أثارت تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون امس عن اصداره أوامر بإعداد خطط لاخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة في اطار تسوية نهائية موجةً من ردود الفعل في الحلبة السياسية الاسرائيلية. وفي غضون ذلك، عقدت الكتلة البرلمانية لحزب "ليكود" الذي يتزعمه شارون جلسة طارئة لمناقشة ابعاد هذه التصريحات عشية زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي لواشنطن في وقت تتهدده ملاحقات قضائية في المحاكم الاسرائيلية. أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون أنه اصدر أوامره ب"إعداد خطة لاخلاء 17مستوطنة" يهودية في قطاع غزة المحتل في اطار عملية "نقل مستوطنات تسبب المشاكل وفي مناطق لن نحتفظ بها ضمن التسوية النهائية". وقال شارون: "أنوي اخلاء، آسف، نقل التجمعات السكنية التي تسبب المشاكل وفي مناطق لن نحتفظ بها على اي حال في اي تسوية نهائية، مثل مستوطنات قطاع غزة". جاءت تصريحات شارون في اطار مقابلة اجرتها معه صحيفة "هآرتس" العبرية نشرت مقتطفات منها على موقعها في الانترنت وستنشر بالكامل اليوم الثلثاء. وأضاف شارون: "انا انطلق من فرضية ان اليهود لن يقيموا في غزة في المستقبل". واضاف: "عملية اخلاء هذه المستوطنات لن تكون مسألة سهلة. يجري الحديث عن 7500 مستوطن وآلاف الكيلومترات من الدفيئات الزراعية والمصانع وعن ثلاثة اجيال من المستوطنين، وعملية نقل هذا كله بحاجة الى وقت خصوصاً اذا كانت تتم تحت اطلاق النار"، في تلميح إلى أن عملية التنفيذ لن تكون في المستقبل القريب. وقال شارون في المقابلة التي اجراها معه الكاتب الصحفي المعروف يؤييل ماركوس انه يجب الحصول على "موافقة" المستوطنين على عملية الاخلاء. وعمد ماركوس في الآونة الأخيرة الى توجيه انتقادات لاذعة الى سياسة رئيس الوزراء الاسرائيلي كتب في احدها "خطاب استقالة" مفترضاً لشارون على خلفية اخفاقاته السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وفي رد على سؤال قال شارون انه ينوي "بالطبع" عرض خطته على الرئيس الاميركي جورج بوش خلال زيارته المقبلة لواشنطن التي سيصل اليها في نهاية الشهر الجاري او بداية آذار مارس المقبل، حسب مصادر صحافية اسرائيلية. وأوضح شارون: "بالتأكيد يجب ان تتم هذه العملية بموافقة الاميركيين ودعمهم. نحن بحاجة الى دعمهم". ورداً على سؤال هل ناقش مسألة "تمويل الولاياتالمتحدة لعملية الاخلاء" قال شارون ان هذه المسألة لم تبحث و"لكن سنضطر لمناقشة هذه المسألة معهم الاميركيين". وذكرت "هآرتس" ان شارون ينوي الاعلان رسميا عن تفاصيل "خطته" في بحر اليوم. وقلل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من اهمية تصريحات شارون وقال للصحافيين: "ان شارون يتحدث عن اخلاء 17 مبنى جاهز، ليقوم بعد ذلك باحضار 170 غيرها". وقال الوزير المسؤول عن شؤون المفاوضات الدكتور صائب عريقات ان الفلسطينيين لن يقفوا عائقاً امام اخلاء أي مستوطنات "لكنهم يخشون ان تكون تصريحات شارون لعبة إعلامية اخرى". وكان شارون عمد، عبر تاريخه السياسي، الى التشديد في خضم الحديث عن قطاع غزة على "ارتباط القطاع بارض اسرائيل" وتعهد في غير مرة ببقاء المستوطنين اليهود هناك. وخدمة لهذه النظرية، شن شارون خلال انخراطه العملي في الجيش الاسرائيلي عمليات عسكرية قاسية وواسعة النطاق ضد المقاومة الفلسطينية في غزة منذ اوائل السبعينات وحتى ايامه هذه. وفي وقت لاحق قال النائب الليكودي ياحائيل حازان ان شارون لم يقل خلال الاجتماع مع كتلة ليكود البرلمانية امس هل ستطبق خطته لاخلاء مستوطنات غزة فوراً ام تدريجاً وانما قال ان من المحتمل ان لا يبقى يهود في قطاع غزة. ونسب الى شارون قوله: "لا ادري ان كان الاخلاء سيحصل دفعةً واحدةً ام تدريجاً لكن مع مرور الوقت لن يكون من الصواب ابقاء مستوطنات يهودية في قطاع غزة". كما نقل عن شارون القول ان مستوطنات غزة تشكل "عبئاً امنياً". وكان "مجلس المستوطنات" اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كشف الاسبوع الماضي عن "صفقة" عرضها شارون عبر ممثليه على المستوطنين، تقضي بالحصول على موافقة هؤلاء المستوطنين على اخلاء عدد من المستوطنات اليهودية ذكر في حينه ان عدد هذه المستوطنات سبع، أربع منها في القطاع وثلاث في الضفة الغربية مقابل سن قانون يصادق عليه البرلمان الاسرائيلي الكنيست يحظر اخلاء اي مستوطنات اخرى قبل التوصل الى تسوية نهائية مع الفلسطينيين. وتراوحت ردود الفعل في الساحة الحزبية الاسرائيلية ما بين مشكك بصدق نيات رئيس الوزراء الاسرائيلي ومهدد إطاحة حكومته في أقرب وقت ممكن. وقال وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم انه لا علم له بخطة شارون، مشيرا في الوقت ذاته الى ان خطة كهذه يجب ان تنال موافقة الحكومة والكنيست على حد سواء. وقال شالوم للصحافيين في اعقاب مشاركته في اجتماع للجنة الخارجية والأمن في البرلمان الاسرائيلي ان شارون اكد انه لا ينوي القيام ب"خطوات احادية الجانب" الا في حال الوصول الى استنتاج انه لا مجال لتنفيذ خطة "خريطة الطريق" الاميركية. ونسب الى شالوم قوله ان "الخطوات الاحادية الجانب لن تقود الى تقليص الاحتكاك مع الفلسطينيين، ولذلك يجب الانتظار لرؤية ما اذا كان شارون يبلور خطة كهذه حقاً". وقال زعيم حزب "العمل" الاسرائيلي المعارض شمعون بيريز ان شارون "اوعز بإعداد خطة وليس بإخلاء مستوطنات ويمكن للتحضيرات ان تستغرق الكثير من الوقت". ورأى الامين العام للحزب نفسه اوفير بينس ان كل هذه التصريحات "ليست إلا خديعة كبرى. شارون قال الف مرة انه ينوي اخلاء مستوطنات ولكنه لم يخلِ حتى الآن حتى بؤرة استيطانية". واتهم بينس شارون بمحاولة "حرف انظار الرأي العام عن التحقيقات الجارية معه. لكنه لن ينجح. بات الحديث عن اخلاء مستوطنات أمراً يثير الشفقة... لا يمكن ادارة الدولة بالكلام فقط". وقال النائب الاسرائيلي في حركة "ميرتس" اليسارية انه "فيما لا توجد محاولات حقيقية لإخلاء البؤر الاستيطانية، علينا التعامل مع تصريحات شارون بعدم التصديق الكامل". من جهته، هدد "مجلس المستوطنات" اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة بالعمل على تقصير عمر حكومة شارون، وقال في بيان: "اذا سافر شارون الى واشنطن حاملاً خطة لاخلاء 17 مستوطنة، فسيفقد حقه الاخلاقي بقيادة السلطة". ودعا المستوطنون في قطاع غزة شارون الى "العودة الى مواقفه القديمة والجيدة وعدم الحاق كارثة جديدة بالشعب اليهودي". واتهم بعض رموز اليمين الاسرائيلي شارون ب"الجنوح نحو اليسار". يذكر ان رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحق رابين الذي اغتاله يميني متطرف اسرائيلي كان "تمنى" ان يفيق ذات يوم ويرى قطاع غزة "وقد غرق في البحر".