شهد القرن الماضي العديد من الجرائم الرهيبة للقوى الكبرى في العالم، ملايين الألغام التي زرعت على أراضي الدول التي وقعت الحرب العالمية فوق أراضيها ولم يكن لهذه الدول في هذه الحرب لا ناقة ولا جمل، ماذا جنت مصر من هذه الحرب كي تدفع الثمن 17.5 مليون لغم على أراضيها في الصحراء الغربية واثنين مليون من مقذوفات ومخلفات الحروب مما أفقدها مساحة قدرها مليون فدان قابلة للزراعة فوراً على مياه المطر وما يقرب من 300 ألف فدان قابلة للاستصلاح والانتاج بعد تجهيزها بإمكانيات بسيطة جداً كما يوجد 430 نباتاً وعشباً طبيعياً بعضها يتسم بالندرة عالمياً والتي تدخل في تصنيع ما يقرب من ألفين نوع من الأدوية الهامة عالمياً، فضلاً عن وجود البترول والذهب والفضة والفوسفات واليورانيوم وغيرها بكثرة في هذه المنطقة، فهل أدركتم حجم الكارثة. يذكرني ذلك بعصور الاستعمار وان اختلفت المسميات بين أراض محتلة بالقوة العسكرية والجنود وبين أراض محتلة بألغام هذه الدول الاستعمارية، ويعتبر ذلك من نتائج مبدأ القوة وليس قوة الحق في العلاقات الدولية، ونحن لا نطلب من العالم أن يمنحنا كل هذه القروض التي يمن بها علينا وفقاً لاتباعنا السياسة التي يؤيدها، وما نطلبه وهو حقنا وليس منحة أو عطف. تطبيق مبدأ بسيط معروف ألا وهو من أفسد شيئاً عليه اصلاحه، مع العلم بأن تكلفة زراعة اللغم الواحد تتراوح بين ثلاثة الى عشرة دولارات أما تكلفة ازالته تتراوح ما بين 300 الى ألف دولار أي أننا في حاجة الى 250 مليار دولار لأزالة الألغام. ذهب هؤلاء المتحاربون بانتصاراتهم وهزائمهم تاركين وراءهم شهادة التاريخ على فسادهم وتاركين لنا الخراب ووصل الحد بهؤلاء الى التجاهل التام لحجم الكارثة التي عانت ولا زالت تعاني منها الدول المتضررة وكأنهم حلوا بها ليزرعوها وروداً وليست ألغام تنتظر الانفجار في أي وقت، وكذلك رفضهم المساعدة ولو بالخرائط التي توضح مواضع هذه الألغام فعندما نطالبهم بها يعطوننا عدداً لا يذكر منها ولا يساهم في حل أزمة والباقي يزعمون ضياعه وغير ذلك من أساليب التهرب من المسؤولية واللامبالاة بحقوق هذه الشعوب التي تجد جنوداً من الألغام تحتل أراضيها وتقف حيالها مكتوفة الأيدي، فنحن المصريين محرومون من ثرواتنا بهذه المنطقة، كما أننا في أشد الحاجة اليها، فهناك خسائر بشرية تكبدتها مصر من سواعد أبنائها التي فقدها بعضهم اثر انفجار لغم هائج، فأبناؤها هناك تعاملهم الألغام كصيد يقع في شباكها، اننا أيضاً نتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، ونحن حتى لم نطالبهم بالتعويض عن ذلك كله فمن يعوضنا عن 400 مليار دولار هي حجم الخسائر المصرية خلال خمسين عاماً. هل طالبنا المانيا بالتعويضات عن هذه الأضرار والتي كان لها يد في هذه الحرب كما يطالبها اليهود بالتعويض عن محارق انتهت معالمها. هكذا هدأت الحرب وضمت الى كتب التاريخ ولا تزال هذه الأرض تحترق بعيداً عمن أشعل النيران ودق الطبول.