"يا نهار أزرق" "يا سنة سوداء"، "سكتك خضراء" "قلبه أبيض" وقائمة طويلة جداً من العبارات "الملونة" التي يستخدمها ملايين المصريين من كل الفئات والأعمار ليدللوا بها الى معانٍ أضحت معروفة ومتداولة عبر عشرات إن لم يكن مئات السنين. وقبل نحو ثلاثة عقود، وتحديداً حينما شدت سندريلا السينما المصرية الفنانة سعاد حسني باغنيتها "الحياة بقى لونها بمبي" أي زهري دخل هذا اللون الموسوعة الكلامية للمصريين ليعني كل ما هو مبهج ومثير للتفاؤل. وأصبح نعت الحياة بأنها "بمبي" من النعوت التي يستخدمها الفرد من دون تفكير. وقبلها أذنت نظارة الفنانة نادية لطفي السوداء في فيلم "النظارة السوداء" لبداية استخدام عبارة "يضع على وجهه نظارة سوداء" للدلالة الى التشاؤم وعدم الإقبال على الحياة، ومنها اشتقت عبارة "ضع نظارة وردية بدلاً من السوداء" وهي دعوة الى نبذ التشاؤم والتشجيع على النظر الى الحياة بمنطلق أفضل. وهناك من ينسى تلك الدعوة المتفائلة، لا سيما حين يفاجأ بحدث جلل أو تطور غير متوقع للأحداث، فنسمع عبارات مثل "يا سنة سوداء" أو "يا نهار أزرق" أو "يا نهار كوبيا" وجميعها للدلالة الى فظاعة ما حدث، وحينما تفتش المرأة في جيوب زوجها فتجد اثاراً لوجود أنثى أخرى في خيانة يكون رد الفعل الطبيعي "ليلتك سوداء". وهي غالباً تعني أن "حياته كلها ستكون سوداء" وليست الليلة فقط. وهذه العبارات باتت تترد على مسامع كل منا عشرات المرات، فمثلاً يفاجأ المواطن بأن كيلو اللحم تعدى سعره ال35 جنيهاً، فيقول: "يا نهار أسود" أو يصعق حينما يشتري رغيف الخبز الواحد ب30 قرشاً بعدما كان بخمسة قروش فيصيح "يا سنة سودا" قبل أن يقع مغشياً عليه. وقبل سنوات ليست بعيدة كان المثل الشعبي "القرش الابيض ينفع في اليوم الأسود" يستخدم لتأكيد أهمية التوفير، لكن استخدام المثل اندثر أو كاد بعدما أصبح "القرش" عملة تاريخية، وأوغل الكثيرون في فقر جعل الحديث عن "التوفير" أشبه بالمحال. وفي إطار مشابه تستخدم عبارة "سكتك خضراء" لحث المستمع على الانصراف "بالتي هي أحسن". فمثلاً استقل شخص سيارة أجرة ولم يعجب السائق المبلغ الذي تقاضاه، فيبدأ في الهمهمة الغاضبة، فيتركه الراكب بعدما يغلق الباب بعنف قائلاً "سكتك خضراء". واللون الأخضر لا يتوقف عند حدود "السكة"، لكنه يدخل الى القلوب، فيقال "قلبه أخضر" بمعنى أنه شخصية محبة لا تعرف الكراهية أو الحقد. كما يقال "قلبه أبيض مثل البفتة البيضاء" والبفتة نوع من القماش القطني ناصع البياض وتؤدي المهمة نفسها. ويقال كذلك في معاكسات الشارع اليومية: "أحبك يا أبيض" للفتيات بغض النظر عن لون بشرتهن. لكن للون الأبيض استخدامات أخرى ذات مدلولات سلبية، فيقال "أن دماغه بيضاء" للدلالة الى أنه لا يفقه من أمره شيئاً، أو "فلان ابيض" للدلالة الى إفلاسه. وبين الأبيض والأسود اللون الرمادي، وهو من الألوان التي تستخدمها ثقافات وشعوب عدة وليس حكراً على المصريين وحدهم. فيقول فلان "لست رمادي النزعة" بمعنى أنه شخصية لا تحب الحلول الوسط، فإما أبيض وإما أسود. واستخدمت المطربة لطيفة هذا المعنى في اغنيتها "كل شيء واضح" فتقول "أحب في غرامك، ألاقي كلامك محدد قصادي، يا أبيض يا أسود، لكن مش رمادي". ومن الألوان المستخدمة بكثرة في الثقافة المصرية اللون الأحمر. فيقال إن "فلان اضاء اللون الأحمر" للدلالة الى اشياء عدة، فهو إما يطالب الآخرين بالتوقف عند حد معين، أو يعلن غضبه مما يجرى، او أنه بصدد مغازلة فتاة أو سيدة، وهذا المعنى الأخير استغلته السينما المصرية كثيراً، فإضاءة النور الأحمر على باب المدير تعني أنه سينفرد بالسكرتيرة أو زائرة في مكتبه. أما التلويح باستخدام "العين الحمراء" فيكون للتهديد والوعيد. وتستخدم كذلك عبارة "أنا نابي أزرق" بمعنى "احترس ولا تنخدع في طيبة قلبي، فأنا قادر على الفتك بك". واحتفظ اللون الأصفر في القاموس المصري بدلالته المشتقة ربما من لغة الزهور، فإذا كان المحب يرسل الى محبوبته وردة صفراء ليقول لها انه يغار عليها، فوصف المصريين لشخص ما بأن "عينيه صفراء وحسادة" كناية عن حسده للآخرين لما يملكونه من نعم أو خيرات. ويقال أيضاً ان "فلانه ذات شخصية صفراوية" لتعني المعنى السابق كذلك. وحينما يقال: "يا دي النيلة" فهي الدلالة الى الغضب والضجر، وتستخدم في عدد لا حصر له من المناسبات الداعية الى الغضب. فقد يستخدمها تلاميذ المدارس اذا أعلن المعلم موعد الامتحان، او اذا طلب الرئيس من مرؤوسه زيادة عدد ساعات العمل، وهكذا. و"النيلة" عكس ما يعتقد كثيرون، فهي بمعناها المباشر ليست سباً، لكنها المادة الملونة في نبات النيل الذي تتأكسد وتزرق في الهواء، وتكتب "نيلين". وأخيراً، يقول المصريون إن "فلان لون" بمعنى أنه أنيق وذو أسلوب مختلف سواء في الشخصية أم المظهر، أو أنه "أتى بفعل لون" للدلالة الى أنه يتظاهر بما ليس لديه.