جيل جديد من رواد السفر سيطر على اروقة معرض السياحة والسفر "ديستينيشنز 2004" الذي اقيم في لندن الاسبوع الماضي. انه جيل المتقاعدين والمسنين الذين تخطوا سن الخامسة والستين... لا عجب اذاً ان تركز الشركات الاربعمئة المشاركة في المعرض على هذه المجموعة التي لم تعد تكتفي بالسفر الداخلي في بلدانها، بل اصبحت تحط رحالها حول العالم، تماماً مثل المسافرين الشبان ذوي الميزانيات المحدودة. عشرات الافكار والاقتراحات الجديدة تأخذ الزائر الى مناطق بعيدة جداً عن وجهات السياحة المعهودة. فبدل دول اوروبا الجنوبية المتوسطية وطقسها الحار صيفاً، اقتراحات جذابة لزيارة جزر السيشل والمالديف وصولاً الى استراليا ونيوزيلندا، بأسعار منخفضة جداً تجعل الزائر يتساءل عن سبب وصول الأثمان الى حد المعقول والمقبول، بعدما كانت شبه مستحيلة او ما فوق ميزانية الكثيرين. كما ان الترويج للسياحة البيئية في ادغال اميركا الجنوبية وبعض مناطق جنوب شرقي آسيا وافريقيا، او الاسترخاء في منتجعات الصحة في ايطاليا ومصر ومالطا تطغى على اجنحة المعرض بشكل واضح، وكأن منظمي المعرض يوجهون رسالة تقضي بالابتعاد عن وجهات السفر التقليدية، وان كان الامر ليس مقصودا. وتتجاذب الزائر اقتراحات وافكار لعطلات فخمة على متن احدث السفن العابرة للمحيطات، ورحلات بالقطار حول اوروبا ومنها الى آسيا عبر شرق روسيا، وصولاً الى التنقل بالحافلات باسعار اقل. كل هذا موجود في مئات الكتيبات والمنشورات المصحوبة بصور خلابة بتوزعها على الزائر مضيفات الاجنحة بابتساماتهن العريضة. واذا كان المعرض لقي شعبية اضحة لدى فئة المتقاعدين، غير ان الفتور في الحضور العام شابه في يوميه الاولين. وتحسن حضور نسبة الزوار من الشبان خلال عطلة نهاية الاسبوع. كل هذا في واد، والمخاوف الأمنية في واد آخر... فعالم السياحة والسفر من اكثر المجالات تأثراً بتداعيات التغييرات السياسية والحروب والعنف وهاجس الامن على متن الطائرات والمطارات وعودة بعض الدول الى فرض نظام التأشيرة السياحية، اضافة الى نظام التأشيرات الجديد في الولاياتالمتحدة الذي يتطلب أخذ بصمات المسافر وصورته، مما جعل العديد يمتعضون من هذا الاجراء. كما ان التفتيش الدقيق عند نقاط الحدود يعيق الى حد ما حرية التنقل، ويتسبب بمضايقات يعتبر المسافر العادي انه بغنى عنها. ويعترف لي ماسترز، مدير معرض "ديستينيشنز"، ان القلق ساور المنظمين ازاء تأثر السوق البريطانية تحديداً بالاحداث العالمية الاخيرة. وقال ان دراسة مفصلة اجراها المنظمون السنة الماضية حول ما اذا كان الارهاب او مرض الالتهاب الرئوي الحاد سارس اثرا في التنقلات السياحية اظهرت ان خمسة وسبعين في المئة من البريطانيين لم يتأثروا، وهم مستمروة بالسفر الى الوجهات التي يريدونها اينما كانت والاقامة فيها بشكل طبيعي. كما اعتبر دايفد كلوفر مدير رابطة حماية المستهلك البريطانية قطاع السياحة ان سوق السياحة في بريطانيا افضل مما كان الجميع يتوقعها حيث ان المبيعات تتراوح بين ثلاثة وعشرين واربعة وعشرين مليون جنية سنوياً. ويبدو ان المسافر وصاحب شركة السفر او الفندق اصبحا يتعايشان مع واقع الهاجس الامني. فمعظم المسافرين في الغرب هم من الذين تعودوا قضاء عطلة او اثنتين كل عام بعيداً عن اوطانهم، ويعتبرونها بمثابة الاستراحة الحقيقية التي ينتظرونها طيلة السنة، لذلك فهم يتجاهلون هذه الاحباطات وان كانت التهديدات حقيقية احياناً. لكن التحدي الأكبر الان لا يكمن في المخاوف الامنية بل في ما يعتبره المحللون السياحيون خطراً حقيقياً من انتشار الامراض مثل السارس وانفلونزا الطيور وغيرهما الى حد الوباء، وهذا ما قد يضرب بشكل موجع بعض الاسواق السياحية الأسيوية... ولعل ابرز المتضررين هي الدول الوافدة حديثاً الى ساحة السياحة، بعد طول غياب او تغييب، مثل فييتنام التي حاول القائمون على جناحها تبديد المخاوف من انفلونزا الطيور، ووصفوها بأنها حالات معزولة لا بد وان تعالج بسرعة. واذا كانت فييتنام تنتظر الفرج، فإن مناطق جديدة نسبياً على لعبة السياحة مثل ارخبيل الآزور البرتغالي وجزيرة ايسلندا في شمال المحيط الاطلسي، ومجموعات كبيرة من جزر المحيط الهادئ الحالمة والتي كانت تعتبر بعيدة المنال لبعدها الجغرافي او تقلب مناخها، اصبحت محط انظار المسافرين الذين يريدون الابتعاد عن وجهات السفر التقليدية.