احتل موضوع العنف الدامي الذي تتخبط فيه البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، الصدارة في برامج المرشحين لرئاسة الجمهورية في الجزائر. ولوحظ أن هؤلاء أهملوا جميعهم الحديث عن مئات الاطفال، من مختلف الأعمار، الذين ولدوا في "الجبل"، أو بتعبير آخر في معسكرات الجماعات المسلحة ومخابئها. وعلى رغم تفادي السلطات الرسمية في الجزائر إعطاء إحصاءات دقيقة عن عدد "أبناء الإرهاب" كما تسميهم وسائل الإعلام المحلية، فإن ناشطين ومناضلين في جمعيات الدفاع عن حقوق الطفل أشاروا إلى وجود أكثر من ألفي طفل، بعضهم يعيش في أمن ضمن الأسر التي أعلنت توبتها وعادت إلى "الذوبان" في المجتمع، مستفيدة من قانوني الرحمة والوئام الوطني. أما الغالبية من هؤلاء الاطفال، فقد اكتشفتهم قوات مكافحة الإرهاب في مخابئ كانت تقيم فيها الجماعات الإسلامية المسلحة، وتتولى وزارة التضامن الاجتماعي إيواءهم. ولاحظت أمينة الواعر من جمعية الطفولة المسعفة أن نظرة المجتمع إلى هؤلاء الاطفال مشوبة بالضغينة والحقد، بداعي أنهم ينحدرون من أباء وأمهات أوقدوا نيران الحرب الأهلية في البلاد، وبالتالي يتعرضون للإقصاء من الأسر والعائلات التي ترغب في التبني. وما يثير الغرابة في هذه المواقف، أن هؤلاء الاطفال هم أيضاً من ضحايا عشرية الدم والجنون، فلا أحد منهم اختار أن يولد في "الجبل". إن العشرات منهم وضعتهم فتيات، في سن المراهقة، تم اختطافهن من المسلحين، لإشباع رغباتهم المتوحشة، وقد صدرت كتب تدمي القلب، تروي معاناة تلك الفتيات في ظل الاغتصاب الجماعي الذي مورس عليهن. ويعمل فريق من الباحثين على مستوى الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان من اجل استصدار مذكرة لدعوة السلطات إلى الاعتراف بهؤلاء الاطفال كضحايا للإرهاب، ما يعني استفادتهم هم أيضاً من المنح التي تصرفها الحكومة للعائلات التي فقدت احد أفرادها في عملية إرهابية. ومن المنتظر أن تلقى هذه المبادرة تأييداً من قطاعات واسعة من المجتمع المدني. فمن غير المعقول أن تسهر الدولة على إدماج المسلحين التائبين في المجتمع، وتدير ظهرها لضحايا الفتاوى التي حللت خطف النساء والفتيات.