اليوم، ومع ارتفاع ضجة الاولمبياد التي ستقام في آب أغسطس المقبل في العاصمة اليونانية أثينا، تتجه أنظار السياح الى الجانب الشرقي من البحر الأبيض المتوسط حيث تجتمع المتعة بالهواية بالاسترخاء، وحيث تتربع أيضاً جزيرة كريت اليونانية الغارقة في خرافات الأساطير وقصص التاريخ وعبق الحضارة. تعد جزيرة كريت زائرها بأن تقدم له أكثر مما تستطيع أي جزيرة أخرى تشاركها مياه البحر المتوسط، فالآثار اليونانية ما زالت قائمة تشهد ولادة أولى حضارات القارة الأوروبية، وما تلاها من عصور رومانية وبيزنطية وإسلامية. وكلها تركت علامات واضحة في كل مكان تقريباً كالمعابد والقصور والكاتدرائيات والمساجد. ويحيط بهذه الآثار القديمة مناظر طبيعية ساحرة وجبال عالية خضراء تجتمع مع السواحل الذهبية والمياه الصافية الزرقاء لتكتمل الصورة الخرافية القادرة على تحريك مشاعر وخيال ما يعادل مليوني زائر سنوياً. فالجبال التي لم يصل إليها الزحف البشري ما زال سكانها القلائل يتنقلون بين قراها الضائعة في الزمن بواسطة الحمير. ولعل هذه الأصالة هي ما يميز "الكريتيون" الذين حفر التاريخ بصماته على وجوههم, والدفء في ضيافتهم وفوق كل ذلك تأثير مناخ البحر الأبيض المتوسط عليهم. وإن كان هناك أمر لا يستغني عنه الكريتيون في حياتهم اليومية فهو الاحتفالات الدينية حيث تقام مهرجانات حقيقية في كل مناسبة. والزوار يلقون ترحيباً حاراً للانضمام والمشاركة. تقع كريت، موطن الفنان الغريكو والكاتب الشهير نيكوس كازانتزاكيس مؤلف "زوربا اليوناني" الشهيرة، في جنوب اليونان. يقابلها عند الطرف الآخر جنوباً مصر وليبيا. يبلغ طول ساحلها من الشرق إلى الغرب حوالي 250 كم ويتراوح عرضها من الشمال إلى الجنوب بين 12 و60 كم. تتمتع بطقس مشمس على مدار300 يوم في السنة. ومع ذلك تتربع في الغرب منها جبال بيضاء تعتبر علامة فارقة للمنطقة لأن ثلوجها لا تذوب قبل حلول شهر حزيران يونيو. ومعظم سكانها يقطنون في القسم الشمالي حيث تقع العاصمة هيراكليون نسبة إلى هرقل. تعرضت كريت لكثير من المصائب عبر التاريخ ومرت بفترات متتالية من الحروب، وطردت النازيين آخر المحتلين سنة 1945 ليبتدئ وعيها لنفسها كمنطقة وسيطة تتمتع بكل المؤهلات السياحية، فباشرت الحكومة اليونانية في تطويرها وتجهيزها كمقصد سياحي ابتداء من العام 1960 فنظفت الشوارع ومهدتها وأقامت المنتجعات والفنادق والمطاعم بما يتناسب مع كافة الميزانيات. ولكل قسم في الجزيرة زواره المدمنون الذين يجدون في أماكنهم المفضلة كل ما يحتاجون اليه خلال إقامتهم. ولكن قد تكون العاصمة هيراكليون الملجأ الأخير لأغلب السياح لاكتظاظها بالسكان والفعاليات. غير أن ذلك لا يمنع من أن تكون زيارة قصر "نوسوس" أمراً واجباً على الزائر قبل مغادرة العاصمة. فهذا القصر الذي يبعد مسافة 5 كم عن هيراكليون كان يُظن حتى وقت متأخر بأنه يقبع في الأساطير اليونانية فقط. ومع أن القصر يعتبر أكبر وأهم آثار كريت، إلا أن المواقع القديمة موزعة في كل أرجائها تقريباً، فعلى الشاطىء الجنوبي توجد أثار فستوس وآيا تريادا، وفي القسم الشمالي آثار ماليا وغورنيا قرب منتجع آيوس نيكولاوس. هذا الى جانب الكنائس البيزنطية في كريستا والمدينة القديمة في هانيا المليئة بالآثار الفينيقية والعثمانية. وفي الغرب تهيمن الجبال البيضاء على كل المناظر وتغري محبي رياضة تسلق الجبال لممارسة هوايتهم على أدراج ممهدة بشكل مريح وسهل، كما تحلو رياضة ركوب الدراجات الهوائية في هذه الأرجاء والتمتع بالمناظر الطبيعية. وتعتبر الشواطىء الملاذ الأمثل للتمتع بالمياه الزرقاء والشمس والرياضات المائية التي تؤمنها المنتجعات والفنادق. وأغلب السياح لا يفوتون على أنفسهم متعة ركوب البحر على متن قوارب إما صغيرة أو كبيرة حسب الحاجة.