التي ستنتهي سنة 2006. هل ترى أن تغيير الوزير حسن خضر كان سيضر باستراتيجية الاتحاد؟ - تغييره قد يضر كثيراً في عملية ضبط الاسواق واستراتيجية الغرف. الحكومة والقطاع الخاص هل تتفق في رؤية البعض ان الحكومة الجديدة موقتة حتى تشرين الاول اكتوبر 2005 تاريخ استحقاقات الرئاسة؟ - هذا أمر يرجع الى الرئيس حسني مبارك فقط لكننا نعتبر ان هذه الحكومة اختيار جديد للقطاع الخاص المصري، نجاحها رهن بنجاح التجار والصُناع الشرفاء. تعلم انه في بداية عمل الحكومة السابقة اتهم القطاع الخاص بالاستغلال والنهب والسرقة في عدد لا يمثل واحد من الالف من عدد التجار ورجال الاعمال، يمكن كان تصرف بعض المنحرفين اكبر من اللازم خصوصاً الفارين لكننا لم نعترف بهؤلاء كرجال أعمال، القلة اساءت للغالبية واعتقد ان الاوضاع الدولية منذ عام 1997 وقت ازمة جنوب شرقي آسيا وحتى حرب الخليج الثانية اثرت في مصر بصورة مباشرة اضافة الى دول اخرى مجاورة هذا الامر افرز طبقتين من رجال الاعمال، الاولى طبقة الفارين بأموال المصارف وهم غير شرفاء ولا ينتمون لنا، استغلت هذه الطبقة ائتمانات ممنوحة وخلل في قطاعات معينة واساءت الى المناخ العام، على رغم ان بعض المتعثرين راغب في حل مشاكله مع المصارف لكنه يخشى نتائج المصالحة، وفي الداخل هناك متعثرين شرفاء استجابت الحكومة السابقة لهم واستعادت الثقة معهم. أما الطبقة الثانية فمن الوطنيين الذين يعملون لمصلحة بلادهم ونحن مع هؤلاء. حصول رجال أعمال على حقائب وزارية مهمة للمرة الأولى في مصر، بماذا تفسره؟ - هذا أمر غاية في الحكمة وتصور بعيد النظر تماماً. وزيرا التجارة والصناعة والسياحة من فئة رجال الاعمال المميزين جداً ونعول عليهم كثيراً فيما سيقومون به سواء في زيادة الصادرات وكبح جماح الواردات أو في ترويج مميز للسياحة، وكلاهما رشيد محمد رشيد واحمد المغربي خبير دولي في مجاله، ما حدث في مصر تحول مهم ينبغي الالتفات اليه. أعباء القطاع الخاص هل ذلك يضع اعباء معينة على القطاع الخاص؟ - نعم... ينبغي على القطاع الخاص مساندة هذه الحكومة لحل غالبية المشاكل القائمة وجذب استثمارات خصوصاً وان وزير تنمية الاستثمارات محمود محيي الدين مميز جداً وسطر من خلال رئاسته سابقاً اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني الحاكم تقارير عدة في هذا الاتجاه. وبنظرة اخرى نعتبر انتقال الدكتور يوسف بطرس غالي من التجارة الخارجية الى المال مهم لحل مشاكل الضرائب والجمارك اضافة الى انه مشرف على المجموعة الاقتصادية التي تنسق في ما بينها. علاقة الوزيرين لكن البعض يرى ان التنسيق قد يكون غائباً بين وزارتي الاستثمار والمال لاسباب تتعلق بعلاقة الوزيرين... هل تتفق مع هذا الرأي؟ - أنا التقيت كل الوزراء اليومين الماضيين ووجدت تعاوناً غير مسبوق ولديهم نية ان يكونوا على قلب رجل واحد وضروري جداً النجاح والرهان عليه مع تضييق الفجوة القائمة بين اركان الحكومة، ولا يمكن إنكار ان هناك خلافات سابقة بين المجموعة الاقتصادية لكن الحكومة الحالية تراهن على النجاح وبجدارة. مسألة علاقة التجار بالأسعار واتهامهم بالتسبب في ارتفاع اسعار السلع الاساسية على رغم انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه ما تقويمك لها؟ - لا أنكر ان هناك بعض التجار احتكر سلعاً للتربح اكثر، لكن الحقيقة ان منذ تحرير سعر الصرف فوجئ الجميع بخلل قفز معه سعر الدولار امام الجنيه من 535 إلى 710 قروش في دولة تستورد 65 في المئة من غذائها و70 في المئة من المنتجات ومدخلات التصنيع، هذا أمر لا ينبغي تحميله للتجار فقط، نعم شارك قله فيه لا يتجاوز عددهم نصف في المئة لكن الغالبية شرفاء. وعلينا دق ناقوس الخطر لضرورة الاعتماد على انفسنا في الغذاء والصناعة... والدي مُصدّر بارز في السبعينات سأله تجار اتراك ماذا عن المحاصيل عندكم، أجاب والدي لو العالم كله جاع مصر تؤكله، ذلك لأن الانتاج المصري وقتها كان مميزاً والمحاصيل متوافرة وهذا أمر يقع على عاتق وزير الزراعة المتمرس احمد الليثي لخفض فجوة ال60 في المئة لتكون 10 في المئة على الاقل أو تحدد الحكومة ما ينبغي عمله مع القطاع الخاص في هذا الأمر. يعني ذلك أن هناك مطالب على الحكومة في عملية ضبط الأسعار؟ - نعم عليها استقرار الأسعار أولاً، وبخفضها قدر الإمكان، وعلينا ان لا نغفل قانون العرض والطلب لضبط السوق مع تقويم اوضاع التجار المتعثرين وفق استراتيجية الغرف وميثاق شرفها، ووعدنا الحكومة بأننا ضد أي تاجر يتلاعب في السوق. وكما قلت سابقاً القطاع الخاص يتمنى نجاح الحكومة الجديدة ليشعر هو بالنجاح نفسه اما إخفاق الحكومة فسيضر الجميع وسيكون ضربة موجعة، الاخفاق مشطوب من قاموس التعامل المشترك بيننا وبين الحكومة لأن الوقت والمناخ لا يسمحان بشيء إلا النجاح.