لا وجود لكتاب ممنوع في بغداد، ذلك ما يستطيع زوار المكتبات أن يتأكدوا بأنفسهم منه هذه الأيام. وبعد اختفاء طويل ظهرت في الواجهات وعلى الأرصفة عناوين كثيرة كانت ممنوعة طوال سنوات. وبدلاً من تدوال نسخ معدودة من الكتاب الأصلي الذي كان يصل خلسة إلى العراق، بدأت الكتب تصل بنسخ أصلية من بيروت ودمشق والقاهرة، وطهران أيضاً، لتجد طريقها إلى القارئ من دون خطوط حمر أو خوف من زوار الليل. ويشير عدنان سلمان، صاحب "مكتبة عدنان" في شارع المتنبي، إلى أن القيود التي كانت مفروضة خلال سنوات حكم النظام السابق لم يعد لها وجود الآن، بل إن الكتب تأتي من مطابعها مباشرة إلى مكتبات بغداد. وفي نظره، أن الوضع الاقتصادي لم يحدّ من الإقبال على اقتناء الكتب التي كانت ممنوعة سابقاً على رغم الارتفاع النسبي لأسعارها والذي يصل احياناً إلى عشرة آلاف دينار تقريباً. ويشير سلمان إلى أن اكثر الكتب التي تشهد إقبالاً هذه الأيام في مكتبته هي: "زلزال في أرض الشقاق" لكمال ديب، و"ليلة الهرير" لأحمد الحبوبي و"الشيعة والدولة القومية" لحسن العلوي، و"الحركات السرية للشيعة في العراق" لحنا بطاطو، و"أوراق مس بيبل" لإلزابيث بيرغرين طبعة وحيدة. أما في "المكتبة العصرية"، في شارع المتنبي أيضاً، فتحتل المرتبة الأولى كتب المفكر العراقي الراحل علي الوردي: "وعاظ السلاطين" و"شخصية الفرد العراقي" و"خوارق اللاشعور" والتي كانت شبه ممنوعة في الشهور التي أعقبت سقوط النظام السابق، من دون أن تشهد المكتبات إلا طبعة يتيمة لكل منها صدرت في الخمسينات. ويمثل كتاب "صوت العراق في الأممالمتحدة 1959 - 1969" والذي يروي تجربة عدنان الباجه جي، عضو مجلس الحكم الحالي خلال عمله مندوباً دائماً للعراق في المنظمة الدولية، مكان الصدارة بين الكتب الاكثر مبيعاً في "مكتبة النهضة"، الشخصية إلى جانب المجموعة الشعرية السياسية الكاملة لمظفر النواب وكتابه "للريل وحمد" الذي يتضمن قصائد العامية العراقية، اضافة إلى الدواوين الشعرية لنزار قباني بمختلف طبعاتها، ومنها الطبعة المستنسخة محلياً عن الكتب الأصلية التي صدرت للشاعر. كما يعد كتاب "الأمير عبدالاله - صورة قلمية" لمؤلفه عطا عبدالوهاب والذي يتناول فيه سيرة حياة الوصي على عرش العراق عبدالإله أثناء عمله سكرتيراً شخصياً له خلال السنوات الأخيرة من العهد الملكي الذي انتهى عام 1958. أما عبد شندي الذي يبيع الكتب على رصيف شارع المتنبي، فيشير إلى أن الكتب الأكثر مبيعاً هذه الأيام هي "الكتب الدينية، خصوصاً ما يتعلق منها بالشيعة والتي كانت ممنوعة تماماً في السنوات السابقة"، وان "هذه الكتب تصل في شكل مستمر من بيروت وكذلك من إيران". وقد أقيمت لهذه الكتب التي تباع بأسعار متدنية معارض كثيرة في الجامعات العراقية. ومنها كتب: "الشهيد الصدر الأول"، "فلسفتنا"، "اقتصادنا"، "بحث حول الولاية" وكتاب "الاحتجاج" للطبري، و"معالم المدرستين" لمرتضى العسكري، وهو في ثلاثة أجزاء، إضافة إلى كتب أخرى تمزج بين السياسة والفكر والدين وفق رؤى محدثة.اهتمامات متغيرة أما لدى زميله وحيد الربيعي، فالكتب الأكثر رواجاً هي: "أضواء على السنة المحمدية" لمحمود أبو ريه، و"المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية"، و"اثبات الوصية للأمام علي" للمسعودي و"مقامات فاطمة الزهراء" لمحمد علي الحلي، و"نحن والاولاد في مآثر بيت أهل النبوة" لحمزة عندليب. ويقول الربيعي إن عناوين أخرى في الاطار نفسه تحتل سلّم الأولويات بين اهتمامات رواد السوق المتغيرة وفق الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ويرى أن بعض الكتب التي تشهد إقبالاً اليوم لن يلتفت إليه أحد غداً، وان مناخ الحرية الذي تعيشه المكتبات الآن سمح للقارئ العراقي بالاطلاع على ما كان ممنوعاً. وقد يعيد هذا القارئ النظر في هذه الممنوعات والمحرمات عندما يتسع امامه أفق الحرية.