"بونجور جان فالجان، بونجور جان فالجان". فتحتَ عينيّكَ، فأحسست بصداع هائل في رأسك. ظلام الفجر كان مخيماً فوق بلدية الدائرة الخامسة لمدينة باريس. نظرت الى بوابة "البانثيون" الرخامية، فرأيت شبحاً ضخماً بلحية كثة يدخل البانثيون وينغلق الباب وراءه. كنت متعباً في الليلة السابقة فلم تستطع مواصلة طريقك المعتاد، من ساحة البانثيون منحدراً الى شارع مونتاني سانت - جينيفييف، الى شارع ديزيكول ثم كاردينال لوموان ثم رصيف لا تورنيل ثم رصيف سان بيرنارد لتصل الى محطة قطارات اوسترليتز، حيث تبيت على عادتك كل ليلة. وحين لمحت سيارة الشرطة تقترب من البانثيون، استيقظت بسرعة، متكئاً بظهرك على سياج المقبرة، رحت تقلب في محفظة الاوراق، مخدتك. كنت خائفاً من الشرطة، فليس مسموحاً للاجئ مثلك أن ينام في الشارع. نظر رجال الشرطة اليك ومروا بسيارتهم. حمدت الصوت الذي أيقظك من نومك "بونجور جان فالجان" وقلت في نفسك: "من سواه، يحنو على المشردين في الفجر، غير عدو الشرطة، ذلك العملاق، فيكتور هوغو". في ذلك الفجر، كانت أوراق الخريف تغطي بولفار سان جيرمان، حين لمحتَ علبة سجائر فارغة، ضربتها بمقدمة حذائك الرياضي، فراحت العلبة تتدحرج وتكبر وتكبر، حتى وصلت الى ساحة "الاوديون" قرب تمثال "دانتون" تماماً. عندها بدت العلبة بحجم التمثال، ضربت بيدك في الريح وسحبتَ سلَّماً لا مرئياً، تسلقته حتى نهايته، وعندما فتحت العلبة الضخمة، رأيتَ فيها أباك نائماً، مبتسماً.