لا يولد الكذب مع الطفل ولا يتكون بالفطرة وانما هو قبل كل شيء عادة سلبية مكتسبة تنمو في كنف العائلة وتترعرع في المدرسة وتنتشر مع الممارسة اليومية لدرجة تصل الى حد التباهي به على غرار القول الشائع "الكذب ملح الرجال". والبواعث على الكذب عديدة لا تحصى ومجاله الحيوي يطاول الجميع صغاراً وكباراً. فقد يكون الكذب تبريراً لخطأ او تجنباً لعقاب او مساءلة او تهرباً من تقصير او اهمال او مبرراً للانتقام من الغير احياناً او حباً بالمبالغة المفرطة التي تلامس حدود الكذب. فهو اذاً لا ينشأ من فراغ وانما يجد أرضية خصبة لتبريره في كل زمان ومكان. والأهل هم الذين يبدأون رحلة الكذب مع اطفالهم كالقول "غير موجود" اذا ما سأل عنهم سائل. والواقع ان لائحة الكذب طويلة ولا يفلت منها الا القليل ممن نشأ على الصدق والصراحة والجرأة في القول والاعتراف بالخطأ. ويبلغ الكذب مداه عند المراهقين والشباب في غرف التحادث الالكترونية التشات. ففي هدأة الليل وفي غياب الاهل او انشغالهم، يتحين هؤلاء الفرصة ليختلوا بجهاز الكومبيوتر المتصل بالانترنت بحثاً عن موقع يجدون فيه من يأنسون له وهو غالباً من الجنس الآخر. هكذا يجدون انفسهم احراراً بلا حسيب ولا رقيب على اقوالهم و كتاباتهم وعلى كل ما تجود به مخيلاتهم من فنون الكذب على انفسهم قبل غيرهم. يتنقلون من فتاة الى اخرى الى ان يصطادوا الفريسة السهلة التي تقع في شباكهم . فبعد التمهيد للتعارف بين المتحادثين وفقاً لتقاليد التشات المتداولة، يكشف الواحد للآخر عن اسمه وعمره وجنسه وجنسيته وصفاته وأصله وفصله وقد تكون جميعها معلومات كاذبة، ويستطردان في الحديث من موضوع الى آخر وينغمسان اكثر فأكثر في لعبة التفاصيل المملة التي تستغرق احياناً ساعات وساعات من دون ملل او ضجر الى ان ينتشي الطرفان بعذوبة الحب الافتراضي ويقفل كل منهما الحديث بتحديد موعد قد ينتهي بكلمة "باي"، الى غير رجعة او يتكرر الحديث امعاناً في التمادي بلعبة الكذب حتى منتهاها او الى ان يبين الخيط الابيض من الخيط الاسود وينقلب السحر على الساحر. تضج مواقع الانترنت باعتراف العديد من المراهقين والمراهقات الذين يقعون ضحايا من يحترفون فنون الكذب الالكتروني. والفتيات هن في غالبية الاحيان الاسوأ حظاً لكثرة ما يغدق عليهن من الاطراءات والعواطف والكلام المعسول والتلاعب بمشاعرهن. ويكشف بعضهن ان قبولهن المشاركة مع احد الاشخاص لا يعدو كونه للتسلية حيناً او لإضاعة الوقت حيناً آخر. وفي مقابلات مع بعض المراهقين والشباب من الجنسين للوقوف على آرائهم في ممارسة الكذب وحدوده وآثاره، أشار وسيم منصور 17 سنة الى "انني الجأ احياناً الى الكذبة البيضاء التي لا تؤذي احداً وغالباً من قبيل التباهي وحب الظهور وإرغام الأصدقاء على الاصغاء الى ما اقول". اما سام حب الله 20 عاماً فقال: "نشأنا على الكذب منذ نعومة اظفارنا. وعشنا وتعايشنا معه في علاقتنا مع الآخرين. والحقيقة ان كلاً منا يتكاذب مع الآخر ويتذاكى عليه حتى اصبح الرياء والخداع من ملحنا اليومي والكل في النهاية يكذب على الكل". من جهتها رأت آمال زيدان 16 عاماً انها لا تتورع عن استخدام الكذب اذا "وجدت فيه مصلحة لنفسي كأن اختلق عذراً لعدم الاشتراك بامتحان صعب او اخفاء بعض الأمور عن أهلي كالذهاب الى السينما او التكلم مع بعض الأصدقاء على الهاتف او عبر الانترنت".