أعلنت الخرطوم أمس سحق التمرد في ولايات دارفور وعرضت عفواً عاماً عن المتمردين الذين يلقون السلاح خلال شهر. ودعت الى مؤتمر للسلام والتنمية. لكن جماعات المتمردين ردت بنفي فقدانها السيطرة على مناطق المعارك واشترطت عقد مؤتمر باشراف دولي لحل أزمة دارفور، وهو أمر ترفضه الحكومة السودانية. أعلن الرئيس السوداني عمر البشير أمس انتهاء العمليات العسكرية في ولايات دارفور الثلاث في غرب البلاد. وقرر العفو العام عن كل من حمل السلاح إذا سلم نفسه خلال شهر، وعقد مؤتمر للسلام والتنمية، الأمر الذي رفضه المتمردون "جملة وتفصيلاً". ودعا زعيم حزب الأمة الصادق المهدي الحكومة إلى إعلان وقف النار لمدة ثلاثة أشهر وتشكيل منبر قومي لحل المشكلة، في خطوة فسرت بأنها في إطار تنسيق لإيجاد حل سياسي سوداني يستبق مساعي تدويل الأزمة. وقال البشير في بيان وزعه القصر الرئاسي أمس، إن قواته تسيطر تماماً على مسارح العمليات في ولايات دارفور، وهي مستعدة لردع كل من يزعزع أمن المواطنين. وأعلن العفو العام عن كل من حمل السلاح في دارفور على أن يسلم نفسه خلال شهر إلى أقرب وحدة عسكرية أو مركز شرطة. ووجه وزارة العدل باتخاذ الترتيبات اللازمة. ووجه البشير الجيش والأجهزة الأمنية لاتخاذ الترتيبات اللازمة لضبط حيازة السلاح في دارفور من الأفراد والمجموعات حتى يكون السلاح بيد الجيش أو تحت اشرافه المباشر. وقرر تشكيل لجنة قومية لإعادة بناء النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي. ووجه الدعوة إلى أبناء دارفور لعقد مؤتمر جامع للتنمية والسلام والتعايش "تتسع فيه المشاركة للجميع ولا يُستثنى أحد من أولئك الذين شملهم العفو"، وتعهد رعاية المؤتمر وتنفيذ توصياته. وفسرت مصادر رسمية تحدثت إليها "الحياة" إعلان البشير انتهاء العمليات العسكرية قراراً غير معلن بايقاف العمليات العسكرية وليس إعلاناً لوقف النار حتى يحتفظ الجيش لنفسه بحق الرد والدفاع عن نفسه في حال تعرضه إلى هجوم. وأكدت أن الحكومة تتجه إلى حل أزمة دارفور سلماً بعد أن كسبت العمليات العسكرية. وفي خطوة متزامنة بدا أنها باتفاق مع الحكومة، دعا رئيس الوزراء السابق زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي في مؤتمر صحافي عقده في مقر اقامته أمس الرئيس البشير إلى إعلان وقف النار من جانب واحد لمدة ثلاثة أشهر في دارفور وإعلانها منطقة كوارث. واقترح تشكيل منبر سياسي جامع تشارك فيه القوى السياسية الرئيسية في الحكم والمعارضة والفصائل العسكرية في دارفور "حركة تحرير السودان" و"حركة العدالة والمساواة" و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" بزعامة جون قرنق وشخصيات قومية خلال أسبوعين وتفويضه حل مشكلة دارفور في غضون ثلاثة أشهر. وتعهد المهدي الحصول على موافقة كل هذه الأطراف خلال 72 ساعة في حال أعلن البشير وقف النار، وحذر من أن التصعيد العسكري والأمني لن يحسم الأزمة. ورأى أن مشكلة دارفور إذا لم تعالج ستقود إلى حرب أهلية وتمزيق البلاد، نافياً مشاركة أي من أعضاء حزبه في الحرب إلى جانب المتمردين. إلى ذلك، رفضت الحكومة المشاركة في لقاء دعا إليه مركز الحوار الإنساني السويسري أطراف النزاع في دارفور في منتصف شباط فبراير الجاري في جنيف، على رغم إعلان ثلاثة فصائل من دارفور موافقتها على المشاركة. وقال وزير الخارجية الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل للصحافيين أمس إن حكومته أبلغت ممثل المركز في الخرطوم أول من أمس رفضها المشاركة في اللقاء. واستبعد أن ينعقد في ظل غياب الحكومة. وكان المركز يأمل في التوصل إلى اتفاق لوقف النار في دارفور لاغراض إنسانية. ورأس اسماعيل أمس اجتماعاً ضم 13 منظمة إنسانية في حضور السفير الهولندي في الخرطوم، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، والسفير البريطاني ممثلاً للمانحين. وأعلن أن حكومته ستفتح الاثنين المقبل ممرات آمنة لنقل الإغاثة في دارفور. واتهم مفوض العون الإنساني الدكتور سلاف الدين صالح المجتمع الدولي بالتقصير في تحمل مسؤولياته تجاه أكثر من مئة ألف لاجئ سوداني فروا إلى تشاد من العمليات العسكرية في دارفور. وفي اسمرا، اعلنت "حركة تحرير السودان" التي تنشط في غرب البلاد رفضها التام للمبادرة التي طرحها الرئيس البشير. وطالبت الخرطوم ب"ترك الاكاذيب والدخول في حوار جاد برعاية دولية"، متهمة الحكومة بحرق 18 قرية امس واستمرار القتال العنيف في دارفور. واكد رئيس الحركة المحامي عبدالواحد محمد نور في اتصال مع "الحياة" عبر الاقمار الاصطناعية: "ان الحركة ترفض مبادرة البشير جملة وتفصيلاً". وقال: "ان الحكومة تريد ايهام الرأي العام المحلي والدولي بانتصارات كاذبة وبحسم الاوضاع في دارفور لمصلحتها"، مشيراً إلى "استمرار القتال". وقال: "خلال المعارك الاخيرة في شهرين استولينا على 300 آلية عسكرية تحت سيطرتنا وقتلنا اكثر من 4 آلاف جندي ونحتفظ بمعظم مواقعنا ولا يمكن ان نضع السلاح ما لم نصل الى حل عادل ونهائي". وطالب الخرطوم ب"ترك الاكاذيب والدخول في حوار عبر منبر دولي محايد بدل اطلاق الاوهام بحسم التمرد". واشار نور الى تمسك الحركة بشروطها لأي حوار مع الخرطوم وذلك عبر منبر دولي ورقابة دولية والسماح بوصول الاغاثة الى المتضررين عبر مسارات آمنة وتجريد الميليشيات من اسلحتها. وفي القاهرة أ ف ب نفى متحدث باسم حركة تمرد في دارفور ان يكون الجيش السوداني فرض سيطرته التامة على هذه المنطقة كما اعلن الرئيس البشير. وصرح العقيد عبدالله عبدالكريم الناطق العسكري باسم "حركة العدالة والمساواة ان "هذه الانباء غير صحيحة وما زلنا نحتفظ بمواقعنا في دارفور خصوصا في جبل ا لمرة وجبال مون". واضاف في اتصال هاتفي اجري معه من القاهرة انه هو نفسه يتحدث من جبل مرة. يذكر ان حركة العدالة والمساواة واحدة من ثلاث حركات تمرد تقاتل منذ شباط فبراير 2003 ضد القوات الحكومية في دارفو. والحركتان الاخريان هما حركة تحرير السودان والتحالف السوداني الديموقراطي الفيديرالي. وقال العقيد عبدالكريم ان حركته "تلتزم هدنة من جانب واحد منذ اسبوع لأسباب انسانية"، خصوصاً للسماح للسكان الراغبين في النزوج بمغادرة مناطق المعارك. واكد ان "حركته انسحبت من مدن وبلدات تقع على الحدود مع تشاد، خصوصاً الجزء السوداني من مدينة الطينة "منذ اسبوعين" وهي البلدات التي اكدت القوات الحكومية انها سيطرت عليها. يذكر ان تشاد قامت بوساطات انتهت الى التوصل الى اكثر من اتفاق لوقف النار ولكن كان يتم خرقها. وتكثفت المعارك في دارفور منذ فشل جولة ثالثة من المفاوضات في 16 كانون الاول ديسمبر 2003 في العاصمة التشادية. واسفرت المعارك بين المتمردين والجيش السوداني عن سقوط حوالى ثلاثة آلاف قتيل كما ادت الى نزوح حوالى 760 ألف شخص داخل السودان و100 الف آخرين الى تشاد.