تستقبل الكويت عاماً جديداً يتوقعه اصحاب القرار بكثير من التفاؤل على الصعيد الاقتصادي استمراراً لموجة تفاؤل عارمة عمت البلاد بمختلف قطاعاتها منذ اليوم الاول لسقوط نظام الحكم السابق في بغداد. واذا كان من سمة خاصة لسنة 2005 فانها ستكون، بحسب الكويتيين،"سنة المشاريع العملاقة". واكدت غرفة التجارة والصناعة استناداً الى احصاء قيمة جملة المشاريع المطروحة ان الاستثمارات العامة تُقدّر بنحو 50 بليون دولار للسنوات العشر المقبلة، سيُطرح الجزء الأكبر منها سنة 2005 . ومن هذه المشاريع التي ستُطرح خلال السنة المقبلة مشروع تطوير حقول الشمال الى جانب اطلاق ميناء بوبيان وترسية المرحلة الاولى من خطة تطوير جزيرة فيلكا فضلاً عن مشاريع بتروكيماوية ومحطات كهرباء وماء جديدة وبناء مصفاة نفط رابعة وتحديث مرافق الانتاج والتكرير النفطي القائمة. وفي التفاصيل: 1- انجزت الحكومة مشروع قانون تطوير حقول نفط الشمال على الحدود مع العراق واحالته الى مجلس الامة متوقعة اقراره في الربع الاول من سنة 2005. وتقدر قيمة الاستثمارات في هذا المشروع بنحو 7 بلايين دولار. 2- تعلن شركة نفط الكويت في الربع الاول من السنة ايضاً اسماء الشركات الفائزة بمشروعي مرافق التخزين والتصدير وتحديث منشآت الانابيب رفعها من تحت الارض الى فوقها حيث ان افضل الاسعار تشير الى كلفة 1.8 بليون دولار للمشروعين. 3- تنطلق خلال السنة ورشة مشروع"ايكويت 2"وهو مشروع بتروكيماوي، وذلك بسرعة اكبر من تلك التي كانت متوقعة بعد تأمين التمويل قروض واسهم في الربع الاخير من 2004 علماً أن"ايكويت -1"تقدر كلفته بنحو 6 بلايين دولار ويقام بشراكة مع"داو"العالمية. 4- ستتم في آب اغسطس 2005 ترسية المرحلة الاولى من تطوير جزيرة فيلكا سياحياً باستثمارات مقدرة بنحو 3.3 بليون دولار من اصل اكثر من 6 بلايين لكامل المشروع بمرحلتيه. 5- يبدأ اواخر سنة 2005 تنفيذ مشروع ميناء بوبيان بكلفة اجمالية تقدر بنحو 1.16 بليون دولار. 6- ستُبرم الكويت في الشهور القليلة المقبلة اتفاقات جرّ الغاز مع العراق وذلك على مرحلتين بكلفة اجمالية تصل الى 800 مليون دولار يتحمل الجانب الكويتي منها نحو 462 مليوناً. والخطة تقضي بجرّ 200 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز العراقي"الغني". 7- سنة 2005 ستكون حافزاً لمزيد من المشاريع للقطاع الخاص لا سيما في قطاعات لطالما كانت حكراً على الدولة مثل السكن. وابرز المشاريع التي سيُطلق تنفيذها في النصف الاول من 2005"مشروع عريفجان السكني"وكلفته نحو بليوني دولار على مساحة 35 مليون متر مربع 11 ألف وحدة سكنية مع مرافق خدمية وترفيهية وتجارية في ما يشبه المدينة المتكاملة. 8- ستشهد سنة 2005 بداية تخصيص الهاتف الثابت على ان تكون العملية على مراحل عدة تستغرق سنوات، وتترقب الحكومة عائداً من هذا القطاع تعتبره ثاني اكبر عائد بعد النفط. 9- تدشين الحكومة الالكترونية في شباط فبراير المقبل في مشروع طموح يضم مؤسسات ووزارات الدولة كافة. 10- ستتم ترسية مشروع جسر الصبية الذي يربط الكويت بجزيرة بوبيان في النصف الثاني من 2005 بكلفة 1.5 بليون دولار. 11- اطلاق شراكة الموانئ القائمة مع شركات ادارة عالمية في ما يشبه التخصيص الجزئي لهذه المرافق. 12- توسعة المطار وبناء مطار خاص للشحن في موازاة فتح تراخيص تأسيس شركات طيران خاصة والسعي الى فتح الاجواء. 13- ستتم ترسية عدد كبير من مشاريع البنية التحتية والفوقية الاخرى مثل محطات توليد الطاقة وتحلية المياه وتوسعة شبكة الطرق والصرف الصحي... في انفاق يُرصد له في الموازنة العامة المقبلة 2.7 بليون دولار. يشير خبراء اقتصاد ومال الى ان خطة وحدة هذه المشاريع اكثر من طموحة الى حد يمكن ان تكون فيه غير محسوبة جيداً وذلك بالنظر الى عوامل عدة، ابرزها الآتي: أ في الوقت الذي يكثر فيه اطلاق المشاريع في مؤتمرات صحافية صاخبة يتواجه مجلس الامة البرلمان في صراع يتناول"الاولويات". وفي بلد مثل الكويت يأخذ هذا الصراع ابعاداً لا علاقة لها بالجدوى الاقتصادية لهذا المشروع او ذاك، بل بالاحجام السياسية لكل طرف. وخير مثال على ذلك مشروع تطوير حقول الشمال الذي يجرّ ذيول خيبة التأجيل منذ 4 اعوام على الاقل لاسباب كثيرة ابرزها المخاوف من دور الشريك الاجنبي في هذا المشروع. ب في ادراج مجلس الامة اكثر من 21 مشروع قانون ترى الحكومة بأنها بأمسّ الحاجة لاقرار معظمها سنة 2005 حتى تتمكن من اطلاق ورشتها"العملاقة"في الاصلاح والتحديث. ومن بين تلك التشريعات"النائمة"ما يتعلق بالتخصيص والضريبة، وتحديث قانون الشركات، وتحديد الرسوم والتكاليف مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة والمناقصات وتحويل"مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية"الى شركة مساهمة عامة، وتحديث قانون العمل وتنظيم الوكالات التجارية. كما ان هناك تشريعات تأخرت الحكومة نفسها في انهاء اعدادها مثل تنظيم عمليات الاستثمار بنظام BOT وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وقانون التجارة الالكترونية الخ... ويؤكد خبراء اقتصاديون ان جزءاً لا يستهان به من المشاريع المبرمجة لسنة 2005 وما بعدها بحاجة الى عدد من تلك التشريعات والا فستتأجل مرة اخرى كما هي الحال منذ اعوام عدة. وخير مثال على ذلك تعديل قانون الضريبة الذي يفرض نسبة 55 في المئة على المستثمر الاجنبي حيث ان عدداً من المشاريع العملاقة بحاجة الى شريك اجنبي جاء واستطلع الفرص وابدى رغبته بالمشاركة رابطاً ذلك بتعديل قانون الضريبة. كما ان هناك مشاريع وُضعت ليأخذ القطاع الخاص المحلي دوراً في ادارتها وتشغيلها واستثمارها الا ان في ذلك استحالة في ظل غياب قانون للتخصيص وكذلك الامر بالنسبة الى تشريعات مثل قوانين الشركات والمناقصات المعمول بها منذ 40 سنة من دون تعديلات وباتت بنودها لا تتناسب في اي حال من الاحوال مع ما ترمي اليه الحكومة من حداثة وعصرنة في الاستثمار والانفاق الرأسمالي. ج تتلكأ الحكومة في الحلول الجذرية لمشاكل البيروقراطية، في الوقت الذي تؤكد فيه غرفة التجارة ان دورة للمشاريع في الكويت تُعد بين الاطول في المنطقة والعالم. وهذا ما اكده تقرير حديث للبنك الدولي مشيراً الى ان تسجيل الشركات في الكويت يتطلب 35 يوم عمل و13 اجراء في المتوسط العام. علماً أن التقرير يبيّن ان كلفة انجاز الاجراءات، نسبة من الدخل الوطني للفرد في المئة هي في الكويت بين الادنى عربياً... ما يدل على ان قدرة الكويتي الشرائية عالية لكن كفاءة قطاعه العام متدنية في ما يشبه المعضلة المعروفة بالبيروقراطية المستفحلة في الكويت. د لا تزال اجراءات دخول البلاد معقدة نسبياً، اذ ان غرفة التجارة تكثّف مساعيها مع وزارة الداخلية لتسهيل دخول رجال الأعمال على الأقل لأن مشاريع كثيرة بحاجة لخبرات أجنبية. ه - تعقيدات دعم العمالة الوطنية لجهة النسب المفروضة في بعض المهن والقطاعات والغرامات المفروضة على الشركات غير المستوفية لتلك النسب. وكل ذلك في ظل عدم توافر عمالة وطنية ماهرة في عدد كبير من تلك المهن والقطاعات. وعلى سبيل المثال فرضت الحكومة في مشروع تطوير حقول الشمال نسبة عمالة وطنية لا تقل عن 60 في المئة على الشريك الأجنبي الالتزام بها وزيادتها سنوياً، كأحد أبرز شروط عقد التشغيل والاستثمار! ز - هناك تأخير في تشريعات لازمة لاكتمال عضوية الكويت في منظمة التجارة الدولية في 2005. ومن تلك القوانين المطلوبة فتح المجال للأجانب في دخول المناقصات الحكومية وخفض شروط الأفضليات المفروضة لشراء المنتج المحلي في العقود الحكومية، فضلاً عن قوانين تعزيز المنافسة ومكافحة الاحتكار وغيرها من التشريعات الانفتاحية المطلوبة للعضوية في منظمة التجارة. تبقى الاشارة أخيراً إلى جملة متناقضات كويتية ستكون سنة 2005 مفصلاً في حل معضلاته. ففي الوقت الذي تتصدر فيه الكويت الدول العربية الأخرى من حيث التصنيفات السيادية، نجد أن الاستثمار الأجنبي يكاد يكون معدوماً في الكويت. والتصنيفات السيادية التي تحظى بها الكويت حالياً هي: A+ من"كابيتال انتلجنس"وA+ من"ستاندر واندبورز"وA2 من"موديز"وAA- من"فيتش". ومع كل هذه الملاءة، لا تزال البلاد، عملياً وتشريعياً، غير مهيأة بعد لاستقطاب استثمارات أجنبية على شاكلة دبي والبحرين ولبنان ومصر والمغرب وتونس، علماً أن تصنيفات بعض تلك الدول أقل من درجات الكويت بكثير. ومن المفارقات الكويتية قضية الفساد التي باتت الشغل الشاغل للمحافل العامة والخاصة وحديث الدواوين، وذلك بعدما نشر جهاز خدمة المواطن جهاز حكومي تقريراً مطولاً عن ممارسات تشبه تلك الموجودة في"جمهوريات الموز"الافريقية الموصوفة بالاستهتار بالمال العام. ويسأل المراقبون عن سر تفشي هذه الظاهرة في بلاد تحكمها آليات دستورية وفيها أجهزة رقابة باتت من ثقافة البلد المؤسساتية. وما زاد الأمر سوءاً صدور تقرير منظمة الشفافية الدولية قبل أشهر قليلة وفيه أن وضع الكويت ازداد فساداً، حيث فقدت البلاد 3 درجات تراجعاً قياساً ببلدان أخرى عربية أحرزت تقدماً في مكافحة الفساد. وكان جهاز خدمة المواطن كشف تجاوزات تطال المال العام ووضع يده على ممارسات الواسطة والمحسوبية وتدخل السياسيين حيث لهم مصلحة، وإلى ما هنالك من مظاهر الفساد والتسيب الإداري، الأمر الذي دفع الحكومة لوضع مكافحة هذه الظاهرة في رأس سلم أولوياتها، وهي بذلك اتفقت مع مجلس الأمة في مرة من المرات القليلة التي يتفق فيها الطرفان، على أولوية مشتركة.