قبل فترة كرمت "قناة النيل الثقافية" المخرج محمد خان من خلال برنامج "عالم فلان"، فدعا أصدقاءه خيري بشارة، طارق التلمساني، السيناريست محمد ناصر علي، وكاتب هذه السطور الى مشاركته في البرنامج... بدا ممتلئاً بالحيوية على رغم أعوامه التي تجاوزت الستين. لم يتقلص نشاطه وإن زادت نظرة الأسى في عينيه اتساعاً.... قبل هذا البرنامج بأيام قرر خان عدم نقل فيلمه الجديد "كليفتي" الى شريط سينمائي والاكتفاء بعرضه في بعض المحطات التلفزيونية. مع انه قد أعلن أخيراً عرضه في مهرجان الفيلم العربي في باريس، ثم يبدو انه سحبه من العرض هناك لأن أصحاب هذا المهرجان استبعدوه عن المسابقة الرسمية، فانتقل - أو سينتقل الفيلم - الى مهرجان قرطاج في تونس في الخريف المقبل. وفي الوقت نفسه أعلن خان انه بدأ جلساته المكثفة مع محمد ناصر لتحويل كتاب "رجال ريّا وسكينة" الى مسلسل تلفزيوني... في الندوة المخصصة لتكريم "المونتيرة" نادية شكري في المهرجان القومي للسينما. جلس خان على المنصة بجوار شكري، وصفاء الليثي مؤلفة كتاب "نادية شكري... سيدة الصحبة"، معترفاً بفضل "مونتيرته" الأثيرة التي قامت بتوليف كل أفلامه وبكونها سبب قدومه إلى مصر واشتغاله في السينما فيها... خان الدؤوب دائم الحركة... ما زال في جعبته مشاريع ومشروعات... وخيوط أمل يحتفظ بها كتميمة ضد الأيام العجاف... وقلب طفل ما زال قادراً على الغضب والدهشة ... سألته في البداية عن تكريمه في "قناة النيل الثقافية"، وماذا يعني له هذا التكريم؟ - التكريم يعني بالنسبة إليّ الكثير... يملؤك الشعور بالامتنان... ومع ذلك لم أكن أعرف أن برنامج قناة النيل الثقافية ينطوي على تكريم إلا حينما ذهبت إلى هناك... لقد كرّمت منذ سنوات في تونس بوسام رفيع، وكذلك في مصر بعد فيلم "أيام السادات"، كرّمت بوسام الدرجة الأولى من السيد رئيس الجمهورية... الإنسان حينما يكرّم يكون ممتناً، وبخاصة في وسط مناخ معاد. مسألة وقت ما زالت اللمسات الأخيرة لفيلم "كليفتي" لم تكتمل، ومع ذلك قررت عدم نقل الفيلم لشريط سينمائي. فما هو سبب اتخاذك لهذا القرار؟ - "كليفتي" كامل كفيلم، مسألة وضع الموسيقى وتصحيح الألوان هي مسألة وقت. الفيلم تم اختياره للعرض في بينالي السينما العربية في باريس وكان هذا قبل الارتباك الأخير حول عرض الفيلم في باريس أو في قرطاج، وسيتم عرضه ديجيتال، وأعتقد أن هذا العرض لو حصل سيكون بمثابة نافذة لتسويق الفيلم في القنوات الفضائية الأوروبية. أما قرار عدم النقل فجاء بسبب ارتفاع التكلفة الناجم عن ارتفاع سعر الدولار في مصر في الآونة الأخيرة. إضافة الى مخاوفي من سوء توزيعه في وسط الاحتكار الحالي في السوق المصرية والذي من الممكن أن يضر بالفيلم. قرأ البعض هذا القرار على أنه فشل لتجربة "الديجيتال". فما رأيك في هذه القراءة؟ - أنا لا أعتبر هذا القرار بمثابة فشل للتجربة، فليست مهمتنا تسويق الأفلام. لقد استطعت تحقيق فيلم كنت أرغب في تحقيقه، وسواء سيُعرض الفيلم على شاشات السينما أو التلفزيون فستتم مشاهدته، وهو الهدف الأساسي من عمل أي فيلم بالنسبة إليّ. وهذا لا يقلل من أهمية الفيلم إذا تم عرضه على شاشات التلفزيون. وحتى تكون هناك قاعات مؤهلة لعرض أفلام الديجيتال فإن اتجاهي سيكون هكذا. ما زالت هناك نظرة محدودة للديجيتال وتحويله للسينما بأنه أقل في الصورة، لكنه في الواقع يختلف تكنيكياً. وسواء كان بطريقة ديجيتال أو شريط "سلولويد" فالفيلم حدوتة تُحكى، فيها مشاعر، وفيها وجهة نظر، ستصل إلى المتفرج في أي شكلٍ كان. لكنني لم أنظر قط إلى الديجيتال كبديل ولكن كرفيق للسينما، ومؤمناً إيماناً تاماً بأنه المستقبل. لن أرفض هل هذا يعني أن تجاربك المقبلة ستصور جميعها بالديجيتال؟ - هذا ليس معناه أن أرفض فيلماً عُرض عليّ وأن أصوّره سينمائياً. ولكن تجاربي المستقلة ستكون بالديجيتال لأنه يتيح لي حرية أكبر، وطموحاً أرحب عن نظام إنتاج السينما السائدة. هناك عدد من المخرجين الشباب يحاولون اختراق السينما السائدة... فكيف ترى هذه المحاولات؟ - لي رأي خاص وأرجو ألا يُساء فهمه: حتى الآن لم يظهر مخرج من الممكن أن أصفه بأنه مميز، فهناك محاولات مثل "سهر الليالي"، و"أحلى الأوقات" اعتبرها أفلاماً طموحة في حدود المألوف، ولكن أن يكون هناك مخرج ذو وجهة نظر عميقة فهذا شيء آخر، لا توجد سينما أدهشتني حتى الآن، وهي السينما التي ما زلت أتطلع لمشاهدتها. وهذا لا يقلل من قيمة هذه المحاولات. هناك بالطبع استثناءات، ويمكنني أن أقول أن أسامة فوزي أكثرهم جرأة وتحدياً للنظام، لكن هذه حالة فردية. احتكار هناك قانون على وشك الصدور بصدد مواجهة "احتكار أصول السينما المصرية"... فما هو رأيك في بنود هذا القانون وبخاصة في ما يتعلق بإرغام المنتج على حفظ نسخة إيداع وعدم بيع النيغاتيف الخاص بفيلمه؟ - لا بد من أن تحافظ الدولة على تراث السينما المصرية، ولكن ليس على حساب منتجي الأفلام، وليس بأثر رجعي. وهذا غير عملي وغير منطقي، أفرض أن منتجاً سيدخل السجن بسبب ديون فيلمه. الدولة ينبغي أن تصرف على حفظ هذه الأفلام من موازنتها لأن هذا يدخل ضمن مسؤوليتها. الدولة كانت تفرض على المنتج تسليم نسخة إيداع، فكان يقوم بإيداع نسخة سيئة جداً لأن النسخة أصبحت مكلفة جداً، فنقع في الدوامة نفسها مرة أخرى. إذا كانت الدولة بالفعل وبإخلاص تهدف إلى محاولة الحفاظ على التراث السينمائي، وفي الوقت نفسه تسلك نظاماً رأسمالياً بحتاً، فإذا عُرض على المنتج سعر معين - يمثل القيمة الفعلية - كثمنٍ لنيغاتيف الفيلم، فعليها أن تدفع للمنتج هذا الثمن وتشتريه هي، طالما أن السوق يخضع للعرض والطلب. ولو كان هناك نظام لعمل نيغاتيف بديل، فتقوم بعمل هذا النيغاتيف البديل على حساب الدولة، وتحتفظ هي بالأصلي.