"العلاج بالزيوت العطرية". قد تبدو العبارة غريبة بالنسبة للكثيرين، لكنها حقيقة، اذ اثبتت تلك الزيوت قدرتها على علاج الكثير من الأمراض وأكدت فاعليتها ابحاث كثيرة، قُدِّمت اخيراً في عدد من المؤتمرات. يعتمد العلاج العطري على استخدام الزيوت المستخلصة من أجزاء مختلفة من النباتات العطرية مثل الزهور والاوراق والفروع والجذور، واذ ثبتت قوة تأثير العطور في علاج الأمراض الفيروسية، فإن ذلك يفتح آفاقاً جديدة في علاج تلك الامراض التي غالباً ما نستعصي على العلاج بالأدوية التقليدية. الفراعنة اولاً تحدث الدكتور عز الدين الدنشاري استاذ قسم السموم في كلية الصيدلة في جامعة القاهرة، الى "الحياة" عن أساليب استخدام الزيوت العطرية والامراض التي تعالجها، وكذلك طرق تحضيرها ومحاذير استخدامها. وأكد أن تاريخها يرجع الى 4500 عام قبل الميلاد، وأول من استخدمها هم قدماء المصريين الذين وظفوها في أغراض التحنيط وعلاج الأمراض والتجميل ودونوا اهتمامهم بهذا النوع من العلاجات في النقوش التي حفروها على جدران معابد فيلة والدير البحري وادفو. وأضاف :"بعد المرحلة الفرعونية، استُخدم هذا النوع من العلاج في العصر الروماني إذ اهتم به العلماء اهتماماً كبيراً وجمعوا النباتات الدوائية، وصنفوها ودونوها في مراجع علمية تُرجِمَت في ما بعد الى اللغتين العربية والفارسية. ثم جاء العلماء العرب، وعلى رأسهم "الطبيب الشيخ" ابن سينا فاهتموا ايضاً بهذا النوع من العلاج اهتماماً لا يقل عمَّن سبقوهم. وبرعوا ايضاً في استخدام الزيوت الاخرى المستخلصة من النباتات في علاج الكثير من الأمراض. ولفت الى أن العلاج بالزيوت العطرية هو رافد من روافد استخدامات الطب البديل، ولأن كل رافد من هذه الروافد له ما يميزه، فلا يمكن أن يكون هناك علاج شامل لكل الأمراض. ويرى انه يجب ألاّ نُقارن هذا العلاج بغيره من أنواع العلاج بالطب البديل، ويمكن مقارنته بالادوية العادية. وبحسب رأيه، فقد تَبَيَّن مثلاً ان زيوت العطور تعالج الكثير من الامراض التي تسببها الفيروسات والميكروبات. ويعالج الطب الاكاديمي هذا النوع من الامراض بواسطة المضادات الحيوية. وتتميز الزيوت العطرية بأنها لا تسبب اعراضاً جانبية كتلك التي تسببها بعض انواع تلك المضادات، مثل انخفاض أعداد خلايا الدم البيضاء والانيميا. كما ثبت أيضاً ان استخدام الزيوت العطرية يساعد على تنشيط المناعة ضد الميكروبات، فضلاً عن التأثير الفاعل لهذه الزيوت ضد الفيروسات التي لا تؤثر فيها المضادات الحيوية عموماً. وتحدث عن طريقة استخدام الزيوت العطرية في العلاج وبيَّنَ انه لا توجد طريقة ثابتة للعلاج بها بل تستخدم عبر ثلاث طرق مختلفة هي الاستنشاق والاحتساء والتدليك. وبالنسبة الى الاستنشاق، يوضع الزيت العطري، مثل زيت الكافور الذي يستخدم في العلاج من السعال والبرد، في ماء مغلي موضوع في إناء صغير بمعدل 6 إلى 12 نقطة. يغطى الإناء بقطعة من قماش مع ترك مساحة صغيرة من دون تغطية لاستنشاق الأبخرة المتصاعدة، كما يمكن ايضاً وضع من 2 الى 3 قطرات من الزيت على منديل قماش أو ورق واستنشاقها. أما المريض الذي يعاني خروج روائح كريهة من فمه أو من آلام في الحنجزة او قرحات في الفم، فيُنْصَح بوضع نحو 3 الى 4 قطرات من زيت الشيح أو زيت شجرة الشاي في كوب من الماء الساخن ثم الغرغرة به. كما يمكن استخدام أنواع أخرى من الزيوت لتحضير غسول الفم مثل زيت النعناع او اليانسون أو الزعتر. الحروق والروائح والروماتيزم تستخدم بعض الزيوت في التدليك بهدف تنظيف الجلد وتنشيط الدورة الدموية ما يساعد على ارتخاء العضلات. وتساعد سخونة الحمام على سرعة اختراق الزيت للجلد وتنشيط الدورة الدموية. ومن امثلة الزيوت العطرية التي تستخدم في حمامات الزيت "حصى البان"، الذي يساعد بشكل فعال في إزالة الرواسب العالقة بالجلد. وتساعد الزيوت العطرية في القضاء على الاحساس بالاجهاد أو التوتر اذا استخدمت من طريق التدليك فتضاف 3 قطرات من زيت "المريمية" و3 قطرات من زيت "لافندر" و 3 قطرات من زيت "ماء الورد" وملعقتان من زيت "اللوز". يدلك الجسم بهذا المزيج، مع التركيز على المواضع المجهدة، فيخف الاحساس بالاجهاد أو التوتر. وينبه الدنشاري الى ضرورة حفظ الزيوت العطرية عموماً في زجاجات داكنة اللون حتى لا تفسد. وتحدث عن استعمال هذه الزيوت في علاج الحروق. وبيَّن ان زيت "لافندر" مفيد في هذا المجال، اضافة الى استخدامه ايضاً لإزالة رائحة العرق. وتمزج 10 قطرات منه مع 5 قطرات من زيت "القرفة" وتُضاف اليها ملعقتان كبيرتان من زيت "الحمام ميلس" او ما يطلق عليه باللغة الدارجة زيت "ساق الحمامة". وتستخدم الزيوت في علاج التهاب المفاصل والآلام الروماتيزمية إذ تُخلط ثلاثُ ملاعق كبيرة من زيت الخروع وعشرُ قطرات من زيت "الصفصاف" ومحتوى كبسولتين من زيت "السمك" وقطرتان من زيت "حصى البان" وقطرتان من زيت "العرعر". ويوضع الخليط على الجزء المصاب ثم توضع "كَمَّادة" ساخنة فوقه من 4 الى 6 مرات يومياً. وهناك وصفات عدة لعلاج آلام المعدة المختلفة منها على سبيل المثال استخدام زيت "الزعتر" في علاج الامراض الطفيلية التي تسببها الخمائر التي تستوطن في الامعاء اتكالاً على قدرة الزعتر على مقاومة الميكروبات. وفي تلك الحال، يدلَّك البطن بهذا الزيت. وبالنسبة الى علاج الغثيان ودوار السفر، توضع قطرة واحدة من زيت النعناع على اللسان كما يستخدم هذا الزيت نفسه لعلاج القولون العصبي. ونَبَّهَ الدنشاري من بعض الاعراض الجانبية لتلك الزيوت، خصوصاً عند استخدامها من غير الخبراء بها. وعلى سبيل المثال، فمن الممكن ان يعاني المريض حساسية نتيجة استعمال تلك الزيوت. وقد يسبب بعضها تسمماً في حال الافراط في استعمالها، مثل زيت "المريمية" الذي ثبت أنه يسبب التسمم اذا استخدم لعلاج متاعب سن اليأس عن النساء! وحَذَّرَ مرضى الربو من متاعب استعمال الزيوت العطرية، وخصوصاً اذا استخدمت من طريق الاستنشاق. "عند شعور المريض بأي تعب عند استنشاق تلك الزيوت عليه ان يتوقف فوراً عن استخدامها. اما الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم فلا يجب ان يستخدموا زيوت النعناع وحصى اللبان والمريمية والزعتر... ومن يعانون من انخفاض ضغط الدم، عليهم الابتعاد عن زيوت الكافور واللافندر". ونصح بعدم استعمال أي زيوت عطرية للمرأة الحامل، واثناء فترة الرضاعة إلا بعد التأكد من أنها لا تمثل أي خطر على الحمل او الجنين. وتشير الدراسات إلى أن الزيوت العطرية التي لا تمثل خطورة في حالات الحمل هي: الشيح الروماني، الزنجبيل، اللافندر وزيت شجرة الشاي.