تنطلق من القاهرة في الاسبوع الاول من نيسان ابريل المقبل، "مؤسسة المورد الثقافي"، وهي مؤسسة إقليمية غير ربحية تسعى الى دعم الإبداع الفني في العالم العربي، والى تشجيع التبادل الثقافي داخل المنطقة العربية ومع بلدان العالم النامي. وبحسب البيان التأسيسي للمؤسسة، فإن عملها يستند إلى "تقدير القيمة المتجددة للتراث الثقافي العربي، في تنوعه، وإلى إدراك أهمية ظهور إبداع عربي جديد يحرر المخيلة ويحفز على التقدم". كما يؤمن "المورد الثقافي" بأن "النشاط الفني والأدبي ضرورة اجتماعية تستلزم الدعم المادي والمعنوي من القوى الفاعلة في المجتمع. "الحياة" التقت بسمة الحسيني، مديرة المؤسسة وعضو مجلسها التأسيسي الفني للتعرف منها إلى اهداف هذه المؤسسة، والمناخ الذي تعمل فيه. والحسيني ناشطة ثقافية معروفة في مصر، عملت في الماضي مع مؤسسات محلية ودولية في مجالات ادارة الفنون، وهو احد المجالات التي تسعى مؤسسة المورد الى تفعليها عربياً. يركز البيان التأسيسي ل"المورد" على ابراز التنوع الثقافي في العالم العربي، مع تشجيع انفتاح الجيل الجديد من المبدعين على الثقافات العالمية والتفاعل معها. فما هي فلسفة العمل التي تستند إليها المؤسسة لتحقيق مثل هذه الاهداف؟ - أنا لا احب استخدام كلمة "تكامل" للاشارة الى طبيعة ما نطمح إليه. نحن نهدف أساساً الى ابراز التنوع الثقافي الخلاق في عالمنا العربي بصورة تسمح بابراز ثقافات الاطراف التي جرى تهميشها لمصلحة مراكز مهيمنة وفاعلة. فمن الصعب الآن ان تجد في الاوساط الثقافية المصرية مثلاً، من يعرف اسم مطربة من مورتيانية أو الصومال أو المغرب... هناك اسباب تاريخية لم تسمح لنا بالتعرف إلى تلك الاصوات، أو الانصات إليها... وسيكون من بين مهماتنا الانصات الى امثال هؤلاء والتغلب على خبرات الماضي التي لم تخلق فرصة للتعاطي مع مختلف اشكال التعبير في العالم العربي. واذا كانت معظم البلدان العربية تشترك في مرجعية ثقافية تاريخية واحدة أو متشابهة، علينا ان نركز على الآثار الإيجابية لهذا الرصيد المشترك، والعمل على سهولة ترويج الأعمال الفنية والأدبية بين هذه البلدان وامكان التعاون الإبداعي بين الفنانين والأدباء، واحتمالات الاستفادة من التجارب والبناء عليها. ومن ناحية أخرى، نطمح الى المشاركة في مواجهة المشكلات التي يواجهها المبدعون - خصوصاً الشباب والنساء - ومنها مثلاً قلة مساحات التعبير الحر، وضعف البنية الاقتصادية الداعمة للفنون، وندرة فرص الحوار الجاد حول القضايا الثقافية المهمة... وإيجاد حلول موقتة أو دائمة، تتطلب عملاً دؤوباً وقائماً على التعاون بين عدد من المثقفين المستقلين والمبدعين والمؤسسات الثقافية المستقلة على المدى الطويل. وما هي المبادئ العامة التي يسترشد بها المورد الثقافي؟ - هناك عدد من المبادئ، منها احترام جميع أشكال التعبير بغض النظر عن الدين والعرق واللون والطبقة الاجتماعية واللغة... والمساواة بين الجنسين في جميع أنشطة المؤسسة، وفي هياكلها التنظيمية والادارية المختلفة. هذا فضلاً عن التضامن مع المبدعين العرب الذين يمارسون عملهم تحت الاحتلال أو الاعتداء العسكري، وكذلك الانتباه الى المشروعات الإبداعية التي تأتي من قطاعات المجتمع المحرومة اقتصادياً وسياسياً. نلاحظ ان برنامج المنح المقدم من المؤسسة يركز على شريحة عمرية بين 15 و25 عاماً، لماذا الاقتصار على تلك الشريحة؟ - التركيز على هذه الشريحة بالذات كان بهدف مواجهة ظاهرة التسرب الثقافي في مجتمعاتنا العربية، لأن الشباب بعد هذه السن قد تنتهي صلته بموهبة كان يعمل على تدعيمها... خوفاً من مواجهة مستقبل مجهول! ودورنا توفير بيئة مواتية تعمل في اطارها هذه المواهب، وتضمن شروطاً محترمة تسمح لنا بالرهان على مواهب حقيقية من بين العدد الكبير الذي يتقدم إلينا سنوياً. خارج السياق التجاري شهدت السنوات السابقة ظهور مجموعة من البرامج على الفضائيات العربية بهدف اكتشاف مواهب، ما الذي يميز مشروع "المورد الثقافي" عن هذه البرامج التي قد تكون مغرية اكثر للمتقدمين، بفضل رهانها الذي يعلي من قيمة النجومية وفرص الانتشار؟ - نحن بدأنا خارج السياق التجاري وضد تسليع الموهبة، ودورنا سيقتصر على الدعم والانتاج الفني لمن سيقع عليهم الاختيار، ونحن اجمالاً لن نشجع على الانخراط في السوق التجاري بالنسبة الى مواهب الغناء أو العزف أو التمثيل، وسيكون دورنا هو الاعلاء من قيمة الفن، كمهنة ضرورية للمجتمع ينبغي ان تعامل بقدر من الاحترام مثل بقية المهن. ورهاننا هو خلق بيئة للحماية من هذا المناخ الاستهلاكي. وبطبيعة الحال، الفنان لا بد من ان ينظر اليه كشخص مسؤول وبالتأكيد هناك مواهب كبيرة استطاعت ان تحقق نجومية خارج هذا السوق السلعي، مثل زياد الرحباني ومارسيل خليفة، وهي مواهب عملت بشروطها الفنية على رغم كل شيء. وما هي المجالات الفنية التي ينشط في مجالها "المورد الثقافي"؟ - يعنى المورد الثقافي بالإبداع في مجالات السينما والمسرح والموسيقى والرقص والفنون التشكيلية والأدب. ويشجع التجارب الفنية التي تحاول المزج بين الفنون واستكشاف الحدود بين الأشكال الفنية المختلفة. ويرتكز برنامجنا على مجموعة محاور أساسية أولها الانتاج والتوزيع والتدريب، ويهدف الى توسيع قاعدة الانتاج الثقافي المستقل مع التركيز على أعمال الفنانين والأدباء الشبان. ويتم تحقيق هذا الهدف من طريق توفير منح انتاجية تقدم من خلال ترشيح مفتوح للجميع، ويصحب ذلك رعاية ادارية وانتاجية وتسويقية يقدمها المورد للأعمال التي يمولها ولغيرها من المشروعات المستقلة الصغيرة. ويقوم المورد أيضاً بتصميم برامج تدريبية تهدف الى سد احتياجات شائعة للفنانين الشبان والمجموعات المستقلة الناشئة، مثل ادارة المشروعات الثقافية الصغيرة. ويولي المورد أهمية خاصة لبدء حوارات بناءة مع ممثلي المؤسسات المانحة الدولية، الخاصة والحكومية، بهدف جذب انتباهها الى أهمية القطاع الثقافي المستقل. ويمثل حلم انشاء صندوق مستقل للفنون العربية الهدف البعيد المدى للمورد الثقافي. وسيقوم المورد بعد افتتاحه مباشرة بالدعوة الى حوار واسع حول هذه الفكرة يضم ممثلين لجميع المجموعات الثقافية المستقلة في المنطقة العربية، كما لن نتجاهل السياق الحضاري الذي نعمل فيه، اذ ستنظم المؤسسة حلقات حوار ونقاش حول القضايا الفنية والثقافية وعلاقتها بالمحيط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في البلدان العربية. وما هي مصادر تمويل مثل هذا المشروع الطموح؟ - بدأنا ونحن نعتقد ان ظروف بعض المجتمعات العربية قد تمكننا من الحصول على تمويل عربي في اقرب فرصة، وسنسعى الى بدء حوار مع مجموعة من رجال المال والاعمال العرب في الصيف المقبل، وغيرهم من "الممولين المحتملين" الذين في امكانهم تفهم رسالة المشروع شرط الحفاظ على استقلاليته. ونطمح الى ان نغطي نحو 20 في المئة من موازنتنا في السنوات الثلاث المقبلة من العالم العربي. وللعلم بدأنا بتبرعات مجموعة من اعضاء المجلس التأسيسي، ثم حصلنا على منحة من صندوق التنمية الثقافية التابع للسفارة الهولندية في القاهرة لانشاء مسرح وتجهيز مقر ملائم، ثم منحة من "مؤسسة سوروس" Open Society للأنشطة وبعض المصاريف الادارية. وتقدمنا اخيراً بطلب تمويل من "مؤسسة فورد" لاستكمال بقية الانشطة والمصاريف الادارية. وهناك تمويل مخصص من المؤسسة الثقافية الاوروبية لدعم برنامج تدريب على ادارة الفنون، واعداد اول دليل عربي في هذا الموضوع المهم. ولدينا الآن نحو 15 الف دولار مخصصة لتمويل منح هذا العام وهي موجهة الى مبدعي اربعة بلدان عربية: المغرب، الجزائر، السودان واليمن، وفي مجالات فنية وأدبية تتغير كل عام. وتراوح قيمة المنح بين 500 و5000 دولار، أو ما يقابلها بالعملات العربية. وما هو مفهومك للاستقلال؟ - هو عدم وجود تأثير مباشر لهيئات حكومية أو رسمية أو مؤسسات خاصة أو شركات تجارية في الداخل أو الخارج عربية أو أجنبية على خطط المركز وأنشطته. وما هو الموعد المحدد لبدء نشاطات المركز؟ - بدأنا فعلاً تلقي طلبات الحصول على منح وستنتهي المهلة المحددة لذلك في نهاية آذار مارس الجاري. ومع الاسبوع الاول من نيسان ابريل سيتم افتتاح المسرح المخصص للمركز. وسنستضيف فنانين من مورتيانيا والهند وكينيا والمغرب وفلسطين. وهناك عروض لموسيقيين مثل خالد جبران وكامليا جبران وسعيد شرايبي وبهيجة رحال والشيخ الحديدي. وهناك امسيات شعرية يقدمها سعدي يوسف جنوب افريقيا وبرايتن بريتنباخ جنوب افريقيا. وسنتضيف ابتداء من تشرين الاول أكتوبر مسرحية روجيه عساف "جنينة الصنايع" لبنان، ومسرحية "فلنتكلم بصمت" لعز الدين قنون تونس، في اطار برنامج "علامات" المخصص لتفاعل المبدعين الجدد مع فنانين راسخين.