كل عام يحلّ معرض الكتاب. وفي كل عام نستقبله بالطريقة ذاتها التي ودّعناه بها، انه استقبال احتفائي ذو وجهين. ويشبه تماماً استقبالنا لضيف نحبه. يطيل الغياب فنشتاق اليه. وما إن يحل حتى نشعر بوطأة ما، ناجمة عن حضوره. فليس هو بالضيف الذي لا يستنزف جيوبنا، ولسنا نحن بالكرماء المجبولين على تجاوز كل ظروف الحياة الحديثة وإبقاء نارنا متقدة على أبواب بيوتنا، مرحبين بالضيف الذي يزورنا كل سنة مرّة: أهلاً، يا معرض! وسهلاً، يا كتاب! رسمياً يمكننا القول: بدأ معرض الكتاب في تونس، في دورته الثانية والعشرين، وتمتد أيامه بين 22 نيسان ابريل و2 أيار مايو. وارتفع عدد دور النشر المشاركة الى 831 داراً، أي بزيادة 64 داراً للنشر مقارنة بالسنة الماضية. كما ازداد عدد العناوين المشاركة بنسبة 33 في المئة ليبلع 119710 منها 55045 عنواناً في الاختصاصات العلمية والانسانية والاجتماعية والاقتصادية. ويمكن أن نضيف أن هذه الدورة الثانية والعشرين لمعرض تونس الدولي للكتاب تتضمن عدداً من الأنشطة المرافقة، من أبرزها برامج ل"الترغيب" في المطالعة وتخصيص جناح للثقافة الرقمية وتكنولوجيا الاتصالات، الى جانب تنظيم ندوة بعنوان "مسالك السعادة" بمشاركة عدد من الأطباء، وأخرى بعنوان "الفكر الإصلاحي والتحديثي العربي" يشارك فيها عدد من المثقفين التونسيين والعرب. أما على المستوى العملي فتتكرر المعزوفات إياها. وهي معزوفات لم تعد تستحق التروّي والتحليل والتمحيص، بل يمكن إيجازها في عناوينها. والعناوين مفهومة، موثوقة، متكررة وموصلة الى مقاصدها، من الخليج الى المحيط: أولاً، وسائل الإعلام تحتفي وترحب وتذكّر، في لقطاتها الإعلانية، بأهمية الثقافة والكتاب الذي هو "خير جليس". كما تستفتي الكتاب والمثقفين اجمالاً حول هذه "المعضلة" العربية بامتياز: "من يقرأ الكتاب في عصر الانترنت؟" وكأنّ الذي كان يقرأ إنما توقف بسبب الانترنت. ثانياً، بائع الكتب ما زال يجد أجرة جناح العرض مشطة، والبلاد غالية، وبعض "الكراتين" لم تصل، والحسم هو الفارق بين قيمة الدولار والدينار. والاقبال قليل، والناس لا يقرأون، وهذه السوق ليست من الأسواق الرابحة. ثالثاً، المشتري يركب وسيلتي نقل، ويدفع رسوماً من أجل الدخول. ويتساءل: أين الحسم؟ الجواب ورد سابقاً: الفارق بين الدولار والدينار والحال ان الدولار انخفض منذ السنة الماضية ولم يتغير سعر الكتاب، ان لم يكن قد زاد. وثمة كتاب يباع بسبعة دنانير في جناح مغربي ضمن طبعة "قانونية"، ويباع بأربعة عشر ديناراً في جناح سوري ضمن طبعة "مُقرصنة". والطبعة المغربية "القانونية" تشير في مقدمة الكتاب الى ان جارتها، الطبعة السورية، "مقرصنة" لكن التعايش قائم. وإدارة المعرض غير معنية بهذه التفاصيل الموجعة للرأس، بل انها لا تراقب حتى مسألة الحسم، والفارق بين العملات، وضياع القارئ بين أسعار العملات وانتفاخ الليرة والجنيه الى حدود منافسة العملات الصعبة على أرض افريقية. والكتاب على رغم كل ذلك ما زال يعيش. لكن لا بد، طبعاً، وكما في سائر المعارض العربية، من إطلالة على الكافتيريا: ازدحام على القهوة والشاي والمشروبات الأخرى. ومع انها تباع - بالمناسبة - بأضعاف سعرها، فهي، شأنها شأن المأكولات، تظل أكثر ازدهاراً، خصوصاً أن بائع الكتب نفسه، فضلاً عن مقتنيها، يضطر الى التعاطي معها. ذلك ان مكان العرض بعيد ومقطوع وناء. أما اذا كنت أباً، أو أمّاً، ورافقك الأبناء في خطوة منك لإقناعهم بجدوى المطالعة، فسيهرعون - بعد ارضائك بما صرفت على كتبهم - الى الاجنحة السحرية حيث البالونات والمفاجآت والتحف والميداليات والأكياس المزينة بقلوب الحب والورود، وصولاً الى الأقراص المدمجة، وآخر ما جدّ من ألعاب الكترونية وحروب ودمار، يكون بطلها ابنك في بيتك، وضحيتها أنت الذي أردت ان تلعب دور المضيف الكريم لزائر يحلّ كل سنة مرة، فلا هو بذلك الزائر الذي لا يستنزف جيوبك ومواعيدك، ولا أنت بالكريم المجبول على تجاوز كل ظروف الحياة العصرية مبقياً نارك متقدة على باب بيتك، مرحِّباً: أهلاً، يا معرض! وسهلاً، يا كتاب!