حين سئل الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي في مؤتمر القمة الأخير في تونس عن سبب تدخينه سيجارة في قاعة الاجتماعات، قال "من القرف"، مشيراً الى فكرة أن التدخين يبدد القرف، وهي عباءة يرتديها اليوم نحو 3،1 بليون "قرفان" في العام، 84 في المئة منهم "قرفانون من العالم النامي". المكتب الاقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية فجّر أمس عدداً من المفاجآت "الرقمية" غير السارة، فالمصريون الذين لا يزيد متوسط دخل الفرد منهم على نحو ألف دولار سنوياً ينفقون 545 مليون دولار سنوياً على كلفة علاج الأمراض التي يسببها التبغ، عدا ما ينفقونه على شراء التبغ ومنتجاته. وتتعدى بذلك نسبة إنفاق المصريين على التبغ ما ينفقونه على العلاج والرياضة والثقافة. وتبوأ عدد من بلدان المنطقة مراكز متقدمة في الملف الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية أمس، فالكويت احتلت المرتبة ال19 عالمياً في استهلاك التبغ، بينما احتلت المملكة العربية السعودية المركز ال23، وعلى رغم الانخفاض النسبي لمجموع سكان دول مجلس التعاون الخليجي الست، فإنها تنفق نحو 800 مليون دولار سنوياً على التبغ، أما المغرب فينفق على استهلاك التبغ إجمالي إنفاقه على التعليم. الشعار الذي رفعته منظمة الصحة العالمية في احتفالها هذا العام باليوم العالمي للامتناع عن التبغ "الفقر والتبغ دائرة مغلقة" اسم على مسمى، فعائلات العالم الفقير تنفق على التبغ بين 15 و45 في المئة من دخلها اليومي، وتصل النسبة إلى حد الجنون في الصين حيث ينفق فقراء الصين 60 في المئة من دخلهم عن التدخين، وفي بنغلادش يمكن للآباء المدخنين إنقاذ عشرة ملايين من ابنائهم من أمراض سوء التغذية لو اشتروا لهم طعاماً بدلاً من تدخين السجائر. الملف الذي فتحته منظمة الصحة كشف أوضاعاً مذهلة لنمط ترتيب أولويات الإنفاق بين الأسر، لا سيما في الدول النامية، ضمن عائلات تجد بالكاد النفقات الضرورية للمأكل والملبس، ومع ذلك لا يتورع عائلها عن توجيه ثلث دخله المتواضع لشراء السجائر، إلى بلدان يفوق مجموع ما تنفقه على شراء التبغ أو استيراد منتجاته ما تنفقه على قطاع التعليم. التوقعات تشير إلى أن ال3،1 بليون مدخن في العالم حالياً سيزيدون إلى 7،1 بليون في عام 2025، وهذه الزيادة ستكون من نصيب البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ورغم اتساع رقعة الفقر في دول إقليم شرق المتوسط، إلا أن معدلات انتشار استهلاك التبغ وصلت حد الوباء ويكفي أنها زادت بنحو 24 في المئة بين عامي 1990 و1997. ويبدو أن الصمت الرسمي العربي لا يسري فقط على النطاق السياسي، اذ امتد ليشمل الصحة كذلك، فحكومات عدة تحجم عن زيادة نسبة الضرائب المفروضة على السجائر المحملة بالقطران خوفاً من خفض الطلب عليها ومن ثم خفض عائداتها، المؤكد أن "العقيد" القذافي لم ينفث دخان سيجارته هباء في الهواء وانما تشجيعاً ضمنياً على محاربة "القرف" ب"القطران".