دخل المعلم نادر غرفة الصف. حيا التلاميذ. كتب على السبورة: المادة لغة عربية، الدرس: تعبير. استدار نحوهم وشرح النقاط التي يبني عليها الموضوع الانشائي. وقال لهم: أريد من كل واحد منكم ان يكتب موضوعاً يعبّر فيه عن حلم يحلم به، ويرجو تحقيقه. جال المعلم نادر ببصره غرفة الصف. وجد خالداً غارقاً في شروده وتأملاته. قال له: يا خالد! دعك من التأمل والشرود، أكتب الموضوع. تمتم خالد في سره: ليست الكتابة الا لحظة هاربة تنداح حبراً يعانق أنفسنا الخرساء، وتنطق ورقاً ما كان ليحكي لولا آلامنا المبعثرة في كلنا، إنما أين الفرح فينا؟ ماذا أكتب؟ وحلمي لست أملكه! في هذا العالم الضيق الواسع في آن معاً؟ أجده واسعاً حدّ الدهشة، وضيقاً حدّ الاختناق! لأن العماء الناتج من الرغبة في الحياة، يحول دون التمييز بين ما يجوز فعله وما لا يجوز. أطل خالد بنظره من النافذة. السراب يعم الأرجاء موهماً الجميع بحقائق كاذبة. تأمل كتبه، حدث نفسه: الكتب ذاتها، والعناوين ذاتها، تروح وتجيء ثم تروح وتجيء، تلبس أردية جديدة، أصبغة جديدة، وربما تضع شيئاً من المكياج الجديد، غير أنها لم تعد تحمل لي من جديد. الصفحات ذاتها، صفحات متشابهة، متلاحقة، لا تكاد تقول لي شيئاً، في الوقت الذي تدعي فيه قول كل شيء. والحبر الأسود يعبر أمامي كإسفلت داكن لطريق بدأ ولم ينته بعد. الإسفلت الذي قد يأخذ بدهشتك وأنت طفل، ويفقد كل معنى له بعد عام أو عامين، أو عشرين عاماً من السير المتواصل الى اللامكان. لفت المعلم نادر انتباهه ثانية. كتب: حلمي الصغير الذي أرجو تحقيقه ان ألتقي صديقتي خلود التي عمدتني بحبها، وصلّت معي صلاة الاستسقاء أثناء جدب الأرض. نرتدي ثيابنا النظيفة وأشبك يدي بيديها، نستقبل البحر، والأرض تموج تحت نعالنا واحة خضراء. نعوم ونصطاد في المياه العذبة، وننفذ الى هذا العالم مثقلين بالحب، برؤية جديدة، ونور جديد الى عالم خال من الأحقاد والشرور، ويبكي لموت وردة. وضع القلم من يده، وغرق في تأملاته. حماه - علي محمود خضور