استحقاق الأول من أيار مايو الذي فتح أبواب الاتحاد الأوروبي أمام عشر دول جديدة بينها ثلاث جمهوريات سوفياتية سابقة لم يكن بكل المقاييس حدثاً ساراً بالنسبة إلى روسيا التي تعاظمت مخاوفها وهي تنظر إلى متغيرات واسعة من حولها وصفها بعضهم بأنها إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية في أوروبا. فموسكو التي أدركت منذ البداية عدم قدرتها على التأثير في شكل حاسم في مجرى التطورات سعت إلى الخروج بأقل قدر ممكن من الخسائر. ولا تقتصر آثار توسيع الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى روسيا على الجوانب السياسية والاقتصادية، إذ يدفع التطور الجديد موسكو إلى الانخراط في مواجهة لها تأثيرات مباشرة على الأوضاع الداخلية في روسيا، خصوصاً في ما يتعلق بملف إقليم كاليننغراد الروسي الذي غدا جزيرة معزولة عن الوطن الأم، إضافة إلى المسائل المرتبطة بأوضاع الأقليات الروسية في دول البلطيق، وهو موضوع بات حديث الساعة في الأوساط الحزبية والسياسية والبرلمانية الروسية. أما الآثار الاقتصادية لتوسيع الاتحاد الأوروبي على روسيا، فإن التقديرات الأولية تشير إلى خسائر سيتكبدها الاقتصاد الروسي تراوح بين 300 و500 مليون دولار سنوياً، وهذا على المدى القصير. في حين يخشى الاقتصاديون الروس من أن يتحول التبادل التجاري بين روسيا و"الاتحاد الجديد" إلى سيف مصلت على رقبة موسكو، إذ يكفي القول إن أكثر من نصف حجم تجارة روسيا الخارجية سيكون تحت سيطرة الاتحاد الموسع ما يمنحه قوة ضغط هائلة على موسكو. وعلى رغم أن روسيا الفيديرالية ارتبطت منذ أواسط التسعينات باتفاق إطار شامل نظم تعاونها مع "أوروبا القديمة" التي كانت تستورد نحو 35 في المئة من صادراتها الخارجية، لكن انضمام الدول الجديدة بتناقضات علاقاتها مع موسكو سيدفع إلى تعقيد العلاقات في شكل كبير، ويخرجها إلى نطاق جديد يصعب التنبؤ بنتائجه. ويشير الخبراء الروس إلى أن توسيع الاتحاد وانضمام جمهوريات كانت لها علاقات اقتصادية وثيقة مع روسيا على مدار عشرات السنين لن يمر من دون آثار إيجابية، إذ يتوقع أن يتحسن نشاط الشركات الروسية الكبرى في عدد من القطاعات خصوصاً أن بدء سريان نظام التسعيرة الجمركية الموحدة على الأعضاء الجدد في النادي الأوروبي سيؤدي إلى ضعفي التعرفة الجمركية ما ينشط حركة التبادل، لكن التأثير الإيجابي يبقى محدوداً نظراً إلى أن أقل من 10 في المئة من صادرات روسيا ستشهد تحسناً، وهي القطاعات التي سيسري عليها مفعول خفض التعرفة في مقابل العديد من القيود التي ستفرض على قطاعات أخرى تعد أكثر حيوية بالنسبة إلى موسكو وبينها قطاعات الطاقة والمعادن والمواد الكيماوية والصناعات النووية. وسبقت الإشارة إلى أن توسيع الاتحاد يمنح النادي الأوروبي قدرة السيطرة على أكثر من نصف حجم مبيعات روسيا الخارجية بعدما كانت أوروبا القديمة تستورد زهاء ثلث صادرات روسيا فقط. ويعتقد خبراء روس أن الوضع الجديد ينذر بنشوء حال خلل خطيرة على روسيا التي لا يزيد حجم وارداتها من الاتحاد الأوروبي على 10 في المئة فقط ما يمكن الاتحاد من ممارسة ضغوط اقتصادية وسياسية مختلفة على موسكو في المستقبل. وعلى رغم أن الجانبين الروسي والأوروبي نجحا في إزالة جانب من القلق الروسي لآثار التوسيع بعدما وقعا الأسبوع الماضي اتفاقاً حصلت روسيا بموجبه على ضمانات أوروبية تقلص خسائرها المباشرة من التوسيع عبر تثبيت حقها في استكمال تنفيذ العقود الموقعة في السابق مع عدد من الدول الجديدة في الاتحاد والتي يمتد بعضها إلى عام 2016. لكن كثيرين رأوا أن الضمانات الأوروبية اقتصرت على جوانب معينة وعالجت مشكلات محدودة التأثير مثل الحظر المفروض على الطائرات الروسية لدخول أوروبا الجديدة. إذ سمح الاتفاق باستمرار الشركات الروسية في تسيير رحلات إلى دول الاتحاد الجديدة لسنوات عدة مقبلة وهو مطلب كانت موسكو تصر عليه في حين لم يضع اتفاق التعاون الجديد أساساً لحل مشكلات ستنشأ مع بدء سريان مفعول نظام التأشيرات المعمول به في أوروبا على الأعضاء الجدد، ما يعني أن القيود المفروضة على تحرك المواطنين الروس ما برحت تشكل عقبة أساسية وتثير مخاوف جدية عند الخبراء الروس. وأشار تقرير وضعه مركز السياسة الأوروبية إلى أن حجم الاستثمارات الروسية في قبرص مثلاً تضاعف في شكل كبير خلال السنوات الأخيرة. لكن انضمام قبرص اليونانية إلى الاتحاد سيؤثر سلباً في حرية تحرك المستثمرين الروس في الجزيرة. وما ينطبق على قبرص ينسحب كذلك على مختلف الدول الجديدة ومن بينها بولندا وهنغاريا وسلوفاكيا التي تقدم حالياً تسهيلات خاصة للمواطنين الروس. وحذرت تقارير أعدتها مراكز أبحاث روسية من الآثار الناجمة من انضمام دول سوفياتية سابقة إلى الاتحاد الأوروبي، واعتبرت أن ثمانية من أصل عشرة أعضاء جدد هم بولندا وتشيخيا وهنغاريا وسلوفاكيا وسلوفينيا وليتوانيا وأستونيا ولاتفيا ستخرج مع انضمامها إلى النادي الأوروبي من دائرة التأثير الروسي. ويعتقد البعض أن ذلك سيسفر عن تعقيد العلاقة في شكل كبير بين روسيا والاتحاد الأوروبي خصوصاً مع وجود "خلافات تاريخية" بين روسيا وعدد من الأعضاء الجدد مثل دول البلطيق موروثة من العهد السوفياتي. ويرى الخبراء أن مشاركة هذه الدول في صنع القرار الأوروبي سيسفر عن مضاعفة الآثار السلبية على روسيا. كما أن بعض هذه الدول، خصوصاً ليتوانيا، تمر حالياً بأزمة غير مسبوقة مع روسيا سببها قوانين الإصلاحات الداخلية التي حرمت الأقلية الروسية هناك من حقوق التعليم باللغة الروسية الأم. وكانت هذه المشكلة شكلت محوراً مهماً للمناقشات التي أجرتها الديبلوماسية الروسية مع الأوروبيين عشية توقيع اتفاق توسيع الاتحاد. ويرى البعض في موسكو أن انضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيسفر على المدى البعيد عن تحسن أوضاع الأقليات بسبب سريان المعايير الأوروبية على الأعضاء الجدد. لكن آخرين، خصوصاً في مجلس الدوما الروسي، أعربوا عن تشاؤمهم إزاء احتمال حدوث تطور إيجابي بسبب ما وصف بأنه "معايير مزدوجة" يتبعها الاتحاد الأوروبي إزاء حقوق الأقليات في المنظومة السوفياتية السابقة. مشكلة كاليننغراد شكل الإقليم الذي تفصله ليتوانيا ولاتفيا عن الوطن الأم عامل توتر دائم في علاقات روسيا مع جيرانها، إذ فشلت روسيا في التوصل إلى اتفاقات لتنظيم عمليات انتقال المواطنين الروس من الإقليم وإليه وكذلك مده بحاجاته الأساسية من الطاقة والمواد الحيوية الأخرى، وغدت كاليننغراد مع توسيع الاتحاد الأوروبي جزيرة معزولة. وعلى رغم الضمانات الأوروبية بالتوصل إلى حل سريع لمشكلة الإقليم، لكن خبراء أشاروا إلى أن آفاق التوصل إلى حل دائم للمشكلة ما برحت تبدو بعيدة. ويدفع ذلك إلى تصاعد القلق لدى العديد من الأوساط السياسية والبرلمانية في روسيا، خصوصاً أن مشكلة الإقليم النائي غدت محور جدل ساخن في الشارع الروسي. ويعتقد البعض أن احتمالات تخفيف القيود المفروضة على تحرك المواطنين الروس ستكون مرتبطة بالتوصل إلى حل شامل لتسهيل حركة الروس في القارة الأوروبية خصوصاً أن قوانين الاتحاد حالياً لا تنص على منح مواطني الإقليم أي وضع خاص. وكان مسؤولون أوروبيون أعربوا عن أملهم في أن يتحول الإقليم الروسي إلى "جسر أوروبي" يربط بين طرفي القارة. وعلى رغم التفاؤل الذي تعكسه التسمية، رأى خبراء روس أنه سيغدو واحداً من المآزق التي تواجه الاتحاد القديم - الجديد.