قد يكون فريق إعداد برنامج "مايسترو" الذي يعرض على شاشة "نيو تي في" اللبنانية ويقدمه نيشان ديرهاروتيونيان، عرف جيداً أهمية البرامج الحوارية في زحمة المسلسلات التي تميز شهر رمضان المبارك وتحتل موقع الصدارة على شاشة التلفزيون. وسط تلك الزحمة، تطل البرامج الحوارية، الفنية والاجتماعية وحتى السياسية، لتشكل متنفساً لمشاهد أصيب بتخمة المواقف الدرامية ولم يعد يميز بين مصائب لقاء يسرا ونكبات زينات نادية الجندي، وصدمات عشتار أمل عرفة... عرف برنامج "مايسترو" كيف يغتنم تلك الفرصة، لذا أضفى فقرات جديدة لم يسبق لأي برنامج حواري أن قدمها، يطل فيها نيشان كمعالج نفسي وقاض ومحاور. استطاع المسؤولون عن البرنامج أن يخلقوا تميزاً حين عرفوا كيف يبرزون صورة جديدة - إذا لم نقل مغايرة أحياناً - عن الفنان الضيف. لذا ترى المشاهد يتسمر مراراً أمام الشاشة بغية التعرف الى جوانب خفية من شخصية الضيف أو الاستماع الى أجوبة جديدة بعيدة من تلك الاستهلاكية التي حفظ الضيف والمشاهد أجوبتها عن ظهر قلب. النقطة الثانية التي ميزت "مايسترو" عن غيره، كانت اختيار الضيوف المدعوين إلى عيادة نيشان وغرفة المحاكمة. حاول القيمون على البرنامج استضافة شخصيات تتمتع بتاريخ طويل وتجارب لافتة من الممتع نقلها إلى المشاهد المتابع. بين تلك الحلقات التي سجلت تميزا ولاقت استحسان الجمهور كانت حلقات أصالة ومادونا ونانسي عجرم، فنانات يتمتعن بأسلوب فني مختلف وطريقة تفكير مختلفة. ربما تكون حلقة أصالة هي الأفضل في البرنامج، وواحدة من أهم اللقاءات التي أجرتها المطربة خلال مسيرتها الفنية. برزت من خلال تلك الحلقة مهارة فريق الاعداد وحكمة نيشان، واعتماده سياسة "لكل مقام مقال". وبدا هادئاً غير هجومي، وكان مطواعاً في التعامل مع استراتيجيتها المسالمة الجديدة. في الحلقة كانت أصالة سيدة الموقف. عرفت كيف تبرز تلك الجوانب الخفية في شخصية استثنائية، قست عليها الحياة، إذ صارعت المرض وانتصرت عليه، وعانت من توتر علاقتها الزوجية. كما عرف القيمون إبراز تلك الصورة فابتعد نيشان عن الأسئلة الحرجة التي أوقعت أصالة في مشاكل سخيفة أحياناً... كما انه لم يستفد من صراحتها المعهودة وبعدها عن "فذلكات" الساحة الفنية و"بروتوكولاتها". غرقت أصالة في متاهات تظهرها مرة متكبرة، ومرة أخرى ثرثارة، وتشعل نار الغيرة بينها وبين فنانات يصغرنها قيمة وموهبة. الفنانة الثانية التي شكلت حدثاً كانت مادونا، تلك الفنانة اللبنانية التي استطاعت في يوم من الأيام أن تحقق نقلة جديدة في عالم الفن الاستعراضي. حين غنت مادونا قامت الدنيا ولم تقعد، أحبها بعضهم وهاجمها بعضهم الآخر، إلا أنها شكلت حالاً خاصة. تلك الفنانة التي خطفت الأضواء سابقاً، باتت اليوم مهمشة وبعيدة من الساحة وشؤونها وشجونها. استغلت مادونا إطلالتها الأخيرة وهي الفنانة العفوية والصريحة والخفيفة الظل، لتعطي رأيها في فنانات اليوم وتلوم الإعلام الذي أبعدها عن الأضواء وتناشد شركات الإنتاج لمساعدة فنانة تميزت بتاريخ فني وبقيت حتى اليوم تحتفظ بكرامة وعزة النفس. واستضاف نيشان أول من أمس نانسي عجرم، تلك الفنانة المثيرة للجدل. قد تكون إطلالة نانسي الأخيرة فرصة تؤكد ذكاءها واقتناعها التام بما تقدمه من فن، معترفة بأن ذلك يعتمد على الإغراء لكنه لا يتعدى حدود الأنوثة. بدت نانسي واثقة من إجاباتها، حازمة، عفوية، صادقة، والأهم أنها كانت طبيعية. لفتت ابنة العشرين عاماً الانتباه بتلك الأجوبة المقنعة، فنجحت في اقناع المشاهدين بأن ما تقدمه ليس مبتذلاً، وأنه امتداد لما قدمته سابقاً هند رستم وسعاد حسني... نانسي "لا تعرف بالسياسية"، لكنها تعرف كيف تسيّس أجوبتها وتديرها بحكمة. تعرف جيداً كيف تدافع عن أسلوبها الغنائي، وصوتها الذي يحمل سمات طربية... شئنا أم أبينا! يستضيف نيشان في الحلقات المقبلة أسماء لامعة: هالة سرحان وحمدي قنديل وخديجة بن قنة. فهل تنجح تلك الأسماء في تقديم نفسها بصورة جديدة؟ وهل ينجح نيشان، في المحافظة على بريق برنامجه، أم انه سيقع في فخ التكرار ويأخذ مواقف مسبقة من ضيوفه ويبالغ في أداء أدواره الثلاثة؟